ملف الصحراء الغربية يضع العلاقات بين الجزائر وإسبانيا على المحك.. أزمة تصريحات وتهديدات بوقف إمدادات الغاز
شهدت العلاقات الجزائرية الإسبانية موجة جديدة من التصعيد، وضعت العلاقات الممتدة بين البلدين في نقطة اللاعودة إثر أزمة تصريحات مدريد حول ملف الصحراء الغربية، والتي امتدت إلى التهديد بوقف إمدادات الغاز من الجزائر.
أزمة الجزائر وإسبانيا
وبين مطرقة الصحراء وسندان الغاز تعيش العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر ومدريد أسوأ مراحلها خاصة مع بيان وزارة الطاقة والمناجم الجزائرية والتي أكدت من خلاله بأن «أي كمية من الغاز الجزائري المصدرة إلى إسبانيا تكون وجهتها غير المنصوص عليها في العقود، ستعتبر إخلالًا بالالتزامات التعاقدية، وقد تفضي إلى فسخ العقد الذي يربط سوناطراك بزبائنها الإسبان».
لتعود اليوم الجزائر من جديد في تهديد صريح لمنع إمدادات الغاز إلى إسبانيا إذا باعت مدريد أي غاز جزائري إلى دول أخرى، وعزت ذلك إلى ما قالت إنه قرار إسباني لتصدير الغاز إلى المغرب عبر خط أنابيب.
وأدانت الجزائر، التصريحات الإسبانية حول رفض مدريد تأجيج الخلافات العقيمة مع الجزائر، في إشارة إلى تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون حول موقف مدريد من النزاع في الصحراء الغربية.
تصريحات الرئيس الجزائري
وأبدى عمار بلاني المبعوث الجزائري الخاص حول الصحراء الغربية والمغرب العربي أسفه للتصريحات «غير المقبولة» وفق وصفه، أدلى بها وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، وصف فيها تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بـ «العقيمة».
وقال المسؤول الجزائري في تصريحات إعلامية إن «مثل هذه التصريحات لن تساهم بالتأكيد في عودة سريعة للعلاقات الثنائية إلى طبيعتها، وسيتعين على الوزير الإسباني تحمل العواقب»، ما يطرح علامات استفهام حول مآلات الأزمة الحالية بين الجزائر وإسبانيا، وما تملكه الجزائر من أوراق لتوظيفها فيها.
وتدعم الجزائر جبهة البوليساريو التي تسعى إلى استقلال الصحراء الغربية، وهي منطقة يعتبرها المغرب أرضا تابعة له. وأعلنت إسبانيا الشهر الماضي أنها تدعم خطط الرباط لمنح المنطقة حكمًا ذاتيًّا.
ليأتي الرد من مدريد بتأكيد وزارة الطاقة الإسبانية أنها تخطط لتصدير الغاز للمغرب لكنها شددت على أن تلك الشحنات لن تشمل غازًا من الجزائر في تصعيد خطير للازمة بين البلدين.
الصحراء الغربية
ولم تندمل جراح الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر ومدريد عقب أن استدعت الجزائر سفيرها في إسبانيا على خلفية دعم مدريد مقترح المغرب منح حكم ذاتي للصحراء الغربية، بدل إجراء استفتاء لتقرير المصير، كما تطالب «بوليساريو» المدعومة من الجزائر.
وبسبب خلافات دبلوماسية حول ملفات إقليمية، استدعت الجزائر سفيرها لدى مدريد في 19 مارس، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلدين.
والأسبوع الماضي، كشفت وسائل إعلام إسبانية عن قرار جزائري بوقف استيراد الأبقار ولحومها من إسبانيا، ووصفته بـ«القرار الانتقامي السياسي»، فيما لم تؤكد أو تنفي السلطات الجزائرية لحد الآن هذه الأخبار.
وذكرت المصادر الإعلامية ذاتها، بأن القرار الجزائري خلف خسائر لإسبانيا بقيمة 55 مليون يورو، وأكدت بأن الجزائر «من أكبر وأهم المشترين الرئيسيين للحوم الأبقار الإسبانية».
تحديد سعر الغاز
وفي سياق الأزمة المتصاعدة بين الجزائر ومدريد، أعلنت شركة سوناطراك النفطية الحكومية في الجزائر بأنها «لا تستبعد مراجعة حساب سعر الغاز المصدر إلى إسبانيا».
وفي تصريحات إعلامية، أشار توفيق حكار الرئيس المدير العام لعملاق النفط الجزائري منذ بداية الأزمة في أوكرانيا، انفجرت أسعار الغاز والبترول، وقد قررت الجزائر الإبقاء على الأسعار التعاقدية الملائمة نسبيًّا مع جميع زبائنها، غير أنه لا يستبعد إجراء عملية مراجعة حساب للأسعار مع زبوننا الإسباني.
فيما أكدت وسائل الإعلام الإسبانية عن دخول البلدين في مفاوضات لتحديد سعر الغاز النهائي الذي تنوي الجزائر أن تبيع به الغاز إلى إسبانيا.
كما شكَّل الاتفاق الطاقوي الأخير بين الجزائر وإيطاليا خلال الشهر الحالي صدمة لإسبانيا وفق وسائل إعلامها، خصوصًا بعدما قررت الجزائر زيادة إمداداتها من الغاز نحو إيطاليا، وهو الاتفاق الذي وصفته روما بـ«التاريخي».
اتفاق الغاز بين الجزائر وإيطاليا
ووفق صحيفة «إل موندو» الإسبانية، فإن «مدريد فقدت مكانتها كمحور غازي لجنوب أوروبا نتيجة لاتفاق الغاز الهام بين الجزائر وإيطاليا».
وذكر مقال للصحيفة الإسبانية بأن «إيطاليا ابتعدت بشكل كبير عن إسبانيا كأكبر شريك أوروبي للجزائر في مجال الغاز، وبهذا الاتفاق المهم والتحالف الطاقوي بين البلدين فإن الجزائر تتطلع الى إيطاليا كحليف طاقوي أوروبي كبير».
واعتبرت بأنه في الوقت الذي استغل فيه رئيس الوزراء الايطالي ماريو دراجي قدرة الجزائر الاضافية المحدودة برفع مبيعاتها الغازية، فقدت إسبانيا مكانتها كمحور في جنوب أوروبا لتموين شركائها في القارة.
وازدادت أهمية إمدادات الغاز من شمال أفريقيا إلى أوروبا هذا العام في ظل الأزمة الأوكرانية التي ألقت بظلال من الشك على صادرات الطاقة الروسية.
لتبقى الأزمة السياسية الطاقوية بين الجزائر وإسبانيا قائمة في انتظار شرارة واحدة وتشتعل متوجهة إلى نقطة اللاعودة.