عاطف فاروق يكتب: الإعدام الوظيفي للمتهم بـ نهب أموال تكافل وكرامة
ما زالت أحكام القضاء تكشف عن المبادئ والمعتقدات التي تُشكِل أخلاقيات المجتمع، وتُنزِل العقاب الرادع بمن يخرج على هذه المبادئ، ونعيش اليوم مع حكم جديد، يطفو معه على السطح مفهوم أخلاقيات الوظيفة القيادية، وأهمية قضية اليوم في أنها تضع النقاط فوق الحروف بشأن التجاوزات المالية بكافة أشكالها، حين تصدر تلك التجاوزات عن كبار المسؤولين، ويتخذ هؤلاء الأشخاص من تلك المواقع وسيلة للتربح من الأموال المخصصة لتأهيل وتدريب ذوي الإعاقة، وهنا كان للقضاء حكم يؤكد أن القضاء سيضرب بقوة على كل يدٍ تمتد للمال العام.
وكان حكم قضائي مهم القضية رقم 24 لسنة 64 قضائية عليا مهم صادر عن مجلس الدولة أسدل الستار عن واحدة من قضايا الفساد المالي والإداري المثيرة، والتي جرت أحداثها داخل أروقة ديوان وزارة التضامن الإجتماعي وعوقب على إثرها مدير عام إدارة التأهيل بالإعدام الوظيفي، وإدانة أربعة من مساعديه بعد ثبوت قيام المتهم الأول بالاستيلاء على أموال برنامج تكافل وكرامة المخصصة لتأهيل وتدريب ذوي الإعاقة.
وأكد أن خالد علي عبده محمود، مدير عام إدارة التأهيل بوزارة التضامن الاجتماعي لم يحافظ على أموال الجهة التي يعمل بها وخرج على مقتضى الواجب الوظيفي ولم يؤد العمل المنوط به بأمانة ولم يحافظ على كرامة وظيفته، بأن طلب السلف المؤقتة أرقام شطب 4888 ـ 5260 ـ 299، بما قيمته 90 ألف جنيه بذعم تنفيذ برامج تقييمية وورش عمل ببرنامج تكافل وكرامة من حساب قرض البرنامج رغم عدم وجود ذلك الغرض وبالتالي عدم تنفيذه.
تسوية السلف
وقام المتهم سترًا لذلك باصطناع مستندات تسوية السلف واستخدامها في الغرض الذي اصطنعت من أجله بتقديمها لإدارة الحسابات بهدف إظهار واقعة صورية محل واقعة حقيقية للإيهام بتنفيذ الغرض المنصرفة من أجله تلك السلف، مما ترتب عليه حصوله على هذه المبالغ لنفسه دون وجه حق.
وطلب صرف السلف المقيدة بأرقام شطب 2022 ـ 96 ـ 779 ـ 130 ـ 4887 ـ 735 ـ 5087 ـ 1114 ـ من قرض البنك الدولي و4556 ـ 5259 ـ 29، بمبالغ بلغ إجماليها 342 ألف جنيه على الرغم من عدم صحة الغرض المطلوبة من أجله هذه السلف وعدم تنفيذها، وقيام المتهم سترا لذلك باصطناع مستندات تسوية هذه السلف، مما ترتب عليه استيلاؤه على هذه المبالغ لنفسه.
وأكدت المحكمة أن حسن وفاء العليمي، أخصائي إجتماعي بالإدارة العامة لتأهيل المعاقين بوزارة التضامن الإجتماعي وعرفة إبراهيم علي، رئيس قسم ونجيب محمد إسماعيل، سكرتير وأحمد شعبان علي، أخصائي إجتماعي لم يحافظوا على أموال جهة عملهم ولم يؤدوا العمل المنوط بهم بدقة بأن قاموا بتسليم المتهم الأول قيمة مبالغ السلف نقدًا من خلال كارت البريد مما مكنه من اختلاسها لنفسه.
تكافل وكرامة
قالت المحكمة عبر أسباب حكمها أنه بشأن المخالفة الأولى المنسوبة للمتهم الأول، فقد تبين أنه تقدم بطلبات لصرف ثلاث سلفيات، صُرفت باسمه لتكون عهدته من أموال برنامج تكافل وكرامة من حساب قرض البنك الدولي، واصطنع مستندات وبيانات لأوجه صرف تلك السلفيات لم تصادف الواقع في أي منها، مختلسا إياها، فقامت عليه الحجة بأدلة وقرائن قاطعة لا تقبل محاجة، فحق عليه القول بإتيانه عملا شائنا، إذ خان الأمانة الموكلة إليه، وارتكب ما يعصف بالمال العام من حرمة، لا سيما وإن تعلق هذا المال بشأن ذوي الإعاقة وتأهيلهم وتدريبهم.
وأكدت أن المتهم فقد أي ثقة متَعَيِّن توافرها في الموظف العام، إذ اقترف جرما يزيد من وطأة جرمه أن اقترن بادعاء نشاط وهمي محله عقد برامج تقييم وتدريب وتأهيل لذوي الإعاقة، لم ينفذها أو يكترث لأهميتها، فلم يؤتمن على مال، ولم يرع من كانت في أجسادهم عراقيل خطاهم نحو حياة صحية واجتماعية كاملة، وإذ لا يحتمل النظام الإداري إن أُريد له إصلاحا، الإبقاء على أي عنصر من عناصره ينخر في عضده إداريا أو ماليا، ويعيث فيه إفسادا وإختلاسا وادعاءً بمراعاة من هم أحوج إلى النشاطات المخصص لها المال العام، فقد صار ثبوت هذه المخالفة بعينها في حق هذا المحال كافيا في ذاته للإقرار بأنه قد بلغ بجرمه مبلغا لا يؤتمن معه على وظيفته وكرامتها والثقة المفترضة في شاغلها، فصار غل يده عنها حتما مقضيا، جزاء وفاقا، وبات حقًا تجريده من شرف الوظيفة العامة.
وعن المخالفة الثانية المنسوبة للمتهم، فإن أقوال الشهود وباقي المحالين تؤكد أنه من ضلع في طلب السلفيات المقيدة بأسماء باقي المحالين، وأوعز إليهم بمنحه القيمة المالية لهذه السلفيات، سواء بمنحه البطاقة البريدية الشخصية لبعضهم ورقمها السري، أو قيام بعضهم بسحب قيمتها المالية وتسليمه إياها، إذ ثبت أن جميع السلفيات المؤقتة التي طلبها بحسبانه حلقة الوصل بين الإدارة رئاسته ونائب وزير التضامن الاجتماعي مدير برنامج تكافل وكرامة رغم عدم وجود إطار العلاقة من الأساس بين الجهتين.
وتساندت جميع الأدلة على اقتراف المتهم الأول ما نُسب إليه، وهو الأمر الذي لا تغفل معه المحكمة التساؤل عن مصير تلك الأموال المنصرفة بهذه السلفيات لغرض لم يتحقق على أرض الواقع، وإنما نطقت الأوراق نطقا بوهميته، إذ لم تنعقد من الأصل أي برامج تقييم أو تدريب أو تأهيل أو ورش عمل لذوي الإعاقة، وكما سلف البيان بشأن المخالفة الأولى الثابتة في حقه، فقد حق عليه القول بارتكابه ما تردى به في درك سحيق من خيانة الأمانة المفترضة فيه كموظف عام وكرئيس إداري على السواء، واستغلاله واجبه في رعاية ذوي الإعاقة للاستيلاء على أموال خصصت لتأهيلهم، فتعاظم في يقين المحكمة بعد يقينٍ وقر بعقيدتها عدم استحقاقه شرف وظيفته العامة، فكان غل يده عنها في ضميرها مآلا واقعا.
منطوق الحكم
وبشأن ما نُسب إلى باقي المحالين، فإن الأوراق أفادت على وجه اليقين، وثبت استخفافهم بقيمة عهدة لا مجال للقول بعدم علمهم بأنها على عاتقهم، لا سيما وأنهم كانت لديهم السبل المكفولة قانونا لمنع المتهم الأول من استغلال سلطاته الرئاسية عليهم، ترهيبا أو ترغيبا، باللجوء إلى رئاسته بالوزارة ومن بعدها الجهات الرقابية كافة لضمان عدم استغلال الأموال عهدتهم بحسبانها ليست عن الواقع العملي ببعيدة من أن ثقة هؤلاء المحالين في رئيسهم الإداري كانت أُولى أسباب غشاوة على أعينهم ضللتهم عن سلوك السبل الصحيحة في التعاطي مع ما طلبه منهم وما اقترفه اعتمادا على استجابتهم له، وهو ما تأخذه المحكمة في حسبانها حين تقدير الجزاء الأوفى بشأنهم.
ولهذه الأسباب قضت المحكمة بمجازاة المتهم الأول خالد علي عبده محمود، بالفصل من الخدمة، لما نُسب إليه وثبت في حقه، وخصم أجر 30 يومًا من راتب المحالين حسن وفاء الدين حسن وعرفة إبراهيم علي ونجيب محمد محمد إسماعيل، والسادس أحمد شعبان علي سليمان.