عاطف فاروق يكتب: حكاية المال السايب في القوى العاملة
رصد حكم قضائي صادر عن مجلس الدولة قضية فساد مالي وإداري من العيار الثقيل داخل مديرية القوى العاملة بمحافظة كفر الشيخ عوقب على إثرها وكيل الوزارة ومدير ومراجع الحسابات بعد ثبوت تلاعبهم في صرف بدلات الانتقال بالمخالفة لقرارات المحافظ، والاستيلاء على بدل الوجبات عن طريق تزوير مستندات الصرف.
والمخالفة الأولى المنسوبة إلى المحال الأول عزت محمد بسيوني، بصفته مدير مديرية القوى العاملة بكفر الشيخ، تتمثل في قيامه بالموافقة على صرف بدل انتقال يومي (ذهاب وعودة) لأعضاء لجنة توفيق أوضاع المنظمات النقابية واللجان المشكلة لذلك الغرض، رغم عدم قانونية صرف ذلك البدل لعدم توافر الشروط اللازمة لصرفه بالمخالفة للتعليمات.
وكذا المخالفة الأولى المنسوبة إلى المحال الثاني أحمد عبد الفتاح عبد الرحمن، بصفته مراجع الحسابات، والتي تتمثل في قيامه بعرض مذكرتين على مدير المديرية (المحال الأول) بشأن صرف بدل انتقال أعضاء اللجنة العليا المشرفة على توفيق أوضاع المنظمات النقابية واللجان المشتركة في العملية الانتخابية، مما ترتب عليه صرف مبالغ مالية بدون وجه حق.
العملية الانتخابية
والمخالفة المنسوبة للمحال الثالث محمد أحمد علي زيدان، بصفته مدير حسابات بمديرية القوى العاملة بكفر الشيخ، والتي تتمثل في قيامه بالموافقة على صرف بدل انتقال يومي ذهاب وعودة لأعضاء اللجنة المشرفة على توفيق أوضاع المنظمات النقابية واللجان المشتركة في العملية الانتخابية.
قالت المحكمة عبر أسباب حكمها إن قيام المحال الثاني بتحديد مقدار هذه المصروفات في المذكرتين المعروضتين منه على المحال الأول بمبالغ ثابتة محددة سلفا بطريقة جزافية دون أسس واضحة، ودون وضع ضوابط أو معايير محددة لاستحقاقها، ودون أن يتوقف صرفها على قيام الموظفون الذين تقررت لهم هذه المصروفات بإنفاقها بالفعل سلفا وبتقديم طلب لاستردادها مرفقا به المستندات التى تؤكد إنفاقها بالفعل، بالمخالفة لما اشترطه المادة (26) من لائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال.
فإن ذلك يكشف بجلاء أن الغرض من هاتين المذكرتين لم يكن منح الموظفين المشاركين في توفيق أوضاع المنظمات النقابية وفي وانتخابات مجالس إدارتها مصاريف انتقال نظير قيامهم بالعمل بعد أوقات العمل الرسمية وفي أيام العطلات الرسمية، وإنما كان منحهم ميزة مالية دون سند من أحكام القانون واللوائح أو القرارات الصادرة فى هذا الشأن، وأن إطلاق مسمى "مصاريف انتقال" على المبالغ التى تقرر صرفها لهؤلاء الموظفين كان سترا للعوار الذى شاب تقرير صرفها، ومحاولة لإسباغ الشرعية على إجراءات الصرف، وإخفاء حقيقة عدم وجود سند قانونى لصرف تلك المبالغ.
وإذ أعد المحال الثانى المذكرتين المشار إليهما، ووافق عليهما المحال الأول وقام باعتمادهما، واستند المحال الثالث إليهما لصرف المبالغ المدونة بهما للموظفين المذكورين، فإن المخالفات المنسوبة إلى المحالين الثلاثة تكون ثابتة فى شأنهم ثبوتا يقينيا.
المنظمات النقابية
وعن المخالفة الثانية المنسوبة للمحال الأول، والتي تتمثل في موافقته على صرف مقابل وجبات للعاملين القائمين على عملية توفيق أوضاع المنظمات النقابية والعملية الانتخابية بالمستند رقم (934) رغم سابقة قيامه بعرض مذكرة على المحافظ لصرف حافز إثابة لهؤلاء العاملين شاملة بدل الوجبات، مما أدى إلى ازدواج صرف ذلك البدل، والتوقيع على مستندات صرف ذلك المقابل حال خلوها من توقيع باسم سمير بغدودة على الرغم من كونه رئيس اللجنة المشكلة لشراء تلك الوجبات.
ومن مطالعة كشف استلام العاملين للوجبات تبين أن توزيع الوجبات التي تم سداد ثمنها بالمستند رقم (934) المؤرخ 11/6/2018 قد بدأ اعتبارًا من تاريخ 24/3/2018، بما مؤداه أنه قد تم الانتهاء من إجراءات شراء هذه الوجبات قبل التاريخ الأخير، وكان القدر المتيقن منه أن المحال قام بالعرض على المحافظ لصرف حافز الإثابة مشتملًا على بدل الوجبات في تاريخ لاحق على تاريخ البدء في إجراءات شراء الوجبات المشار إليها والتي تم سداد ثمنها.
وتضمنت مذكرة العرض على المحافظ أن حافز الإثابة المطلوب الموافقة عليه هو عن كامل مدة عمل اللجنة، كما تضمنت المذكرة التي تم عرضها على المحال للموافقة على تشكيل لجنة لشراء وجبات للعاملين القائمين على توفيق الأوضاع وإجراء انتخابات المنظمات النقابية ما يفيد أن الوجبات المطلوب شراؤها سوف يتم توزيعها، بما مؤداه ازدواج صرف الميزة العينية (الوجبات) ومقابلًا عنها (البدل) عن ذات الفترة بالنسبة للأعضاء لجنة توفيق الأوضاع ومن بينهم المحال.
ضغط العمل
وفضلًا عن ذلك فقد أقر المحال بقيامه بالتوقيع على مستندات صرف مقابل الوجبات المشار إليه حال خلوها من توقيع رئيس اللجنة المشكلة لشراء تلك الوجبات، وبرر ذلك بضغط العمل، وكان ما برر به المحال مسلكه لا يعفيه من المسئولية، فمن ثم تكون المخالفة ثابتة في حق المحال ثبوتًا يقينًا
وعن المخالفة الثانية المنسوبة إلى المحال الثاني أحمد عبد الفتاح عبد الرحمن، بصفته مراجع حسابات بمديرية القوى العاملة بكفر الشيخ، وتتمثل وفقًا للثابت من التحقيقات في استيلائه بدون وجه حق على قيمة بدل وجبات للعاملين القائمين على العملية الانتخابية بالمديرية، والذي تم صرفه بالمستند رقم (934) باصطناع مستندات صرف وهمية تمثلت في عروض أسعار وفواتير وختمها بأختام نسبت زورًا إلى مطعم اليخت.
فقد استقر فى عقيدة المحكمة ووقر فى ضميرها، وفقا للمستندات ولأقوال الشهود وإقرار المحال، أن هناك وجبات غذائية جرى توزيعها بالفعل على بعض العاملين، غير أن مصدر هذه الوجبات وطريقة وإجراءات شرائها ومقدار المبالغ التى دفعت ثمنا لها يظل مجهولا محاطا بالريب والشبهات بعد أن أصبح من الثابت يقينا للمحكمة أن مطعم "اليخت" لم يكن مصدر هذه الوجبات ولم تصدر عنه أى فواتير بشأنها.
منطوق الحكم
وبعد أن أقر المحال بأن أوراق المناقصة من عطاءات وكشف تفريغ ومحاضر جرى إعدادها لمجرد استيفاء الإجراءات الإدارية، وأن جميع العطاءات هى عطاءات وهمية تم تقديمها من مطعم واحد على أن يكون هذا المطعم هو صاحب العطاء الأقل، وبذلك يصبح القدر المتيقن ثبوته فى حق المحال بالنسبة للمخالفة المنسوبة إليه أنه قام باصطناع مستندات صرف وهمية تمثلت في عروض أسعار وفواتير وختمها بأختام نسبت زورًا إلى مطعم "اليخت".
ولهذه الأسباب قضت المحكمة بمجازاة المحال الأول عزت محمد محمود، بغرامة توازي ضعف أجره الوظيفي الذي كان يتقاضاه في الشهر عند انتهاء الخدمة ومجازاة المحال الثاني أحمد عبد الفتاح عبد الرحمن، بغرامة توازي خمسة أضعاف أجره الوظيفي الذي كان يتقاضاه في الشهر عند انتهاء الخدمة وخصم أجر عشرة أيام من راتب المحال الثالث محمد أحمد علي.