رئيس التحرير
عصام كامل

الشيخ محمود عاشور لـ "فيتو": الذين يدعون للاستشهاد في سبيل منصب دنيوي يخالفون الإسلام

فيتو

  • لا جهاد في مجتمعنا الآن إلا ضد العدو الخارجي الذي يريد احتلال أرضنا
  • الإسلام لم يأمر مطلقا أن يقتل المسلم نفسه من أجل منصب في الدنيا
  • الاستشهاد على سلطة أو أمر دنيوي مناف للإسلام
  • لا يوجد في مصر مشركون يريدون أن يخرجونا من ديارنا لنجاهد ضدهم
  • قتل جنود يقدمون أنفسهم فداء للأوطان بالتفجيرات ليس جهادا
  • الإسلام صبغ بدين السيف والعدوان بسبب أفعال القتل الحمقاء للمخالفين في الملة
  • الشعب المصري يرفض أن تحكمه شريعة الإخوان

أكد فضيلة الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق أن الذين يدعون للاستشهاد في سبيل منصب دنيوي يخالفون الإسلام مشددا في حوار لـ"فيتو" على حرمة الدم وأن الإسلام الحنيف شدد في تشريعه على حرمة النفس وأنها بنيان الله في الأرض المنوط بها إعمار الأرض وألا تقتل إلا بالحق الذي حدده الشرع وتابع عاشور أن المسلمين عند الله سواء لا فرق بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوي والعمل الصالح وأنه لا يوجد جهاد في مجتمعنا الآن إلا على العدو الخارجي الذي يريد احتلال أرضنا.
والحوار التالي به المزيد:
- بداية بعد عزل مرسي من قبل الجيش استجابة لرغبة جموع الشعب، ينادي البعض الآن من المنتسبين لبعض الجماعات المتأسلمة بالاستشهاد والقتل في سبيل الإسلام فكيف يكون هذا؟
القتل وإراقة الدماء في الإسلام حرام والله تبارك وتعالى قال في كتابه العزيز {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} وقال جل وعلا أيضا {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} فهذا جزاء من يقتل النفس المؤمنة له عذاب جهنم وغضب من الحق تبارك وتعالى عليه وعذاب عظيم يخلد فيه كل هذه العقوبات الإلهية المغلظة من الله تبارك وتعالى للقاتل لعظم ما يفعل من مخالفة أوامر الله في النهي عن قتل النفس، والحق يشدد على تحريم الاقتتال في قوله تعالي {من قتل نفس بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} أي أن قتل النفس بغير حق أو بغير ارتكاب المفاسد في الأرض التي حددها الله تعالى فكأنما قتل الناس جميعا، ولكي يحد من عملية القتل في المجتمع لابد للقاتل أن يقتل ولا يقتل همجا فتصير البلاد كالغابات بل يقتل القاتل بالقانون الذي تقوم على تنفيذه أجهزة الدولة، هذا جانب وهناك جانب آخر وهو أنه لو نظرنا إلى هؤلاء الذين يتحدثون عن الإسلام لوجدناهم يتشدقون بالشريعة والدين كلما حدث أمر يناقضهم وكأنهم يطوعون الدين لخدمتهم والإسلام لم يأمر مطلقا أن يقتل المسلم نفسه من أجل منصب في الدنيا بل إن هذا مخالف ضد الإسلام.
- أفعال النبي والصحابة كما ورد في السنة النبوية لم تكن كما يدعون هذا فكيف نرد عليهم؟
الرسول "ص" قال في الحديث الشريف {الإنسان بنيان الله ملعون من هدم بنيان الله} فلننظر كيف يبين لنا النبي "ص" عظم الإنسان عند خالقه أنه بنيان الخالق فكيف بجزاء من يهدم بنيان الخالق في الأرض؟ إن الدنيا تقوم ولا تهدأ عندما يهدم إنسان طوبة لجاره في جدار فتستدعى الأفراد وتجيش العائلات ويصير الاقتتال بين الناس لهدم شيء من بنيان العبد فكيف ببنيان خالق العبد؟ وقال أيضا "ص" "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" وبالتالي لا ينبغي مطلقا أن يقتل إنسان أخاه الإنسان أو يعتدي عليه أو يروعه فالقتل والتدمير والحرق ليست صفات المؤمنين، هذه صفات المجرمين المفسدين فكثير من الجرائم ارتكبت باسم الإسلام فهل قتل الجنود الذين يقدمون أنفسهم فداء للأوطان والمسئولين والمفكرين والأطفال والشيوخ بالتفجيرات يسمى جهادا، هل قتل من يختلف عنا في الملة يسمى جهادا؟ كل هذه الأفعال الحمقاء كان عقابها أن صبغ الإسلام بأنه دين السيف والعدوان ووقف أهل الغرب الاستعماري يتربصون ببلاد الإسلام لاحتلالها بعد أن تضعف هذه البلاد بشقاق أبنائها وتكفيرهم لبعض واقتتالهم لبعض، أيضا الجهاد الحق لا يتحمل هذه الأفعال الإجرامية والله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز {اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق الا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا} والمعنى إذن أن الله يقول للمؤمنين الذين قاتلهم المشركون إن يردوا اعتداءهم بسبب ما نالهم من ظلم صبروا عليه طويلا وإن الله لقدير على نصر أوليائه المؤمنين الذين ظلمهم الكفار وأرغموهم على ترك وطنهم مكة والهجرة منها وما كان لهم من ذنب اقترفوه إلا أنهم عرفوا الله فعبدوه وحده ولولا أن الله سخر للحق أعوانا ينصرونه ويدفعون عنه طغيان الظالمين لساد الباطل وتمادى الظلم والطغاة في غيهم وأسكت صوت الحق ولم يتركوا للنصارى كنائس ولا للرهبان صوامع ولا لليهود معابد ولا للمسلمين مساجد يذكر فيها جميعا اسم الله ذكرا كثيرا، فهل يوجد بيننا في مصر الآن مشركون يريدون أن يخرجونا من ديارنا؟ بالطبع لا.. إذن على من يعلن الجهاد وكانت تلك هي أولى الآيات لتي أعطت الإذن للنبي "ص" والذين معه بالقتال { والجهاد في سبيل الله} وكانت الآية الثانية {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا} فنجد أن الإذن بالقتال في هذه الآية كان دفعا للعدوان عن الذين أسلموا وهم بمكة ولا سند لهم يعينهم على الهجرة أو على دفع الظلم عنهم ويتعذبون بإيمانهم ويطلبون العون الإلهي لنجدتهم وتلك كلها أعمال دفاع ليس فيها شبهة عدوان، ومما يؤكد هذا المعنى قول الله عز وجل {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} فكم من خطايا وجرائم ترتكب باسم الجهاد؟ قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه أول ما قدم رسول الله "ص" المدينة انجفل أي اندفع الناس إليه فكنت ممن جاءه فلما تأملت وجهه واستبنته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول ما سمعت من كلامه أنه قال { أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام }
- القتال والتكفير من أهم أسلحة هؤلاء في مواجهة المسلمين إخوانهم فكيف وجه الشرع الحنيف علاقة المسلم بأخيه المسلم في ظل هذا التناحر الذي يحدث الآن وما مقومات تلك العلاقة؟
علاقة المسلم بأخيه المسلم علاقة قوامها المحبة والوفاء بالعهود والأمانة وتقوم هذه العلاقة على الإيمان والإيمان الحق هو الذي يثمر تلك الأخوة بما لها من حقوق وعليها من واجبات، والإنسان المسلم حين يضع في اعتباره وقرارة نفسه أن كل مسلم مهما اختلف لونه أو بعدت داره أو تباين لسانه هو أخوه تجمعهما أسرة الإسلام الرحبة لا يصدر عنه أي عمل يسيء إلى أخيه المسلم لأنه وكما في الحديث { لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه} هكذا نرى كيف عنيت السنة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام بتنقية علاقة المسلم بأخيه من كل آفة من الآفات وكل رذيلة من الرذائل التي من شأنها القضاء على تلك العلاقة وضياع الأخوة الإسلامية أو تعريضها لريح الفتنة وعواصف السوء، ففيما أخرجه الإمام مسلم يقول "ص" {إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله تعالى المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام ماله ودمه وعرضه إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم التقوى هاهنا التقوى هاهنا ويشير إلى صدره
ألا يبيع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث} وروى الإمام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ص قال { تدرون من المفلس؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال "ص" المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وسفك دم هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه في النار} وعن أبي بكر رضي الله عنه أن الرسول "ص" قال في خطبة يوم النحر بمنى في حجة الوداع { إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا ألا قد بلغت}
- يغلب التيار الإسلامي مصلحته على مصلحة الوطن فهل هذا من الإسلام وكيف أعلى الإسلام من شأن الوطن والحفاظ عليه وتغليب مصلحته على المصلحة الشخصية؟
الوطن له قيمة عظيمة في الإسلام وحث الشرع أبناء الوطن على أن يبذلوا أغلى ما يملكونه وهو النفس في سبيله وأن من يموت في سبيل الوطن دفاعا عن انتهاكه فهو شهيد ورسول الله "ص" ضرب لنا المثل الأعلى في حبه للوطن عندما أخرجه المشركون من مكة بقوله والله إنك أحب بلاد الله إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت وعندما هاجر إلى موطنه الثاني المدينة أسس للمواطنة والعيش بين فئات المجتمع المتباينة في اللون والعرق والدين، فكتب أول وأرقى وثيقة تعايش في تاريخ البشرية وهي دستور المدينة وبفضل هذا الدستور تعايش المسلم مع اليهودي وكذلك مع النصارى والمجوس وكان قوام هذا الدستور أن الكل لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى وأرسى النبي "ص" في قواعد المواطنة والوطن الدفاع المشترك بين أطيافه المختلفة دينيا وعرقيا ومن يستعدي أحدا عن الوطن فهو خائن ومفسد في الأرض وجزاء الخائنين والمفسدين في الأرض هو القتل والنفي حتى يبرأ المجتمع من الخبث الذي يضعفه ويوهنه وعلى الأمة الإسلامية الآن عموما والمصرية خصوصا أن تستقبل رمضان الكريم بالتبرؤ من الدماء والعودة إلى الله وأن يتوب الجميع إليه ويعترف من ارتكب إثما في حق هذا الوطن وعلى الجميع أن يدخلوا جميعا في يوم مرحمة شريطة أن يحاسب من أراق دما أو حرق مؤسسة أو عطل طريقا حتى يستقيم الأمر بإذن الله تعالى.
- نجد أن التيار الإسلامي يقول إن في عزل مرسي عزلا للإسلام ولشريعة الإسلام رافعين شعارات ماذا وجدتم من الله حتى تكرهون شريعته؟
لا بالعكس هم كانوا لا يطبقون الشريعة لأن الشريعة هي الأحكام الشرعية التي نزلت من عند الله وبها يحكم الناس، ولكن بكل أسف خلال الفترة السابقة التي حكموا فيها البلاد لم تطبق الشريعة بل ابتعدنا عن حكم الله وليس هذا هو الشرع ولا الحكم بالشريعة فليست الشريعة تقول إن كل فرقة تكفر الأخرى وهذا أمر مخالف للشريعة، إذ كيف أكفر المجتمع كله لأنه يطالبني بضرورياته ويرى أنني أخطأت؟ والحقيقة أن الإخوان استخدموا الإسلام استخداما في غير ما شرع له فأخذوا الإسلام ذريعة للصعود إلى الحكم ولم يطبق، ثم نتكلم عن الشريعة والشرعية والصندوق، في حين أن الناس ليست ضد الشريعة، الشعب المصري بمسلميه ومسيحيه يريدون تطبيق الشريعة ولكن شريعة الله وليست شريعة الإخوان ولا غيرهم.

الجريدة الرسمية