متاهة الموت.. لماذا لم تقتحم روسيا مصنع أزوفستال في ماريوبول
تحصن ما يقرب من 1500 إلى 2000 جندي أوكراني داخل مصنع أزوفستال في مدينة ماريوبول الأوكرانية والتي أعلن الجيش الروسي انتصاره فيها بينما لم يدخل في الوقت نفسه في معركة سريعة لتحقيق الانتصار النهائي على القوات الأوكرانية والتي تعد ضعيفة إلى حد كبير في مواجهة الآلة العسكرية للدب الروسي؛ فلماذا تخشى موسكو من أزوفستال.
انتصار الجيش الروسي
ومع إعلان انتصار الجيش الروسي على المنطقة المطلة على بحر آزوف والتي تعد أحد أهم الأهداف الإستراتيجية بقي مصنع للتعدين يقض مضجع القادر الروس، وعلى رأسهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الدفاع سيرجي شويجو والذي أعلن أن أكثر من ألفي مسلح محاصرون الآن في مصنع أزوفستال.
ليأتي القرار من الرئيس الروسي والذي هنأ وزير الدفاع على نجاح العملية في ماريوبول، بالتزامن مع أمر بإلغاء خطط اقتحام مصنع التعدين، مشيرًا إلى أنه يريد استمرار حصاره بشكل آمن بدلًا من ذلك في إستراتيجية جديدة تسمى «المحاصر في سراديب الموت».
وتشمل هذه الإستراتيجية عدم الدخول في مصيدة القوات الأوكرانية خاصة أن المنطقة تتألف من شبكة واسعة من الأنفاق تحت الأرض.
وقال بوتين: «أعتبر الهجوم المقترح على المنطقة الصناعية غير مناسب.. أطلب إلغاءه.. يجب أن نفكر في حياة وسلامة جنودنا وضباطنا ولا يجب أن ندخل سراديب الموت هذه ونزحف تحت الأرض.. يجب إغلاق هذه المنطقة بأكملها؛ بحيث لا ندع ذبابة واحدة تمر».
وتصريحات بوتين تؤكد تغيير التكتيك الروسي من اقتحام المصنع الذي يعتبر من أكبر مصانع التعدين في أوروبا، إلى تطويقه، فما الذي يدفع بالقوات الروسية إلى هذا التغيير؟
متاهة مضادة للنووي
وتخشى روسيا من مفاجآت حال اقتحامها للمصنع الذي يعتبر بمثابة مدينة داخل المدينة، ما يضع قواتها في خطر الكمائن والتفجيرات وبالتالي يكبدها خسائرَ في الأرواح يمكن أن تتفاداها بالتضحية بوقت إضافي بدل تحقيق نصر سريع لكنه مكلف.
ومن هذا المنطلق، يبدو أن موسكو الخبيرة بخفايا المصنع الذي بناه السوفيت، تفضِّل اللعب على وتر الوقت ومسار الحرب بشكل عام وانتصاراتها على الأرض، حتى تحدد بوصلة الصراع لصالحها ما من شأنه أن يشيع نوعًا من الإحباط بصفوف المقاتلين الأوكرانيين المرابطين بالمصنع، وقد يدفعهم ذلك للاستسلام، فيكون نصرًا بلا خسائر.
فالمصنع يشكل مدينة كبيرة مترامية الأطراف تمتد على مساحة 4 أميال مربعة على طول الواجهة البحرية لمدينة ماريوبول، ويضم عددًا كبيرًا من المباني المقاومة للنووي والانفجارات ومسارات السكك الحديدية والأقبية والأنفاق تحت الأرض.
ومن الداخل لا يبدو المبنى على ما هو عليه من الخارج؛ إذ يضم تحته مدينة أخرى مشيدة على طول شبكته الجوفية، وفي طبقته التحتية الأولى، ويوجد طابق مزيف للتمويه يضم المواد الصلبة والتعدين والمواد الخام ليوحي بأنه وحدة تخزين.
طبقات داخل الأرض
طابق تمويهي يخفي مدينة سرية تبدأ بالظهور كلما تقدم المرء نحو عمق الأرض؛ حيث توجد طبقة سفلية ثانية، وتحتها طبقة أخرى تتكوَّن من مزارع تنبت فيها مختلف أنواع الفواكه والخضراوات، ما يعني أن مطعم المصنع قادر على تحقيق اكتفائه الذاتي، وهو ما يفسر صمود مئات أو آلاف المقاتلين المرابطين داخله.
وإلى الأسفل، توجد طبقة أخرى فيها مقهى وورشة، وتحتها طبقة تضم مساكن للقاطنين، وفي آخر الطبقات توجد وحدة نظام ترتبط بوحدات التحكم موزعة على كل أجهزة الكمبيوتر العاملة بالمدينة الصناعية بنظام اتصالات متطور، ما يجعل المقاتلين داخله قادرين على التواصل مع الخارج ومراقبة الحركة بمحيط المبنى.
ومع كل تلك التحصينات يمثل مصنع أزوفستال مقبرة حقيقية للجيوش حتى للجيش الروسي نفسه والذي يخشى فقد انتصاره في ماريوبول على أعتاب متاهة سراديب الموت الأوكرانية.