رئيس التحرير
عصام كامل

مستشار شيخ الأزهر لـ"فيتو": ما يحدث في مصر الآن صراع سلطة لا صراع دين

فيتو

  • على جميع سلطات الدولة أن تواجه العنف حتى لا نصل إلى مصير مجهول
  • على الجميع ألا ينطق بقتل أحد أو إقصائه أو ازدرائه
  • الفضائيات تستضيف متطرفي الاتجاهين يتناحرون كالديكة دون تقديم حلول
  • الإعلام صنع كثيرًا من ارتباك المشهد في البلاد
  • الاتجاه الإسلامي يصور الآخر على أنه خائن وكافر وتلك قضية خطيرة
  • اتهم الجميع بعدم إعلاء مصلحة الوطن فوق مصالحهم الشخصية
  • مَن يفتي بقتل الناس وهتك أعراضهم وتعطيل طرقهم سيهوي بكلمته هذه في النار
  • الأوطان لا تبنى بسفك الدم وإشاعة الفوضى والاحتراب بالشوارع
  • على الجميع الآن في هذه اللحظات الحرجة أن يعي أمانة الكلمة

أكد الأستاذ الدكتور محمد كمال إمام، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الإسكندرية ومستشار شيخ الأزهر أن الإعلام صنع كثيرًا من ارتباك المشهد في البلاد باستضافته متطرفي الاتجاهين يتناحرون على الشاشات تناحر الديكة دونما تقديم رؤي وحلول.

وقال في حواره لـ "فيتو" إن الانقسام الموجود الآن في الشارع المصري هو في حقيقته صراع على السلطة وإن النخبة من الحكام والمعارضة قادت الجماهير دونما نظر في أوضاعهم الاقتصادية والأمنية كي تؤيد كل فريق منهم يرى أنه وحده على الحق، ودعا الذين يقودون تلك الجماهير إلى أن يتبرأو من العنف والسلاح وأن يجلسوا للحوار حتي لا ينزلق الوطن إلى حرب أهلية، وشدد إمام على أن شرع الله منوط إقامته بتسيير مصالح الناس وحفظ دمائهم وأموالهم وأعراضهم وعدم تعطيل منشآت الدولة.

وأضاف أن ما نراه الآن من انقسام يرجع إلى الخطابات الفقيرة في الحلول من النخبة سواء كانت حكاما أو معارضة فليتق الله الجميع في الكلمة ولا ينطق أحد بقتل أحد أو إقصائه أو ازدرائه وأن الخروج من الأزمة الحالية بالجلوس للحوار الجاد وتغليب الأفكار الصالحة بعيدا عن لون مقدمها أو دينه أو عرقه.

والحوار التالى يكشف المزيد.

- بداية التصارع والتظاهر الآن أوجدا خلافا كبيرا في المجتمع المصرى بين حلاله وحرامه وأصبح صراعا تكفيريا.. فكيف نخرج من هذا الخلاف؟
ملاحظ أن الخطاب من بدايته خطاب إقصائى متعصب فنجد الإسلامي يقول للعلماني أو المدني لا تتظاهر الأمر ليس على هذا النحو، ونحن لا يجب أن ننظر إليه على هذا النحو وإنما يجب أن ننظر إليه من منظور أن هناك وطنًا فيه أغلبية ومعارضة وهذه المعارضة من حقها إبداء الرأي والأغلبية من حقها أن تدافع عن رأيها، وعلينا أن نلتزم بالحوار باعتباره الطريق الأوحد للوصول إلى الائتلاف حول الآراء المختلفة، أما أن يتصور فريق أن يفرض رأيه على الفريق الآخر أو فريق يتصور أنه يدير الدولة بمفرده أو فريق يخيل له أنه يستطيع إقصاء فريق قائم ويأتي بفريق آخر وتكون الخطابات تكفيرية، كل هذه خطايا في داخل الأمة ينبغي التخلص منها لأن القضية لم تعد قضية إصلاح الآن، فهناك قوتان تتصارعان على الساحة وهناك قوة تتصور أنها لن يكون لها وجود إذا نجحت القوة الأخرى في إدارة الدولة والآخرون يرون أن من حقهم منحهم إدارة الدولة إذا نجحوا والنجاح ينسب إليهم والي مجتمعهم وإذا فشلوا فصناديق الانتخاب كفيلة بإزالتهم وعلى الفريق الثاني تقديم بدائل للإصلاح بدل التغيير لأن التغيير سيكون سنة متبعة لأي فريق يعتلي الحكم. 

- المشهد الآن مرتبك ومرشح لعنف كبير.. ما كيفية تفادي العنف في المجتمع الآن؟
على الجميع أن يبرأ من القتل والسلاح والتحريض على العنف، فمن حق الذين يناصرون أن يؤيدوا ومن حق الذين يعترضون أن يخالفوا، لكن مع الحفاظ على أرواح الناس والمرافق العامة ويعلنوها سلمية أما إذا أصبح الأمر استقطابا حادا فالقاعدة عندنا في الشريعة الإسلامية أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وبالتالي هذا التظاهر إذا أصبح دمويا يجب أن يتوقف فورا، وعلي جميع سلطات الدولة أن تواجه العنف حتي لا نصل إلى مصير مجهول أما من يدخل الصراع حول من يحتكر الحقيقة فالعلمانيون والمدنيون يقولون انهم يحتكرون الحقيقة وكذلك الاسلاميون، فالاتجاه المدني أو العلماني يصور الإسلاميين على أنهم مخربون ورجعيين ويفتقرون الرؤي، والاتجاه الإسلامي يصور الآخر على أنه خائن وكافر، فتلك قضية خطيرة من الطرفين، فلا العلمانيون كفرة ولكنهم أصحاب رأي مختلف ولا الإسلاميون إرهابيون ولكنهم أصحاب رأي مختلف أيضا.

- برأيك من المسئول عن حالة الاستقطاب الموجودة في الوطن الآن ؟
الإعلام صنع كثيرا من ارتباك المشهد في البلاد باستضافته متطرفي الاتجاهين يتناحرون على الشاشات تناحر الديكة دونما تقديم رؤي وحلول ولكن يقدم دائما سباب وتهديد وتخوين فحدث هذا الاستقطاب الكبير في المشهد الذي يعيشه الناس الآن بين ثنائية غريبة إما أنهم علمانيون كفرة أو إسلاميون إرهابيون وعلى الجميع أن ينظر إلى المعادلة الآن ليس بمبدأ أن السلطة من الذي يأخذها ولكن الوطن من الذي يحميه وهذا هو معيار الوطنية، ومعيار الخطأ والصواب فيها كيف أحمي الوطن ومقدراته لا أن استحوذ على سلطة يذهب ضحيتها أناس أبرياء. 

- كيف يخرج الوطن من هذا المشهد المتأزم والمتصارع؟
الخروج من المأزق أن نعلي الوطن فوق السلطة وأن نتصور أن للوطن حقوق وواجبات على من في السلطة وخارجها، ومن أولي الواجبات أن يكون الشارع هادئا وأن يكون الأمن محققا حتي لا ينهار الاقتصاد وعلي النخب ومن في السلطة أن ينظروا إلى الناس الذين يسكنون العشوائيات والمقابر والأطفال الذين يسكنون الشوارع، أيضا عندما لم يجدوا من المجتمع اهتماما سيكونون قنابل تنفجر فيه بالتخريب نتيجة حقدهم عليه والمرضي في المستشفيات الذين يفتقدون ابسط مقومات العلاج، فعلي الجميع معارضة واغلبية أن يتذكروا أنهم سيقفون أمام الله تعالي وسيجزون بين يديه على ما اقترفوا من جرائم في حق الوطن من سفك دماء ونهب ثروات وترويع للآمنين، والبعض يصور الصراع الآن بين التيار الإسلامي والليبرالى أنه صراع بين معسكر يريد شرع الله وآخر لا يريده. 

- نود توضيح ذلك الأمر؟
الصراع الآن صراع على السلطة وتقاد الجماهير من الأغلبية والمعارضة للاستحواذ على السلطة وكل هذه أفكار خاطئة، وعلينا أن نسمي الأشياء بمسمياتها هذا صراع على السلطة وليس صراع على الحريات، وفي مثل هذه الحالات تنشط الأيادي الخارجية التي لا تريد بمصر خيرا والذين يتحاربون في الشارع الآن إذا ما دخلوا في العنف سيتفرج العالم كله عليهم عندما يخسرون كل شيء، وأنا الآن اتهم الجميع بعدم إعلاء مصلحة الوطن فوق مصالحهم الشخصية وأنا لا أجامل فريق على حساب فريق، فمصر للجميع ولابد من عيش الجميع فيها وأنا أقول كلمة للقوم جميعا أن أي دماء تراق أو منشأة تعطل أو طريق يقطع يتحمل مسئولية هذا النخب معارضة وأغلبية ولا ينبغي أن نعلق أخطأنا على الإسلام ونحمله مالا يتحمل، الإسلام بعافية وخير والحريات بعافية وخير فالحريات كثرت والإسلام متبع قبل أن يوجد له نظام في حياة الناس الآن ومطبق ولابد أن تكسر الحالة النمطية التي صنعها الإعلام ومتطرفي المعسكرين للمشهد السياسي في مصر من تكفير فريق واستباحة دمه ومن نعت الآخر بالإرهاب وإزاحته عن المشهد، لابد من الحوار بين الجميع وحوار بناء يخلوا من الأنا والذاتية ولا يكون حوارا لطرشان لا يسمع بعضهم بعض ولا أن يذهبوا للحوار حتي تلتقط الصور وتسجل محطات التليفزيون زلات فريق وتكبر آخر وإنما حوار للمشاركة وإعلاء مصالح الوطن.

- بعد عزل مرسي ما هي مسئولية النخب التي يجب أن يتحملوها تجاه الوطن؟
ليعلم الجميع أن النخب أولياء أمور في الفقه الإسلامي لأن السياسة الشرعية تقول إن أولياء الأمور الأمراء والعلماء ولا نقصد بالعلماء علماء الدين فقط وإنما المفكرين والإعلاميين والأطباء والمحامين وسائر المهن والأحزاب وأهل المعرفة والذكاء والقضاة وكذلك من هم في المعارضة اليسوا حكومة ظل والأمراء هم الحكام طبعا والإسلام لا يرى تصرف ولي الأمر مشروعا سواء كان من النخب الحاكمة أو المعارضة أو من النخب الفكرية فتصرف ولي الأمر هنا منوط بتحقيق مصلحة الرعية أي أنه يستمد شرعيته من كونه محققا لمصالح الناس بما لا يؤدي إلى إضرارهم في أمنهم وطعامهم وعلاجهم وتعليمهم وإراقة دمائهم وعلي الجميع من أولياء الأمر من نخب وحكام ومعارضة أن يعوا أن إقامة شرع الله متوقفة على إقامة وتسيير مصالح الناس وعدم تعطيلها وهؤلاء الناس مصالحهم المعطلة في رقاب النخب كلها حكاما ومعارضة ومسئولون عليه أمام الله تعالي يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون ولذلك كان الخليفة الرشيد عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقول لو أن بغلة عثرت لخفت أن يسألني الله عنها لم لما تمهد لها الطريق فما بالنا بالدماء التي تراق ألم يعلم هؤلاء المتصارعون على السلطة حرمة الدماء وعظمتها عند الله فليعرفوا أن النبي ص نظر إلى الكعبة لمشرفة وقال ما أعظمك وما أبهاك ولكن لأن تهدمي خير عند الله من إراقة دم مسلم وفي حديث آخر كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه وبالقياس دم المصري على المصري حرام ألم ينظر هؤلاء إلى الطرق المعطلة وإلي الناس الذين يتقاتلون في طوابير العيش والبنزين ليس هذا من شرع الله في شيء، شرع الله تعالي منوط بتحقيق مصالح عباد الله في الأرض من حماية أموال الناس وأعراضهم وتوفير طعامهم ودوائهم وتيسير سيرهم على الطرقات وعدم تعطيل المصانع والمصالح الحكومية وكذلك المزارع وحماية هذه المقاصد من جانب الوجود بأن أهيئ كل الوسائل التي تنميها إذا نريد حماية العقل علينا إيجاد المدارس والجامعات والمدرسين والنظام التعليمي الجيد وأحميها من العدم بأن أمنع كل ما يغيب العقل ويؤثر فيه من مخدرات ومسكرات وأفكار هدامة ومناهج فاسدة ينادي بها خطباء الفتنة وكذلك حماية النفس من جانب الوجود بإيجاد الدواء والمسكن والغذاء والماء وحماية البيئة من التلوث وإيجاد فرص عمل وإعطاء رواتب كافية للمعيشة، هذا من جانب الوجود أما من جانب العدم حماية النفس من السرقات وإراقة الدماء وقطع طرق الناس وكل التظاهرات المؤيدة والمعارضة لا تكتسب شرعية أمام الله والإسلام إلا بتحقيق هذه المصالح للناس وطالما لم تحقق مصالح الناس فلا شرعية لأي تصرف سواء من حاكم أو معارض.
 
- هل من خارطة طريق للعودة بالمجتمع إلى الصواب بعيدا عن التناحر والاقتتال؟
نعم بالعودة إلى العقل ومبادئ الإسلام الحنيف بأن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة وأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وأن حماية مقاصد الشريعة أولي وأن جلوس الناس للحوار هو الطريق الوحيد للقرار السليم وأنه لا ينبغي لإنسان أن يفرض رأيه على الناس متصورا أنه يمتلك الحقيقة وحده وأن يخلو الحوار من الجدل بدعوي عدم امتلاك أحد الحقيقة وحده لابد من قاسم مشترك، وعلى الجميع أن يجتمع ويضع خطوطا حمراء لدماء الناس وأموالهم وأعراضهم وطعامهم ودوائهم وخط أحمر شديد الأهمية وهو حماية الوطن والإيمان بالعيش فيه جميعا دونما إقصاء لأحد أو ترهيب لأحد أو ازدراء لأحد ثم بعد ذلك يتفق الجميع مشاركة لا مغالبة على تقديم أفضل السياسات لإصلاح التعليم والاقتصاد والعلاج والأمن دونما النظر لمقدم برامج الإصلاح على أساس دينه أولونه أو عرقه لأن الله تعالي لا ينظر إلى صورنا وإنما ينظر إلى قلوبنا والإسلام وسيع يسع العلماني والليبرالي واليساري واليميني والمسلم السني والشيعي وعلي الجميع وضع الخطط الإنية والحالة للأزمات والبعيدة المدي الإستراتيجية لإصلاح الاقتصاد وزيادة دخول الناس.

- الكلمة الآن أصبحت مفرقة للمجتمع لا مجمعة من النخب كيف نعيد لها مهمتها الطيبة في تجميع الناس وتوادهم ؟
على الجميع الآن في هذه اللحظات الحرجة أن يعي أمانة الكلمة فكل مسئول كبير أو صغير رئيس أو مرؤوس مفكر أو كاتب عالم أو خطيب أن يعي خطورة الكلمة وأنها تصلح أممًا وتفني أخرى، أليس الذي بيننا وبين السماء كلمات نزل بها الوحي على أنبياء الله ورسله فلتكن الكلمة طيبة مجمعة لا مفرقة فمن يفتي بقتل الناس وهتك أعراضهم وتعطيل طرقهم سيهوي بكلمته هذه في النار لأن القاعدة أن الدال على الخير كفاعله والدال على الشر كفاعله وما نراه الآن في المجتمع كلمات فساد وانتقام وتحريض فليتق الجميع الله في الكلمة وما نراه الآن من كلمات خبيثة فرقت الأمة من شتم هذا لذاك وتهديد ذاك لآخر إنما هو من بؤس الفكر وفقر الخيال عند النخبة حكاما ومعارضة وضياع العقل والصراع على السلطة.. وأحب أن أقول لا تحمي المقاصد الشرعية بالقتل والإرهاب والتخوين وإقصاء فريق لصالح فريق آخر وكذلك الأوطان لا تبني بسفك الدم وإشاعة الفوضى والاحتراب بالشوارع.
الجريدة الرسمية