ضيوف ملتقى الهناجر الثقافي: إنسان بلا وطن هو بلا هوية ليس له ماض ولا مستقبل
انطلقت فعاليات ملتقى الهناجر الثقافى الشهرى بعنوان «رمضان ومحبة الأوطان» مساء أمس الإثنين الذى ينظمه قطاع شئون الإنتاج الثقافى برئاسة المخرج خالد جلال، بمركز الهناجر للفنون بحضور الفنان شادى سرور مدير عام المركز، وكوكبة كبيرة من المثقفين والكتاب ورجال الصحافة والإعلام.
رمضان ومحبة الأوطان
تحدث فى الملتقى فضيلة الشيخ الدكتور أسامة الأزهرى مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، نيافة الأنبا إرميا الأسقف العام ورئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وأدارت الملتقى الناقدة الأدبية الدكتورة ناهد عبد الحميد مدير ومؤسس الملتقى.
رحبت الدكتورة ناهد عبد الحميد فى البداية بالسادة الحضور، وقالت إن شهر رمضان تحلو فى لياليه الجميلة، الذكر والصلاة على الحبيب المصطفى سيدنا محمد ﷺ، ويبعث البهجة والفرحة والسرور فى النفوس، ويجدد الإيمان فى القلوب، وينشر المحبة والمودة والتواصل فى كل بيت مصرى، أعاده الله علينا جميعا بكل الخير واليمن والبركات، وأوضحت أن الشعب المصرى نسيج واحد، يحتفل المسلم والمسيحى فيه معا بمناسبات عديدة، فهناك شراكة مفادها وقوامها المحبة والسلام والتسامح والأخوة، لأنها هوية وطن .
وأضافت عبد الحميد، ملتقانا اليوم مميز وهام جدا لأكثر من سبب، الأول لتوقيته فى شهر رمضان الكريم، والثانى تشريف وتلبية الدعوة من قامات كبيرة يمثلون أهم مراكز الإشعاع التنويرى فى مصر وهما الكاتدرائية المرقسية بالعباسية والأزهر الشريف، هذه السبيكة المصرية الأصيلة، التى تعبر عن الشخصية المصرية صاحبة أقدم الحضارات، وصاحبة الحضارة الإسلامية التى يزيد عمرها عن ١٤٠٠ عاما.
وأشارت الدكتورة ناهد عبد الحميد، إلى أننا لو نظرنا إلى قرون التاريخ المتعاقبة، نجد أن أهم الملاحم والانتصارات كانت فى شهر رمضان الكريم، ابتداء من غزوة بدر التى وقعت فى السابع عشر من رمضان في العام الثاني من الهجرة (624م)، وصولا إلى انتصارات أكتوبر المجيدة فى العاشر من رمضان، ومازال جنودنا البواسل يستلهمون نفحات هذا الشهر الكريم فى كل اتجاهات الاستراتيجية لهذا الوطن، ويستلهمون روح الانتصارات ضد خفافيش الظلام وأصحاب الفكر الإرهابي الذى أوقعنا فى براثن التطرف والإرهاب سنوات، ولكننا تغلبنا عليه بإرادة الله سبحانه وتعالى، ثم الإرادة الوطنية المصرية.
أسامة الأزهري
وفى كلمته أشار فضيلة الشيخ الدكتور أسامة الأزهرى إلى أن البابا تواضرس رمزا من رموز المدرسة المصرية الوطنية العريقة، بكلمته الوطنية الخالدة التى قال فيها "وطن بلا كنائس خيرا من كنائس بلا وطن"، هذه الكلمة التى حفرت فى قلوبنا جميعا كمصريين الامتنان والعرفان لهذه الكلمة الجليلة الصادقة، وهى ليست بغريبة على تاريخ الكنيسة المصرية العريقة، وعن معنى الوطنية قال إنها معنى دينى فى المقام الأول، ومعنى انسانى ثانيا، وفى تقديرى أن ما أفرزته تيارات التطرف على مدى ٨٠ سنة مضت، من غرس روح الريبة والتشكك والتشويه والتهجم والتفكيك لقيمة الوطن ومعناه وشرف معنى هذه الكلمة، حتى أحصيت عام ٢٠١٤ وما بعده عند تأليف كتابى "الحق المبين فى الرد على من تلاعب بالدين"، على مختلف صفحات ومواقع هذه التيارات لأرى كيف ينظرون إلى معنى وطن.
وتابع: وجدت أفكار غريبة تشكل أفكار هذه التيارات المتطرفة لقيمة الوطن، يقولون إن الأوطان حفنة تراب لا قيمة لها، وحدود صنعها الاستعمار، وحب الوطن والحنين إليه كشعور الانسان بالميل إلى المعاصى والآثام.. وغيرها، فقمت بالرد على تلك الأفكار المغلوطة بما يفندها ويفحمها ويبين خطورة الغلط فيها، وفى تراث علماء الإسلام الكبار نجد أن كلمة وطن موقرة ومبجلة ومحفوفة بأسمى آيات البر والمحبة والولاء والانتماء، واستشهد بحديث عن الرسول ﷺ، وبأقوال الإمام الكبير فخر الدين الرازى، والإمام الأصمعى وغيرهما من العلماء والفقهاء، وايضا من الشعراء والأدباء، الذين أجمعوا أن حب الوطن والحنين والانتماء إليه دليل على حسن خلق الفرد.
"باسم الإله الواحد الذى نعبده جميعا"، هكذا بدأ نيافة الأنبا إرميا كلمته، وهنأ الشعب المصرى بصوم شهر رمضان متمنيا كل الخير والسلام لبلادنا وللعالم أجمع، وقال إن فى هذا العام يتزامن شهر رمضان مع الصوم الكبير، فنجد الشعب المصرى بأكمله صائما، وهذا هو المميز لمصر فى احتفالاتها، وتجتمع الأسرة معا على مائدة الإفطار وتستقبل هذا الشهر بالفانوس المميز الذى يعلن قدوم رمضان، وأضاف أن الصوم يشعر الفرد بأخيه المحتاج، ويجعل بينه رحمة، ومن هنا جاءت موائد الرحمن، فيتشارك الجميع فى الإفطار ويجلس الفقير والغنى على مائدة واحدة، وهنا لا ننسى الموائد الرمضانية التى كانت تقام فى عصر البابا شنودة الثالث فى العباسية بالمقر البابوى، وكانت تقام بالأزهر ووزارة الأوقاف، فيجتمع المسلم والمسيحى حول مائدة واحدة فى وطن واحد، يقدم مشاهد تلاحم للشعب المصرى فى احتفال واحد.
وأوضح نيافة الأنبا إرميا، أن هناك ترابط بين الدين والوطن، وجاءت الأديان للرقى بالإنسان ومن أجل سعادته وسلامه، ووطدت ودعمت فكرة الوطن، وعلاقة أفراد المجتمع معا، ففى المسيحية قال "أطلبوا سلام المدينة وصلوا لأجلها إلى الرب لأنه بسلامها يكون لكم سلام"، وجاء فى الإسلام وقال ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾، فالأديان تحافظ على الوطن، والإزدهار والنمو لا يأتى وسط التناحر فى الحياة، ومفهوم المواطنة لمسته مع البابا شنودة الثالث حين قال "مصر ليست وطنا نعيش فيه ولكنه وطن يعيش فينا"، والمواطنة حقوق تكفلها الدولة لمن يحمل جنسيتها فى مقابل الالتزام بما يطلب منه من واجبات نحو الدولة، فالوطن هو محبة غامرة جدا فى قلوبنا تحمل العطاء بدون توقف، فالانسان بلا وطن هو بلا هوية ليس له ماضى ولن يكون له مستقبل.
واستمتع جمهور الملتقى بفقرات فنية لفرقة المولوية بقيادة الفنان الدكتور عامر التونى، من التراث المولوى المصرى بما يشمله من موشحات وابتهالات موروثة..
منها "يانفس عن الحب لا تتوقفى، روحى براح، يا مليحا قد تجلى.. وغيرها ".