رئيس التحرير
عصام كامل

سناء البيسى تكتب: ذكرى جمال حمدان الذى ظلمه الجميع

الدكتور جمال حمدان
الدكتور جمال حمدان

فى ذكرى رحيل عالم الجغرافيا الدكتور جمال حمدان عام 1993 كتبت الكاتبة الصحفية سناء البيسى مقالا فى مجلة نص الدنيا عن مأساة العالم الكبير جمال حمدان قالت فيه: خرست تماما وبلا تعليق عن المشهد القصير المرير الذى دارت احداثه امامى عندما دخل الزميل مدير تحرير عدد الجمعة يزف الى رئيس التحرير خبر موافقة الدكتور جمال حمدان ـ رحل في مثل هذا اليوم 17 ابريل 1993 ـ على كتابة مقال لجريدة الاهرام عن الأخطار التي تهدد قناة السويس، هز رئيس التحرير ـ الذى لا يهوى القراءة وان كتب فلا أحد يقرأ له ـ رأسه ووجه كلامه ناحيتى وقال: جمال حمدان حاجة تطلع الروح تلاقيه ياستى الدكتور اللى بيعالج ولاده وعايز يجامله على حسابنا.


كان ردى البليغ هو التزام الصمت لكن كان يجيش صدرى بالغليان، فقد كنت حظيت بلقاء الدكتور جمال حمدان في بيته 25 شارع أمين الرافعى بالدقى في صومعة الناسك في موقعها تحت السلم الى اليمين ن فوجئت بتقشفها وكأنها حجرة كشف في مستوصف بالارياف،فالكماليات لا وجود لها بل والضروريات أيضا، فالارض خاصمت بساطها والثريا اختزلت الى سلك متدلى به لمبة متأرجحة والشقة بأثاث عازب او راهب هندى مرقده المسامير.

تقشف عن الضروريات 

الدوائر الكهربائية لاتصل بفيشة تليفون ولا حتى تليفزيون او مروحة كهربائية، ولكن فقط لا غير جهاز راديو صغير عتيق، وعينا بوتاجاز انتاج المصانع الحربية وحقيبة سفر لا تعرف الامتلاء..تلك كانت مفردات معيشته، أما مفرداته الفكرية فقد قابلنى عالم الجغرافيا مرتديا الروب المهترئ وفى يده براد الشاي المشوه بالسناج.

الكاتبة سناء البيسى 


جلست الى جمال حمدان صاحب موسوعة شخصية مصر بمجلداتها الأربعة التي يقف وراءها 245 مرجعا عربيا و791 مرجعا أجنبيا انصهرت جميعا في بوتقة لتخرج مقطرة تقطيرا مقدرة تقديرا بالغة الدقة ومطرزة خيطا خيطا على الطريقة الحمدانية ليأتى طرحها خارقا بكل المقاييس.
تبع شخصية مصر من تأليف جمال حمدان 17 كتابا بالعربية وكتابان بالانجليزية وعشرات بل مئات من المقالات والدراسات.

المستغنى عن الحياة 

جمال حمدان هو المستغنى عن كل المغريات الذى كان يكافئ نفسه كل يوم خميس بطبق مكرونى اسباكيتى على ترابيزة متوارية بكازينو قصر النيل ويحلى بقطعة جاتوه ويحبس بزجاجة كوكاكولا.

مأساة جمال حمدان 

التقيت جمال حمدان الذى تسكن حياته مأساة حب او خيانة كانت سببا في تقوقعه وخصامه للجميع لم يقل عنه سوى انه عاش يوما عصيبا كبر فيه فجأة أربعين عاما.،كان جمال حمدان يهوى الموسيقى واصوات ام كلثوم وعبد الوهاب ونجاة وكان امهر لاعب كرة قدم في مدرسة التوفيقية، زاملته موهبة الرسم منذ صغره فقد رسم اغلفة جميع مؤلفاته وكتبه وخرائطها المعقدة.


غادرته بلا اكتفاء وذهبت يملؤنى العجب من صاحب شخصية مصر التي لم تعرف الحياة الفكرية والثقافية في مصر والعالم العربى مثلها، لقد قرر في لحظة صدق التفرغ واستقال من منصب الأستاذ الجامعى ليعيش لأبحاثه بعيدا عن النفاق مستكفيا راضيا.

نهاية عالم 


وفجأة وفى مساء تعس يوم السبت 17 ابريل 1993 عندما اتصل احد جيران العالم الكبير جمال حمدان بالاهرام ليخبرنا بنبأ احتراقه بشقته بالدقى ورفضت الإسعاف ان تحمله ويخرج أصحاب الأقلام اليقظة والمصور العالمى محمد حجازى لتغطية الحدث لتصدر مجلة نص الدنيا وبها حقائق الحادث الأليم كاملا، وخرجت جنازة العالم المبدع بلا مسئول ولا كاميرات وخبر في الصحف بدون صورة ( انفجار انبوبة بوتاجاز في شقة دكتور جغرافيا ) مما فكرنى برئيس التحرير الذى لا يقرأ ولا يقرأ له أحد.
 

الجريدة الرسمية