مقهى الفيشاوي وذكريات لم يمحوها الزمن
هو المقهى الأشهر في مصر، مر على تأسيسها أكثر من مائتي عام، وبفضل تردد الأدباء والمشاهير أمثال عباس محمود العقاد والمازنى والشاعر أحمد رامي ونجيب محفوظ، أصبح مقهى الفيشاوي قبلة المصريين والسياح العرب والأجانب الآتية إليها للاستمتاع بليالي رمضان هناك، وسط أجواء الحسين والازهر فى قلب القاهرة الفاطمية.
بمجرد دخولك لمقهى الفيشاوي سوف تشم عبق التاريخ بلون الخشب البني المحروق وحوائطه الصفراء بفعل دخان الشيشة وآثار الزمان، جعلت منه مزارا لعشاق الأصالة والتراث.
كما أن وجوده في قلب القاهرة الملئ بالبازارات والمزارات السياحية الأثرية جعل رواده مزيجا مختلطا بين المصريين والسياح العرب والأجانب من كل بلدان العالم الذين أصبحوا من عشاق المقهى وجوها الشرقي الخالص.
يتولى إدارة مقهى الفيشاوي الحاج ضياء الفيشاوي حفيد الحاج فهمي الفيشاوي، حيث يقول: إن جده كان معلم بمعنى الكلمة ينصت إليه الجميع زعيما لمنطقته يصلح بين المتخاصمين.
وبالعودة إلى التاريخ وكما نشرت مجلة «بناء الوطن» عام 1964 في موضوع موسع عن الفتونة في مصر كتبه الصحفي أحمد رزق قال فيه: إن أشهر فتوة في حي الحسين كان المعلم فهمي الفيشاوي، الذي تبوأ عرش الفتونة في الحي بعد معركة حامية الوطيس مع فتوة الحي السابق مهدي العجمي، بعدما أنزل به الفيشاوي هزيمة منكرة وطرده خارج الحي، ولم يستقر له الحال في منطقة الحسين إلا بعد تأكده من أن مهدي العجمي سافر بلا رجعة لموطنه الأصلي بالإسكندرية، وارتقى الفيشاوي عرش الفتونة في حي الحسين.
ترخيص المقهى
وبدأ الفيشاوي حياته ببوفيه صغير، ثم أهدته إحدى الأميرات مساحة من الأرض عام 1760 وتم الترخيص له عام 1798 لبناء مقهى، وكانت المقهى في بداية نشأتها تتكون من ثلاث حجرات على مساحة 400 متر.أول غرفة تسمى غرفة البسفور، وهي مبطنة بالخشب الأبنوس، وأدواتها من الفضة والكريستال، وكانت مخصصة للملك فاروق وكبار الضيوف.
غرفة التحفة
والغرفة الثانية تسمى «التحفة»، وهي مكسوة بالجلد الأخضر، ومزينة بالصدف وكانت مركزا لأهل الأدب والفن، ولطالما شهدت مناقشات فنية وجلسات الغناء والطرب.أما أغرب الغرف فمخصصة للقافية، وهى تختص بالطبقة الشعبية التي كانت تشهد مسامرات أبناء الأحياء الشعبية ففي كل خميس من شهر رمضان تتبارى عن طريق شخص يتميز بخفة الظل والسخرية وطلاقة اللسان ويتولى القافية يتولى القول فيرد عليه زعيما من حى آخر وهكذا فى منازلة كلامية مضحكة.
وتميزت المقهى بتقديم مشروب الشاي، فبعد مائة عام من إنشاء المقهى أصبح مشروب الشاي من أشهر علاماتها، خاصة عندما انفردت بتقديم الشاي الأخضر.
صدمة الهدم
في عام 1961 تعرض مقهى الفيشاوي لاستقطاع جزء كبير من مساحتها بسبب توسيع ميدان الحسين، فتقلصت مساحة المقهى الشهيرة وكما يقول ضياء الفيشاوي إن هذا كان سببا في إصابة جدي بجلطة في القلب، وقام وقتها الأدباء والكتاب والصحفيين بنشر مقالات تطالب محافظ القاهرة بعدم الشروع في إزالة جزء من المقهى على اعتبار أنه ذو تاريخ طويل ويحمل عبق الماضي لكن محافظة القاهرة لم تبالي وأوالت جزءا كبيرا من المقهى ليصبح مساحة المقهى 150 مترا بدلا من 400 مترا فتوفي الفيشاوي الكبير متأثرا بصدمة الهدم.
وكان من رواد الفيشاوي منذ إنشائها جمال الدين الأفغاني، عمر مكرم، عبدالله النديم، عبد العزيز البشري، عمرو موسى، جعفر نميري، أم كلثوم وأحمد زويل الذي كان يرتادها لتناول الشاي الاخضر، ونجيب محفوظ الذي تم إطلاق اسمه على أحد أركان المقهى المصمم من الأرابيسك، وهو نفس الركن الذي كان يجلس به لكتابة أشهر رواياته.
رواد الفيشاوي
وفى حوار مع الأديب نجيب محفوظ حول ذكرياته في رمضان قال فيه: القهوة هي المكان الذي كنت التقى فيه بأصدقائي الخصوصيين، وهي بعد ذلك مكان التقاء المثقفين والصحفيين والأدباء بعد أن اشتغلت بالأدب، أيضا هي المكان الذي أجلس فيه وحدي لاتأمل من يمرون بالشارع أمامى، وهى في بعض الأحيان المكان الذي كنت أرتاده لكي أدخن الشيشة التي لا أستطيع تدخينها بالمنزل.. وقد كان بإمكاني أن أمكث يوما كاملا مع الشيشة.
وتابع الأديب الكبير: فى الحالة الأولى كان رفيقي في القهوة هم الأصدقاء، وفي الحالة الثانية كان الأدباء وفي الحالة الثالثة كان المارة في الشارع، وفي الحالة الرابعة كانت الشيشة، وفي بعض الأحيان كانوا يجتمعون جميعا في جلسة واحدة، وأعمالي الأدبية لا أستطيع كتابتها إلا على مكتبي، لكنى كنت أتوصل إلى بعض أفكارها أثناء جلوسي على القهوة، وكنت أنتظر حتى عودتي إلى البيت لأدونها، وأكثر قهوة استلهمت فيها أفكار وحوادث رواياتي كانت مقهى الفيشاوي بالحسين.