وزير الأوقاف: الجهلاء يطلقون مصطلحات التحريم والتكفير دون وعي ولا بينة
أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف على أهمية إعمال العقل في فهم النص، وأهمية البصيرة في الدعوة والفتوى، يقول الحق (سبحانه وتعالى) على لسان نبينا (صلى الله عليه وسلم): "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُواْ إِلَى ٱللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ".
وبيّن وزير الأوقاف خلال الحلقة الثانية عشرة من برنامج "رؤية" بعنوان: "البصيرة في الدعوة" أن البصيرة هنا تعني: العلم والدراية والرؤية والبينة، وقد حذرنا نبينا (صلى الله عليه وسلم) من التجرأ على الفتوى أو القول في دين الله بغير علم، ففي الحديث: "خرجنا في سَفَر فأصاب رجُلا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ في رأسه، ثم احتلم فسأل أصحابه، فقال: هل تجدون لي رُخْصَة في التَّيمم؟ فقالوا: ما نَجِد لك رُخْصَة وأنت تَقْدِرُ على الماء فاغْتَسَل فمات، فلمَّا قَدِمْنَا على النبي (صلى الله عليه وسلم) أخبر بذلك فقال: "قَتَلُوه قَتَلَهُم الله ألا سَألُوا إذ لم يعلموا فإنَّما شِفَاء العِيِّ السؤال، إنما كان يَكفيه أن يَتيمَّم ويَعْصِر-أو يَعْصِب- على جُرحِه خِرقَة، ثم يمسح عليها، ويَغسل سائر جسده"، ويقول (صلى الله عليه وسلم): إنَّ اللهَ لا يقبضُ العلمَ انتزاعًا ينتزعُهُ منَ النَّاسِ، ولَكن يقبضُ العلمَ بقبضِ العُلماءِ، حتَّى إذا لم يترُك عالمًا اتَّخذَ النَّاسُ رؤوسًا جُهَّالًا، فسُئلوا فأفتوا بغيرِ عِلمٍ فضلُّوا وأضلُّوا"، ويقول (صلى الله عليه وسلم): "أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار".
وأوضح وزير الأوقاف أن الأمر في شأن الإفتاء عظيم، ولا سيما فيما يتصل بقضايا الحلال والحرام، وقد رأينا كثيرًا من الجهلاء يضيقون على الناس سبل حياتهم ويحرمون كل شيء، ويبدِّعون كل شيء، ويفسقون كل شيء وفق أهوائهم بلا علم ولا بينة، ولعل أهم فارق بين العلماء والجهلاء هو مدى فهم هؤلاء وأولئك لقضايا الحِل والحُرمة، والضيق والسعة ؛ فالعالم الحقيقي يدرك أن الأصل في الأشياء الحل والإباحة، وأن التحريم والمنع هو الاستثناء.
الأصل في الأشياء
وأشار إلى أن الأصل في الأشياء أنها حلال، والتحريم لا يثبت إلا بدليل استمع الى قول الحق (سبحانه وتعالى) لنبينا (صلى الله عليه وسلم)، والخطاب لنا جميعًا إلى أن تقوم الساعة: "قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"، موضحًا أن الاستثناء في التحريم "إلا أن يكون ميتة"، واستثنى من الميتة "أحل لنا ميتتان ودمان الكبد والطحال والسمك والجراد".
مصطلحات التحريم
وأضاف: يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "إنَّ اللَّه تَعَالَى فَرَضَ فَرائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا، وحدَّ حُدُودًا فَلا تَعْتَدُوهَا، وحَرَّم أشْياءَ فَلا تَنْتَهِكُوها، وَسكَتَ عَنْ أشْياءَ رَحْمةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيانٍ فَلا تَبْحثُوا عَنْهَا"، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "ما أَحَلَّ اللهُ في كتابِه فهوَ حَلالٌ، وما حَرَّمَ فهوَ حرامٌ، وما سَكَتَ عنهُ فهوَ عَفْوٌ، فَاقْبَلوا مِنَ اللهِ عَافِيَتَهُ وما كان رَبُّكَ نَسِيًّا"، فالجهلاء يجعلون الأصل في كل شئ التحريم والمنع، ويطلقون مصطلحات التحريم والتفسيق والتبديع، والتكفير دون وعي ولا بينة، غير مدركين ما يترتب على ذلك من آثار، وغير مفرقين بين التحريم والكراهية، ولا حتى بين التحريم وما هو خلاف الأولى، فصعبوا وعقدوا على الناس أمور حياتهم، ونفروهم من دين الله، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "يَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا، وبَشِّرُوا ولا تُنَفِّرُوا، فإنَّما بُعِثتم ميسِّرين ولم تُبعَثوا معسِّرين"، وفي الحديث: أن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) كان يصلي مع النبي (صلى الله عليه وسلم) ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، قال: فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذًا، فقال: إنه منافق، فبلغ ذلك الرجل، فأتى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقال: يا رسول الله، إنّا قوم نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا، وإنّ معاذًا صلى بنا البارحة، فقرأ البقرة، فتجوزت، فزعم أني منافق، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): يا معاذ، أفتان أنت؟! ثلاثا، اقرأ: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) و(سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى)، ونحوها".
العلماء الحقيقيون
واستطرد قائلا: إذا فالذين يضيقون على الناس إنما ينفرون من دين الله ، ويصدون الناس عن دين الله، أما العلماء الحقيقيون، فقد أدركوا بما لا يدع مجالا للشك أن الأديان جاءت لسعادة الخلق، حيث يقول (سبحانه وتعالى) في سورة طه: "طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى"، ويقول (سبحانه وتعالى): "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ"، ويقول (سبحانه وتعالى): "يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ"، ويقولون: "إن الفقه رخصة من ثقة"، وما خير نبينا (صلى الله عليه وسلم) بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم فإن كان إثما أو قطيعة رحم كان (صلى الله عليه وسلم) أبعد الناس عنه، ويقول (صلى الله عليه وسلم): "الدين يسر الدين يسر، ولن يشاد هذا الدين أحدٌا إلا غلبه".
ويقول (صلى الله عليه وسلم): "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه".
وأكد أن التيسير الذي نريده، ونبحث عليه شيء والتسيب والانفلات والخروج على جادة القيم، والأخلاق شيء آخر، فالتيسير الذي نريده هو التيسير بدليل هو التيسير المنضبط بضوابط الشرع الحنيف، فتحت مسمى الالتزام والأحوط والاحتياط فتح بعض المتشددين أبواب التشدد والغلو، التي ساقت وجرفت الكثيرين في طريق التطرف حتى ظن الجاهلون أن التحوط في التدين يقتضي الأخذ بالأشد، وأن من يتشدد أكثر هو الأكثر تدينًا وخوفًا من الله، وهذا خطأ فادح فالتدين لا يعرف التشدد ولا التطرف ولا الغلو ولا الغلاة، يقول الحق (سبحانه وتعالى) على لسان نبينا (صلى الله عليه وسلم): "وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ" ويقول الله (سبحانه وتعالى): "وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ"، وكان الحسن البصري يقول عن الخوارج: إنهم طلبوا العبادة بدون علم فخرجوا على الناس بسيوفهم، ولو طلبوا العلم أولا لصدهم عن ذلك، فتحت مسمى الأحوط والتحوط، نشأت أفكار متشددة لا علاقة لها بالدين والدين منها براء، وتحت مسمى التيسير على الجانب الآخر فتحت بعض أبواب الخروج على الجادة، وديننا دين وسط، دين اليسر، دين السماحة والوسطية، لا إفراط فيه ولا تفريط، وكما كان الإمام الأوزاعي (رحمه الله) يقول: "ما أمر الله (عز وجل) في الإسلام بأمر إلا حاول الشيطان أن يأتيك من إحدى اثنتين لا يبالي أيهما أصاب، من جهة الإفراط أو من جهة التفريط"، من جهة الغلو أو من جهة التقصير، وديننا دين السماحة واليسر، لا التشدد ولا التسيب، ولا الإفراط ولا التفريط، لا الغلو ولا التقصير نسأل الله أن يرزقنا حسن الفهم.