تقاسم السلطات وعدم قدرة الرئيس اعلان الحرب بمفرده.. أبرز صلاحيات الرئيس الفرنسي بمجرد دخوله الإليزيه
يدلي الناخبون الفرنسيون اليوم الأحد بأصواتهم في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي تأثرت بالحرب في أوكرانيا، قبل منافسة حادة ممكنة في في 24 ابريل في الدورة الثانية بين إيمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان التي لم تكن يوما قريبة إلى هذا الحد من الفوز.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن ماكرون سيتصدر الجولة الأولى بهامش ضعيف على منافسته الأبرز مارين لوبان.
لكن السؤال الأهم هو ماذا عن صلاحيات الرئيس المستقبلي لفرنسا؟
بعد الاضطرابات العديدة التي شهدتها الجمهورية الرابعة، أراد الجنرال شارل ديجول إقامة نظام أكثر استقرارا ولا سيما أنه تم استدعاؤه إلى السلطة في عام 1958 والحرب في الجزائر على أشدها. وقد تم ذلك مع صياغة دستور الجمهورية الخامسة الذي صدر في الرابع من أكتوبر عام 1958، وأعيدت مراجعته عام 1962.
ويسمح هذا الدستور بانتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع العام المباشر. كان من شأن هذا الدستور تأسيس سلطة تنفيذية قوية من خلال منح رئيس الدولة العديد من السلطات.
قائد القوات المسلحة ورئيس الدبلوماسية
حتى ولو كان الدستور ينص على تقاسم الاختصاصات بين رئيس الدولة ورئيس الوزراء في مجالات الدفاع والدبلوماسية إلا أن هذين المجالين باتا بحكم الممارسة من "المجالات المحجوزة" لرئيس الجمهورية. فرئيس الجمهورية هو الضامن لاستقلال البلاد وسلامتها الإقليمية (المادة 5)، وبوصفه قائدا للقوات المسلحة (المادة 15) يرأس مختلف المجالس واللجان العليا للدفاع الوطني التي تحدد اتجاه البرمجة العسكرية، وإستراتيجيات الردع، والعمليات الخارجية، ومكافحة الإرهاب. إضافة لكل ذلك، فهو وحده من يقرر توقيت استخدام القوة النووية.
وعلى الرغم من ذلك، ليس بوسع الرئيس إعلان الحرب بمفرده. فالفقرة 1 من المادة 35 تنص على أن "البرلمان هو المخول بالتصريح لإعلان الحرب". بيد أن هذا النص لم يطبق قط حتى هذه اللحظة. لكن الرئيس، من جهة أخرى، بيده إصدار قرار التدخل العسكري خارج الأراضي الفرنسية، وأمام الحكومة مهلة مدتها ثلاثة أيام لإخطار البرلمان بالقرار وهو الذي يعود إليه أمر النظر في إمكان تمديد التدخل أو عدمه بعد أربعة أشهر من بدئه.
رئيس الجمهورية هو أيضا رئيس الدبلوماسية الفرنسية. فهو مكلف بمقابلة رؤساء الدول الأجنبية وضمان تمثيل فرنسا على المستويات الدولية، سواء خلال زياراته للدول الأجنبية أو في المؤسسات الكبرى. كما أنه الضامن لامتثال فرنسا للمعاهدات الموقعة (المادة 5) التي تفاوضت عليها وأقرتها (المادة 52). وأخيرا، يمتلك سلطة تعيين واعتماد السفراء الفرنسيين في الخارج.
رئيس السلطة التنفيذية
يمنح الدستور ونظام الانتخاب بالاقتراع العام المباشر رئيس الجمهورية صلاحيات مهمة لقيادة فرنسا. يتم انتخابه بناء على البرنامج الذي قدمه إلى الفرنسيين خلال الحملة الانتخابية، والرئيس هو الممثل الأول للسلطة التنفيذية.
يعين الرئيس الوزير الأول (رئيس الوزراء) كما يجوز له إنهاء مهامه وعزله من منصبه. يترأس اجتماعات مجلس الوزراء، ويصدر القوانين، وبوسعه طرح مشاريع القوانين للاستفتاء العام، ولديه سلطة حل الجمعية الوطنية. وبالتالي فإن رئيس الدولة هو من يضع قائمة الإصلاحات المقترحة ومواعيد تنفيذها بواسطة الحكومة. وله أيضا سلطة دعوة البرلمان لعقد دورة استثنائية بغرض مناقشة جدول أعمال محدد (المادة 29).
ليست نصوص الدستور فحسب هي من أعطت دورا في منتهى الأهمية لمنصب رئيس الجمهورية بل سنوات كثيرة من مراكمة خبرات ممارسة السلطة على أرض الواقع أيضا. لكن الإصلاح الذي أجري عام 2000، والذي قلص مدة الولاية الرئاسية من سبع سنوات إلى خمسة، وكذلك عكس الجدول الزمني للانتخابات في عام 2002 - أي إجراء الانتخابات البرلمانية بعد الانتخابات الرئاسية - ساهم مساهمة كبيرة في توسيع صلاحيات الرئيس نظرا لأن هذين الأمرين الجديدين على القرن الواحد والعشرين يقللان بشكل كبير من مخاطر ما يطلق عليه "التعايش" بين رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه. كما أنه اعتبارا من هذه اللحظة وحتى يثبت خلاف ذلك، يتمتع رئيس الدولة المنتخب بأغلبية مريحة بعد بضعة أسابيع في البرلمان.
سلطات متقاسمة
بالإضافة إلى السلطات المذكورة أعلاه، "يتقاسم" رئيس الجمهورية بعضا من السلطات التي تتطلب الحصول على توقيع رئيس الوزراء أو الوزير المعني في مسألة ما. أولا ثمة سلطة التعيين في منصب ما، حيث يعين مجلس الوزراء مستشاري الدولة، والمستشار الأكبر لفيلق الشرف، والسفراء، والمستشارين الرئيسيين لديوان المحاسبة، والمحافظين، وممثلي الدولة في أقاليم ما وراء البحار والتي تحكمها المادة 74 وكذلك في كاليدونيا الجديدة، والمسؤولين العموميين، ورؤساء الأكاديميات، ومديري الإدارات المركزية.
كما يتقاسم رئيس الدولة السلطة التنظيمية مع رئيس الوزراء. فهو يوقع القرارات والمراسيم التي تسمح له بوضع لوائح في المجالات التي لا يغطيها القانون.
وفي مجال العدالة، يحق للرئيس استخدام الرأفة من أجل تخفيض الحكم على شخص ما أو العفو الرئاسي الكامل لإلغاء عقوبة محكوم عليه (المادة 17).ويجب لأن يوقع على مرسوم الرأفة أيضا رئيس الوزراء ووزير العدل.
الصلاحيات الاستثنائية المذكورة في المادة 16
في حال تعرض "مؤسسات الجمهورية أو استقلال الأمة أو سلامة أراضيها" لتهديد "خطير وفوري" مما قد يؤدي إلى "تعطيل دولاب العمل المنتظم للسلطات العامة"، يجوز لرئيس الجمهورية استخدام المادة 16 من الدستور التي تمنحه "سلطات استثنائية" من قبيل: الامتلاك الكامل للسلطات التشريعية والتنفيذية.
ومن أجل تنفيذ ذلك تجب على رئيس الدولة، أولا، استشارة رئيس الوزراء ورؤساء الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ والمجلس الدستوري، ثم إبلاغ الأمة.
ومنذ عام 2008، وبعد مرور 30 يوما على ممارسة السلطات الاستثنائية، "يجوز لرئيس الجمعية الوطنية أو رئيس مجلس الشيوخ أو 60 نائبا أو 60 عضوا في مجلس الشيوخ اللجوء للمجلس الدستوري "بغرض دراسة ما إذا كانت الشروط المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 16 لا تزال مستوفاة".
ويعطي المجلس الدستوري قراره بهذا الشأن في أقرب الآجال عبر إشعار عام وبعد 60 يوما آخرين، يجري المجلس الدستوري هذا الفحص دون الحاجة إلى اللجوء إليه من قبل النواب.
ولم تطبق المادة 16 من الدستور حتى الآن إلا مرة واحدة في عهد الجنرال ديغول وفي الفترة من 23 أبريل إلى 29 سبتمبر 1961، بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في الجزائر العاصمة.