رئيس التحرير
عصام كامل

أمريكا والصين.. اللعب فى حقول الألغام.. الهجوم الروسى على أوكرانيا يشعل الحرب الباردة

 أمريكا والصين
أمريكا والصين

العلاقات الصينية الأمريكية تملؤها حقول من الألغام، حيث يشهد البلدان حالة شبهها الكثير من الخبراء باللاسلم واللاحرب، أو الحرب الباردة، ومن ضمن هذه الألغام التى قد تفجر الأزمة ما بين بكين وواشنطن، الحرب الأوكرانية الروسية، وجزيرة تايوان، ومسألة انتهاك حقوق أقليات الإيجور، والصراع فى بحر الصين والصراع على تمديد النفوذ فى العالم، ناهيك عن الصراع الأكبر الذى يهدد الاقتصاد العالمى، وهو الحرب الاقتصادية التى اندلعت بين بكين وواشنطن فى عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.


اللغم الأول
تؤكد الولايات المتحدة الأمريكية، أن بكين هى الوحيدة القادرة على الضغط على موسكو لإيقاف غزوها على جارتها كييف، وهدد الرئيس بايدن نظيره الصينى، بعواقب وخيمة فى حال تقديمها أي مساعدات لحليفتها روسيا تساعدها فى الحرب أو تقلل من تأثير العقوبات المفروضة عليها.


وفى هذا السياق، ذكر مهدى العفيفى، العضو بالحزب الديمقراطى الأمريكى، ونائب رئيس التجمع العربى الأمريكى بولاية نيوجيرسى، أن الحرب الروسية الأوكرانية أشعلت بالفعل نوعا من الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وتحاول بكين استغلال الموقف، خاصة أن الصين لديها أزمة مع تايوان وتحاول ضمها إليها مرة أخرى، مضيفا أن الصين تحاول دعم روسيا بشكل غير مباشر، لأنها تحتاج إلى دعم موسكو فى حال فكرت فى ضم تايوان إليها، مضيفا أن بكين تحاول الآن أن تلعب دور الوسيط فى الأزمة الأوكرانية، لكنها فى الحقيقة هى لا تدعم الطرف الأوكرانى على الإطلاق، ومن وراء الكواليس فهى تدعم حليفتها روسيا.


اللغم الثانى
وتشكل أزمة جزيرة تايوان المستقلة اللغم الثانى فى العلاقات بين واشنطن وبكين، حيث تعتبر الصين هذه الجزيرة جزءًا من أراضيها، وتخشى واشنطن من إقدام الصين على التدخل العسكرى ضد تايوان، على وتيرة سيناريو روسيا وأوكرانيا.


وفى هذا الشأن، ذكر عضو الحزب الديمقراطى، أن الولايات المتحدة الأمريكية حذرت الصين من محاولة ضم تايوان، مضيفا أن بكين لن تقدم على هذه الخطوة فى الوقت الحالى، لكنَّ هناك تخوفا داخل أمريكا من نوايا الصين تجاه تايوان، مضيفا أن بكين ستختار الوقت المناسب، والذى قد يكون بعد عدة سنوات، على حد قوله.


ومن جانبها، ذكرت الدكتورة، نادية حلمى، الخبيرة فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية، الأستاذ المساعد بكلية العلوم السياسية بجامعة بنى سويف، أن الوضع فى تايوان أحد أبرز مظاهر التوتر بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية فى ضوء التحركات الصينية قرب تايوان التى تتعمد إظهار مدى القوة الصينية تجاه تايوان وحلفائها، من خلال مئات الطلعات الجوية التى قامت بها الطائرات الصينية فى الفترة الأخيرة فى قلب تمركز منطقة الدفاع الجوى التايوانية، مضيفة أن السياسات الصينية ستمضى كما هو متوقع فى معارضة أي محاولات من قبل تايوان لنيل اعتراف دبلوماسى، وأيضا إحباط محاولات تايوان للانضمام إلى المنظمات الدولية.


وقالت الخبيرة فى الشئون الصينية والآسيوية، أنها ترى أن الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين راغب فى التهدئة والاستقرار رغم النبرة التصعيدية التى وصفت بأنها مجرد تنفيس عن هذا الغضب الصينى إزاء التدخل الأمريكى فى تايوان، خصوصًا بعد بدء استعداده لمؤتمره السنوى، وهنا نرى أن خطر قيام الصين بشن هجوم على تايوان قبل مؤتمر الحزب الشيوعى الصينى العشرين خلال عام ٢٠٢٢ منخفض للغاية.


وأكدت نادية حلمى، أن بكين تدرس بشكل دقيق رد فعل المجتمع الدولى على الغزو الروسى لأوكرانيا، فمن المؤكد أن الصين ستحلل أبرز أوجه الاستفادة من العمليات العسكرية الروسية فى أوكرانيا، وذلك للاستفادة من هذا الأمر فى إستراتيجيتها تجاه تايوان، والأهم فى هذه النقطة هو الإصرار الصينى على مراقبة وتحليل مدى وحدة وتماسك حلف شمال الأطلسى (الناتو) والتحالفات الأمريكية الأخرى، وأيضا مدى قدرة الحلف والدول الغربية على تحمل تبعات وتكلفة العقوبات على روسيا.


وقالت الخبيرة فى الشئون الصينية، إن موقف الصين المؤكد هو أنها لا يمكنها اجتياح حدود تايوان فى سيناريو مشابه لتوغل الجيش الروسى فى الأراضى الأوكرانية.


اللغم الثالث
ويعتبر الخلاف فى بحر الصين بمنزلة اللغم الثالث فى العلاقات بين البلدين، حيث تشكل الجزر الموجودة فى هذه البحر أرخبيلا، وهى غير مأهولة بالسكان، وتتصارع عدد من الدول المطلة على بحر الصين على فرض سيادتها على هذه الجزر، لضمان السيطرة على أكبر مساحة اقتصادية فى هذا البح، والذى يمثل معبرا لثلث حركة التجارة العالمية.


وقال د. مهدى العفيفى، المحلل السياسى، إن هناك صراعا محتدما حول بحر الصين، ولكن تحاول كل الأطراف توخى الحذر، فى القيام بأى تحرك، حيث أنشأت الصين جزيرة صناعية فى هذه المنطقة، وأنشأت عليها قاعدة عسكرية، وهناك مناوشات مستمرة فى منطقة بحر الصين، لكن تحاول بكين تجنب هذا الصراع خشية ردود الفعل العالمية، مضيفا أن هناك تحرشات دائمة بين القوات البحرية الأمريكية ومثيلتها الصينية، خاصة أن القطع البحرية التابعة لواشنطن دائما ما تمر عبر بحر الصين وتجرى مناورات عسكرية متكررة، وهو ما تعتبره الصين انتهاكا لسيادتها.


وعلى الجانب الآخر، أشارت نادية حلمى إلى أنه من المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة الأمريكية والدول الحليفة لها فى تنفيذ مناورات بحرية مشتركة، بزعم ضمان حرية الملاحة فى المياه الدولية، وفى المقابل، فمن المؤكد أن الصين سوف تواصل تعزيز وتطوير أسطولها البحرى للدفاع عن مصالحها، مع العلم بأن كافة الأطراف لا ترغب فى نشوب صراع بحرى.


وتابعت، ربما سنجد بعد حرب أوكرانيا، زيادة حدة فى التنافس الأمريكى الصينى، وكثافة فى تواجد الأساطيل الأمريكية فى منطقة بحر الصين الجنوبى، وإجراء المزيد من المناورات البحرية الاستفزازية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وتايوان وحلفائها فى منطقة "الإندو-باسيفيك" كإشارة تحذيرية من قبل واشنطن إلى الصين وحليفتها الروسية بعد حرب أوكرانيا، وتشير إلى التصميم على (عدم قبول التوسع الصينى فى منطقة المحيط الهادئ وبحر الصين الجنوبى، بالإضافة إلى إمكانية فرض عقوبات أمريكية جديدة على الصين، والإغلاق المتبادل للقنصليات فى حال ازدياد حدة الصراع فى تلك المنطقة بعد حرب أوكرانيا)، وخاصة مع رغبة واشنطن فى إظهار تفوقها عالميًا، وإحراز أي نصر أو تقدم ربما بشكل زائف ضد بكين.


اللغم الرابع
وتشكل العقوبات الدبلوماسية التى تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على دبلوماسيين صينيين على خلفية انتهاكات مسلمى الإيجور اللغم الرابع، حيث ذكر عضو الحزب الديمقراطى الأمريكى، أن العقوبات التى فرضتها واشنطن على الصين بسبب مسلمى الإيجور، هى عقوبات رمزية، وليست قوية، ورد بكين بفرض عقوبات مناوئة هو من باب رد الفعل ليس أكثر.


فيما ترى نادية حلمى، أن العقوبات التى فرضتها الولايات على مسئولين صينيين، فإن توقيتها يمكن تحليله بأن الرئيس الأمريكى "جو بايدن" فشل فى الوصول إلى حل أو ضمانات من نظيره الصينى "شى جين بينغ" بشأن ما كان يرغب فيه بشأن روسيا، مما سيدفع الولايات المتحدة الأمريكية لإخراج أوراق ضغط فى ملفات عديدة ضد بكين.


اللغم الخامس
ويعتبر التنافس بين البلدين حول فرض النفوذ حول العالم، هو اللغم الخامس حيث تحاول القوى الصينية الصاعدة تمديد نفوذها حول العالم، وهو ما تعتبره الولايات المتحدة تهديدا لأمنها القومى، حيث ذكر مهدى العفيفى أن التنافس والصراع بين واشنطن وبكين ليس فى أماكن، حيث إن تأثير الصين الاقتصادى أكبر من أمريكا، وهو تأثير سياسى، مؤكدا أن هذ الصراع غير متوازن، لأن الصين تسعى إلى أن تتمدد اقتصاديا كى تستطيع تغطية حاجات ألف ومائتى مليون مواطن لديها، لذلك هذا الصراع ليس عسكريا وليس سياسيا، لأن بكين تحاول فرض نظامها السياسى فى دول شرق آسيا من خلال استغلال نفوذها الاقتصادى، وحاجة هذه الدول إليها، لتكسب دعمهم.


فى حين أكدت نادية حلمى، أن التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين لا يتوقف على القضايا الجيوسياسية لا سيما فى تايوان وبحر الصين الجنوبى، إذ تعد قضايا أخرى مثل: (الأمن الإلكترونى والتكنولوجى السيبرانى)، من بين أحد أبرز مظاهر التوتر بين البلدين أيضًا، وتلقى بظلالها على ملامح التنافس الأخرى السياسية والاقتصادية والإستراتيجية بين الجانبين.


وأضافت أن أمريكا تعارض قيادة الصين لتكنولوجيا الاتصالات من شبكات الجيل الخامس، لذلك، يتوقع استمرار السعى الأمريكى لتحجيم أسواق التكنولوجيا الصينية وعزلها عن بقية العالم.


اللغم السادس
تمثل الحرب التجارية بين الصين وأمريكا اللغم السادس فى العلاقات بين البلدين، وهو يعتبر اللغم النشط، وهو الأكثر تهديدا للعلاقات الصينية الأمريكية، ومن جانبه أكد عضو الحزب الديمقراطى، أن الصين والولايات المتحدة تعلمان جيدا أن هذا الوقت غير مناسب لتبادل العقوبات، مضيفا أن بكين تترقب بذكاء، وتحاول أن تعيد استقرارها الاقتصادى، خاصة أنها لا زالت تتعافى من نتائج جائحة كورونا.


وشدد عضو الحزب الديمقراطى، على أنه فى حالة واحدة فقط ستفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات على الصين، فى حال محاولة الأخيرة استغلال هذا الوقت وقامت بعملية عسكرية لضم تايوان.

 

نقلًا عن العدد الورقي…،

الجريدة الرسمية