وزير الأوقاف يبين أفضل أنواع الصدقات في رمضان
أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن هذا الشهر العظيم، شهر رمضان المبارك، هو شهر الجود والكرم بامتياز، وقد اعتاد المسلمون فيه أن يتكافلوا، وأن يتراحموا، وأن يأخذ بعضهم بيد بعض، وهم فيه كالأشعريين، حيث يقول النبي (صلى الله عليه وسلم ) " إنَّ الأشْعَرِيِّينَ إذا أرْمَلُوا في الغَزْوِ، أوْ قَلَّ طَعامُ عِيالِهِمْ بالمَدِينَةِ، جَمَعُوا ما كانَ عِنْدَهُمْ في ثَوْبٍ واحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بيْنَهُمْ في إناءٍ واحِدٍ، بالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وأنا منهمْ".
وأوضح وزير الأوقاف في برنامجه “رؤية” أنه إذا كانت الأعمال تضاعف لها الحسنات، فإن الكرم والجود والسخاء يضاعف له الأجر والحسنات في هذا الشهر مضاعفة عظيمة، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "من تقرَّب فيه بخَصلةٍ من خِصالِ الخيرِ، كان كمن أدَّى فريضةً فيما سواه، ومن أدَّى فريضةً فيه، كان كمن أدَّى سبعين فريضةً في غيرِه"، وقد كانَ نبينا (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) أجْوَدَ النَّاسِ بالخَيْرِ من الريح المرسلة، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، كما كان النبي (صلى الله عليه وسلم) معروفًا بشدة جوده وكرمه، فقد جاء رَجُل يسَأَل النبيَّ ( صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ) غَنَمًا بيْنَ جَبَلَيْنِ، فأعْطَاهُ إيَّاهُ، فأتَى قَوْمَهُ فَقالَ: أَيْ قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَوَ اللَّهِ إنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءً من لا يخشى الفَقْرَ".
كرم الله
وأشار إلى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لشدة إيمانه بالله، وثقته في الله، كان كريمًا غاية الكرم، وقد قَسَمَ رَسولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ) قَسْمًا، فَقال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): وَاللَّهِ يا رَسولَ اللهِ، لَغَيْرُ هَؤُلَاءِ كانَ أَحَقَّ به منهمْ، قالَ: إنَّهُمْ خَيَّرُونِي أَنْ يَسْأَلُونِي بالفُحْشِ، أَوْ يُبَخِّلُونِي، فَلَسْتُ ببَاخِلٍ أبدًا، كما كان (صلى الله عليه وسلم) أسخى الناس، وأجود الناس، وأكرم الناس، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم ): "حصِّنوا أموالَكم بالزَّكاةِ"، فمن لم يخرج الزكاة، أو كان متأخرًا في إخراجها، ففي هذا الشهر الذي تضاعف فيه الحسنات عليه أن يبادر بإخراج زكاته، أو ما تبقى منها، وفي الصدقات، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "حصِّنوا أموالَكم بالزَّكاةِ وداووا مَرضاكم بالصدقةِ وأعدُّوا للبلاءِ الدُّعاءَ"، فالصدقة مداواة للمريض، وتُذهِب الهم والغم، وتُدخِل السرور والطمأنينة على الفرد، والأسرة، والمجتمع، وهي باب من أبواب الإنسانية الواسعة لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "حصِّنوا أموالَكم بالزَّكاةِ وداووا مَرضاكم بالصدقةِ"، ويقول (صلى الله عليه وسلم): "مَن تَصَدَّقَ بعَدْلِ تَمْرَةٍ مِن كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ، وإنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ".
تضاعف الحسنات
وأردف قائلا: يقول الحق (سبحانه وتعالى): "مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" هذا على الإطلاق، فما بالنا بهذا الشهر الفضيل الذي تضاعف فيه الحسنات، وترفع فيه الدرجات، وقد ضرب لنا نبينا (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه أعظم المثل في الجود والكرم والسخاء، يقول (سبحانه وتعالى): "وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "، وقد ورد في سبب نزول هذه الآية أن رجلًا أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله أصابني الجهد أي الفاقة، أو الفقر، أو عدم وجود شيء أتقوت به، فأصابني الجهد نتيجة ما أصابني من الفاقة، فبعث النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى نسائه "هل عندكن من شيء؟" فقلن: "ما معنا إلا الماء"، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " من يضم أو يضيف هذا ؟" فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) فقالت: ما عندنا إلا قوت الصبيان، فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونومت صبيانها ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) فقال: "ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما"، فأنزل الله (عز وجل): “وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ.
أفضل الصدقة
وقال وزير الأوقاف عن مالك الدار (رضي الله عنه) أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صرة، فقال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح (رضي الله عنه) ثم تَلَهَّ أي: اجلس وانظر ماذا يصنع في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع؟ فذهب بها الغلام إليه فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال وصله الله ورحمه، ثم قال: تعالَي يا جارية، اذهبي بهذه السبعة إِلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتى أنفدها، ورجع الغلام إلى عمر (رضي الله عنه) فأخبره فوجده قد أعدّ مثلها لمعاذ بن جبل (رضي الله عنه)، فقال: اذهب بها إلى معاذ بن جبل وتَلَهَّ في البيت حتى تنظر ما يصنع؟ فذهب بها إليه فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال: رحمه الله ووصله، تعالَي يا جارية، اذهبي إلى بيت فلان بكذا، اذهبي إلى بيت فلان بكذا، فاطَّلعت امرأة معاذ وقالت: ونحن - والله - مساكين فأَعطِنا، فلم يبقَ في الخرقة إلا ديناران، فدحى بهما إليها، ورجع الغلام إلى عمر فأخبره فسر بذلك فقال: "إنهم إخوة بعضهم من بعض"، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): حين سأله رجل، "أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قالَ: أَنْ تَصَدَّقَ وأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ " أي في شبابك وإقبال الدنيا عليك، لا أن تنتظر حتى تبلغ الروح الحلقوم وجاءت ساعة الموت، وتأكدت أنك لن تنتفع بالمال، وزعته، وقلت أعطوا فلان، وأوصيت لفلان، ومع أن الخير خير في كل حال ولكن الأفضل ما جاء في حديث نبينا (صلى الله عليه وسلم): “أنْ تَصَدَّقَ وأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وتَأْمُلُ الغِنَى، ولَا تُمْهِلُ حتَّى إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا، ولِفُلَانٍ كَذَا وقدْ كانَ لِفُلَانٍ”.
اطعام الطعام
وأكد وزير الأوقاف الصدقة قد تكون مالًا، وقد تكون طعامًا، وهذا شهر إطعام الطعام، إطعام الفقراء، إطعام المساكين، سواءً قدمت لهم طعامًا، أو حبوبًا، أو مالًا، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "مَن فطَّرَ صائمًا كان مغفرةً لذُنوبِه وعتْقَ رَقَبَتِه مِن النَّارِ، وكان له مِثْلُ أجْرِه مِن غيرِ أنْ ينقُصَ مِن أجْرِه شَيءٌ"، ويقول (سبحانه وتعالى): "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا"، ورُوي أنَّ رجلًا سأل رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) أيُّ الإسلامِ خيرٌ ؟ قال: تطعم الطعامَ، وتقرأ السلامَ، على من عرفتَ ومن لم تعرف" ويقول (صلى الله عليه وسلم): "أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا باللَّيْل وَالنَّاسُ نِيامٌ، تَدخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ"، رمضان شهر الجود والكرم ؛ بالمال وبالكلمة الطيبة، وببذل النفس في سبيل الوطن، وأن الشهداء الذين يجودون بأنفسهم في أعلى درجات الشهادة، ومن الجود أيضًا الجود بالكلمة الطيبة، والإيثار المعنوي، فقد أرسل سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ابنه عبد الله (رضي الله عنه) إلى أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) فقالَ: يا أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا)، فَقُلْ: يَقْرَأُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ عَلَيْكِ السَّلَامَ، ثُمَّ سَلْهَا، أنْ أُدْفَنَ مع صَاحِبَيَّ، قالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي فَلَأُوثِرَنَّهُ اليومَ علَى نَفْسِي، فَلَمَّا أقْبَلَ، قالَ: له ما لَدَيْكَ؟ قالَ: أذِنَتْ لكَ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قالَ: ما كانَ شيءٌ أهَمَّ إلَيَّ مِن ذلكَ المَضْجَعِ، فَإِذَا قُبِضْتُ فَاحْمِلُونِي، ثُمَّ سَلِّمُوا، ثُمَّ قُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فإنْ أذِنَتْ لِي، فَادْفِنُونِي، وإلَّا فَرُدُّونِي إلى مَقَابِرِ المُسْلِمِينَ"، فأذنت له وآثرته بأعز شيء على أرض البسيطة وهي هذه البقعة التي دُفن فيها عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إلى جوار رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وسيدنا أبي بكر الصديق (رضي الله عنه)، هذا جود بالنفس، فالجود قد يكون ماديًا، وقد يكون معنويًا، وقد يكون بالكلمة الطيبة، وقد يكون بالإيثار، فرمضان شهر الجود والكرم والإيثار والسخاء، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم إلى حسن طاعته، وأن يرزقنا سخاء النفس، وطيب النفس، والتراحم، والتكافل، والتعاون في هذا الشهر الفضيل.