محلل سياسي إسرائيلي: سيناء تشتعل بعد عزل مرسي.. البدو كونوا "مجلس حرب" للرد على السلطات المصرية.. الجهاديون يوجهون قذائف صاروخية لسفن قناة السويس.. حماس ترسل مقاتلين مدربين لدعم الإخوان
من المؤكد أن المناخ فى سيناء سوف يؤثر على المرحلة الانتقالية -ما بعد مرسى- وعلى مكانة الجيش فى البلاد، ولهذا السبب ربما يشعر الفريق أول عبد الفتاح السيسى بالحاجة إلى القيام بإجراءات عسكرية أكثر جرأة فى شبه جزيرة سيناء -على الأقل- لكى يظهر للبدو والأطراف الخارجية بأنه لا يفقد سيطرته على أى جزء من البلاد، هكذا ذكر إيهود يعارى، زميل ليفر الدولى فى معهد واشنطن، ومعلق لشئون الشرق الأوسط فى القناة الثانية فى التليفزيون الإسرائيلى، فى تحليله السياسى بعنوان "تدهور الأوضاع فى سيناء".
يقول يعارى: "الموقف الأمنى فى سيناء تدهور بشكل سريع منذ سقوط مرسى، فقام بدو مسلحون بتصعيد الهجمات المتكررة على عناصر من الجيش المصرى وقوات الأمن المركزى التابعة لوزارة الداخلية".
كما أعلنت أيضًا مجموعات من البدو -ومعظمها من قبائل السواركة والترابين وبريكات، التى تقودها الميليشيات الجهادية السلفية- عن تكوين "مجلس حرب" بهدف الرد بقوة على أية إجراءات مضادة تتخذها السلطات المصرية.
ويشير يعارى إلى أنه بالرغم من عدم تغطية هذه الهجمات إعلاميا، إلا أن مناخا من الفوضى والتمرد يسود المنطقة الشمالية الشرقية المأهولة بالسكان فى شبه جزيرة سيناء، المتاخمة لقطاع غزة وإسرائيل، وقد وقعت حوادث فى الأرض الجرداء وسط سيناء وعلى مقربة من قناة السويس، وتعرضت الحواجز الأمنية والدوريات والقوافل لهجمات القناصة على مدى الأيام القليلة الماضية، مع قيام مسلحين آخرين بمحاولات خطف عناصر من قوات الأمن الحكومية واقتحام المجمعات العسكرية فى العريش -عاصمة شمال سيناء- والشيخ زويد ورفح، وفى العاشر من يوليو، هاجم بدو فى الشيخ زويد سيارة قائد الجيش الثانى اللواء أحمد وصفى ورافق ذلك إطلاق نار كثيف.
وأضاف يعارى أن الاحتجاجات التى اندلعت فى المناطق الرئيسية للبلاد والمناهضة لعزل مرسى أعطت مبررًا للبدو لتحدى القوات المصرية، فعلى الرغم من فوز مرسى بأغلبية الأصوات فى سيناء خلال الانتخابات الرئاسية فى العام الماضى، لم يكن أهل البدو أبدًا من أتباع الإخوان المسلمين، وبدلًا من ذلك، هم يشعرون بضعف الجيش المصرى خلال المرحلة الانتقالية، ويرون الطريق مفتوحًا لدفع مطالبهم التقليدية (إطلاق سراح السجناء البدو، والعفو عن العديد من رجال القبائل الذين لا يزالون على قوائم المطلوبين، وتأسيس نظام مختلف للإدارة فى شبه الجزيرة).
وأدت أحداث العنف الأخيرة إلى شعور القاهرة بالقلق بصورة خاصة حول قناة السويس -حسبما قال يعارى- ويتخذ الجيش المصرى الثانى (المسئول عن القطاع الشمالي) والجيش الثالث (المسئول عن القطاع الجنوبى) إجراءات استثنائية لمنع الهجمات ضد السفن التى تبحر فى هذا الممر الدولى، مضيفًا أنه منذ سقوط مرسى، حاول المتشددون القيام بمحاولة واحدة على الأقل لإطلاق صواريخ جراد باتجاه المنشآت النفطية فى مدينة السويس، التى تقع فى المدخل الجنوبى للقناة، وقاموا أيضًا بالاعتداء على مكاتب الجمارك فى "منطقة التجارة الحرة" فى بورسعيد عند المدخل الشمالى من تلك المنطقة.
وأشار إيهود إلى أنه سيكون من السهل تمامًا على أى جهادى منفرد فى سيناء إطلاق صاروخ مضاد للدبابات من الجيل الثالث أو قذيفة صاروخية على أى سفينة تتحرك ببطء عبر قناة السويس، قائلًا: "كون اللواء وصفى رئيسًا للجيش الثانى الميدانى، فهو بذلك مسئول عن الرد العسكرى المصرى على تحدى البدو، وقام مؤخرًا بتعزيز قواته بلواء ميكانيكى وجنود الصاعقة وعدد قليل من الدبابات، وربما الأهم من ذلك كله مروحيات أباتشى الهجومية التى تم نشرها فى قاعدة العريش الجوية، وقد تزايدت تلك الإجراءات بعد الإطاحة بمرسى".
وأكد يعارى أن إسرائيل وافقت على عمليات الانتشار، التى جرى ترتيبها من خلال "آلية الأنشطة المتفق عليها و"تسهيلها" من قبل "القوة المتعددة الجنسيات من المراقبين" وتسمح هذه الآليات للأطراف بإدخال القوات العسكرية بصفة مؤقتة إلى المناطق التى يحظر انتشارها فيها بموجب معاهدة السلام لعام 1979.
وحتى بعد عمليات الانتشار، حافظ الجيش المصرى على موقفه التقليدى بتجنب التدابير الاستباقية ضد معاقل ميليشيات البدو، وتتمحور السياسة الرسمية للجيش فى أن عناصره موجودة فى سيناء "لمساعدة" قوات وزارة الداخلية، ومن الناحية العملية، ميليشيات البدو المسلحة جيدًا، والتى تكتسب الثقة ويبدو أنها لا تلقى بالًا للقوات الحكومية، ليؤكد يعارى أنه نادرًا ما يجرى الجيش عملياته العسكرية بعد غروب الشمس، حيث تلتزم معظم القوات بحواجزها ومخيماتها، فضلًا عن أنه لم تجرِ أى محاولات لتهديد السلفيين الجهاديين فى ملاذاتهم الآمنة المعروفة جيدًا؛ وادى عمرو وجبل حلال.
وأكد يعارى أن القطاع الوحيد الذى بادر فيه الجيش باتخاذ خطوات فعلية هو الحدود السيناوية مع قطاع غزة -الذى تسيطر عليه حماس- والبالغ طولها أربعة عشر كيلومترًا، وهناك أعاقت القوات المصرية العديد من الأنفاق غير الشرعية -إن لم يكن جميعها- بين القطاع وشبه جزيرة سيناء، وقد غُمرت بعضها بمياه الصرف الصحى، وفى معظم هذه الحالات حذر جهاز "المخابرات العامة المصرية" المقاولين الذين يجرون اتفاقيات تجارية عبر الأنفاق بوقف أعمالهم التجارية مع الفلسطينيين.
ويخضع جهاز "المخابرات العامة المصرية" حاليًا تحت مسئولية اللواء محمد فريد التهامى المقرب منذ فترة طويلة من وزير الدفاع عبد الفتاح السيسى، ليقول يعارى "الفريق أول السيسى يشعر بالقلق من احتمالية إرسال «حماس» أسلحة ومقاتلين مدربين لمساعدة جماعة «الإخوان المسلمين»، خصوصًا إذا ما قرر مؤيدو مرسى مواصلة حملتهم "الإرهابية" فى المناطق الرئيسية فى مصر ردًا على الإطاحة به، وتم القبض مؤخرًا على نحو عشرة مسلحين فلسطينيين أثناء عبورهم إلى سيناء."
وفى الوقت نفسه، لا يزال الجيش متيقظًا للموقف فى غزة نفسها، فلا يزال يسمح بتوصيل شحنات الوقود للفلسطينيين عبر بعض الأنفاق لمنع اندلاع احتجاجات عنيفة فى القطاع -حسبما قال يعاري- وفى غضون ذلك، فإن هدم أنفاق أخرى قد أوقف تمامًا شحنات الأسلحة عبر سيناء إلى «حماس». ونتيجة لذلك، لم تعد الحركة تستطيع الاعتماد على وصول القذائف الإيرانية طويلة المدى، لذا لجأت إلى التجارب التى استهدفت تحديث الأسلحة الموجودة بالفعل فى حوزتها.
وعلى الجبهة السياسية، أصبح الموقف فى سيناء موضوعًا رئيسيًا فى الخطاب العام فى مصر، الذى كثيرًا ما تقوم وسائل الإعلام بتغطيته ويُذكر فى المؤتمرات الصحفية الرسمية. وينزع العديد من المعلقين إلى إلقاء اللوم على «حماس» -جزئيًا على الأقل- فيما يخص زعزعة الاستقرار فى شبه جزيرة سيناء، وقد يمارس هذا الخطاب ضغوطًا على الجيش لاتخاذ إجراءات يفضل هو تجنبها، مع ردع «حماس» من الاستفادة من الاضطرابات الأخيرة.