مافيا العيش والملح.. خبراء يكشفون طرق التصدي لأثرياء الأزمات والحروب
مع كل أزمة طارئة، محلية أو عالمية، يضغط تجار الأزمات وأثرياء الكوارث على زر الأسعار لترتفع أكثر من معدلاتها غير منشغلين بشعب معظمه من الفقراء والمعدومين والقابعين تحت خط الفقراء.
فور نشوب الحرب الروسية الأوكرانية تكرر السيناريو الرديء، وبين عشية وضحاها قفزت الأسعار بجنون منقطع النظير.. الغلاء اجتاح جميع السلع الإستراتيجية لا سيما المواد الغذائية الضرورية وغير الضرورية.
صرخات الغلابة لا يسمعها المحتكرون ولا يستجيبون لها.. لقد أسمعت إذ ناديت حيًّا ولكن لا حياء ولا حياة لمن تنادي، ولولا التدخل السريع من جانب الحكومة بناءً على توجيهات الرئيس، لازدادت وتيرة الغلاء والغضب.
ولكن إلى متى تتعامل الحكومة مع أعراض، ولا تستأصل الورم من جذوره؟ ومتى لا تتخذ الحكومة التدابير والإجراءات اللازمة لضبط الأسواق دونما أزمة أو طارئ أو انتظارًا لتوجيهات رئاسية؟ يجب أن تكون الأزمة الأخيرة كاشفة للحكومة أن تضرب بيد من حديد على أيدي هؤلاء المحتكرين وتتخذ الإجراءات الكفيلة التي تمكنهم من إثارة غضب الفقراء كلما أرادوا.
"فيتو" تفتح في السطور التالية ملف هذه المافيا وسبب نفوذها وتأثيرها وسبل مواجهتها وتجفيف منابعها.
احتياج المواطنين
لا تقتصر المافيا على الأعمال الإجرامية العالمية فقط، ولكن هناك الكثير من هذه الفئات التى تستغل احتياج المواطنين، وتعمل على استغلال نفوذها وأموالها فى زيادة الأزمات التى تمر بها البلاد من خلال تخزين المنتجات أو السلع التى تساهم فى خلق حالة من عدم الاستقرار داخل الأسواق، حتى يتمكن تجار السوق السوداء من بيعها بأضعاف أسعارها دون مراعاة الاحتياج والأزمات التى تمر بها البلاد، مما جعل هناك ضرورة قصوى لمواجهة هذه الفئات التى لا تختلف كثيرا فى أفعالها عن المجرمين، والضرب بيد من حديد لمنع قيامهم بتخزين العديد من السلع فى المخازن مستغلين الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة نقص القمح والدقيق فى عمل حالة من الاضطراب داخل الأسواق المصرية.
السوق السوداء
إلى ذلك.. كشف عدد من الخبراء، عن الأزمات التى يتسبب فيها مافيا وتجار السوق السوداء فى السلع، وطرق تخزينهم لكافة المنتجات داخل المخازن السرية التابعة لهم، بالإضافة إلى الأسباب التى أدت إلى هذه الظاهرة الكبيرة التى تشهدها البلاد خلال الفترة الحالية، والمكاسب التى حققتها الحكومة فى مواجهتها على مدار الأيام الأخيرة، عبر توجيه ضربات موجعة فى إطار ضبط الأسواق ومراقبة الأسعار وضمان وصول السلع بأسعارها إلى المواطنين.
من جانبه.. قال الخبير الاقتصادي الدكتور خالد الشافعى: إن تجار السوق السوداء لديهم اهتمام كبير بعملية استغلال الأزمات التى تمر بها البلاد بشكل كبير، مؤكدا على أن هذا الأمر لم يكن وليد اللحظة، ولكن ظاهرة مافيا الأسواق موجودة منذ فترة كبيرة، تنشط بالتزامن مع العديد من الأزمات التى تمر بها البلاد، والتى شاهدناها مع أزمة كورونا وبداية انتشارها فى مصر، مستغلين خلالها احتياج المواطنين وتخزين الكمامات والكحول ومضاعفة أسعارها فى الأسواق.
مضيفًا: لولا تدخل الدولة بإنشاء خطوط إنتاج والاستيراد من الخارج لمواجهة هذه الأزمة، بالإضافة إلى ضبط بعض التجار وإحالتهم للمحاكمة، لكان من المتوقع أن تحدث أزمة كبيرة فى الأسواق المصرية خلال هذه الفترة.
واستطرد: أزمة الحرب الروسية الأوكرانية لا تختلف كثيرا عن أزمة كورونا، لأن العامل الأساسى بينهما هو "استغلال المواطنين"، ورفع الأسعار لمضاعفة ثروات التجار وزيادة أعباء المواطنين بشكل كبير.
مواجهة الدولة
وعن خطة الدولة لمواجهة هذه الظاهرة، قال الدكتور خالد الشافعى، إن الدولة تعمل بشكل مكثف فى محاولة الحد من الاستغلال الذى يقوم به تجار السوق السوداء، ومواجهة محتكرى السلع والمتهمين بالتلاعب فى الأسعار، وهذا من خلال توجيه وزارة الداخلية خلال الأيام القليلة الماضية، فى محاولة منهم لضبط الأسواق ومراقبة الأسعار وضمان وصول السلع بأسعارها إلى المواطنين، بالإضافة إلى مصادرة المضبوطات التى يتم ضبطها داخل المخازن التابعة للتجار، وإحالتهم للتحقيق.
وأشار إلى أن هذا الأمر يتزامن مع مواصلة شرطة التموين والتجارة بالتنسيق مع مديريات الأمن على مستوى الجمهورية، تكثيف حملاتها التموينية المكبرة لمراقبة الأسواق للمحافظة على استقرار الأسعار وضبط كافة صور الاحتكار، موضحا أن هذا الأمر نتج عنه ضبط مئات الأطنان من السلع المختلفة، التى من الممكن أن تسبب أزمة كبيرة فى السلع داخل الأسواق.
ومن جانبه، قال رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية الدكتور رشاد عبده إن احتكار التجار للسلع يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد المصرى، مشيرا إلى أن المستثمر يفضل التعامل فى دولة تفرض سيطرتها على اﻷوضاع الأمنية، وهذا ما تعمل عليه الدولة خلال الفترة الحالية لمواجهة مافيا وتجار السوق السوداء، الذين يسعون إلى خلق حالة من الاضطراب داخل الأسواق نتيجة تخزين السلع ونقصها فى مختلف الأسواق المصرية.
وعن سر هذه الظاهرة والأسباب التى نتجت عنها أكد عبده، أن التجار يرغبون بشكل كبير فى استغلال المواقف والأزمات التى تمر بها البلاد فى محاولة منهم لجنى ثروات ضخمة عبر زيادة الأسعار واستغلال احتياج المواطنين، مضيفا أن من بين الأسباب التى نتجت عن هذا الأمر عدم توافر السلع أو نقصها فى المنافذ الحكومية، والتى تدفع التجار لاحتكارها وبيعها بالأسعار التى يحددونها، مطالبا بضرورة العمل على ضخ الكثير من السلع خلال الفترة الحالية داخل الأسواق، حتى يتم من خلالها ضبط الأسعار وغلق كافة الطرق التى يدخل منها التجار لاحتكار السلع.
ردع المخالفين
وطالب الحكومة، بضرورة العمل بشكل كبير فى ردع كل من تسول له نفسه من التجار أن يتحايل على القانون ويرفع الأسعار، بحيث يتم تفعيل الدور الرقابى على الأسواق، مشيرا إلى أن القرارات التى تتخذها الحكومة فى الفترة الحالية سوف تعمل على ضبط الأسعار ورفع الأعباء عن كاهل المواطن البسيط، فى ظل الأزمة العالمية التى تشهدها مختلف دول العالم من ارتفاع نسبة التضخم نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية والأزمات الاقتصادية التى تمر بها البلاد.
وأوضح، أنه من المهم وجود سياسة حكيمة من الحكومة لتحويل هذه المحنة التى يعانى منها المواطنون واستغلالها بكافة السبل فى القضاء على الفوضى السوقية، وتكثيف العمل الرقابى على السوق، والقضاء على كافة السبل التى يدخل منها التجار ومافيا الأسواق فى التحكم بالأسواق وتخزين السلع الأساسية التى يعتمد عليها المواطنون بشكل كبير.
وعن المشكلات التى تعانى منها الأسواق، قال الدكتور عادل يعقوب الخبير الاقتصادى، إن أزمة مافيا السلع، وتجار السوق السوداء، لا تعتبر من أكثر الأزمات التى تعانى منها الأسواق، ولكن هناك بعض من التجار منعدمى الضمير الذين يفضلون الطريق الأسهل لتحقيق الأرباح، وهذا من خلال تقليد العلامات التجارية الشهيرة، وبيعها فى الأسواق، مشيرا إلى أن هذا الأمر من الممكن أن يتسبب فى عدة أضرار، والتى يأتى من أبرزها الضرر الذى يقع على العميل القائم بشراء منتج قليل الجودة، ومن الأضرار أيضًا التى تقع على صاحب العلامة الأصلى الذى يتاجر باسمه التجار منعدمو الضمير، وتجعل المشترين قد يعزفون عن شراء هذه المنتجات مرة أخرى.
الضربات الأمنية
وعن مواجهة هذه الظاهرة، أكد يعقوب، أن الدولة تقوم بالعديد من الضربات الأمنية ضد التجار الذين يقومون ببيع السلع المقلدة والمغشوشة فى الأسواق، من خلال عدة حملات مكبرة فى مختلف محافظات الجمهورية، سواء للمصانع أو المخازن غير المرخصة، مما نتج عنها تحقيق نتائج إيجابية على مدار الأيام الماضية، وهذا لأن احتياج المواطنين للسلع يفتح الأبواب أمام هذه الفئة من التجار لطرح هذه المنتجات المقلدة بأسعار أقل من المعروضة.
ولفت إلى أنه بعد ظهور زيادات كبيرة فى السلع داخل الأسواق المصرية، تمكنت الأجهزة الأمنية من تحرير عشرات الآلاف من المحاضر فى مختلف المحافظات، ضد المتلاعبين فى أسعار السلع وتخزينها بهدف إعادة بيعها فى السوق السوداء بأسعار كبيرة، فى محاولة من الدولة للمحافظة على أسعار السلع الأساسية، بالتزامن مع قرارات وقف تصدير العديد من السلع لخلق حالة من الضبط بين العرض والطلب فى الأسواق، والمساهمة فى استقرار أسعار هذه السلع بالأسواق خاصة أننا لدينا مخزون إستراتيجى كبير من السلع الأساسية.
وعن مخاطر الاحتكار، قال الدكتور عادل يعقوب إنه يساهم بشكل كبير فى تعظيم حجم ثروة المحتكر، وينتج عنه ضعف المنافسة مع انعدام وجود حافز وعدم الاهتمام بجودة المنتج المقدم، مشيرا إلى أن هذا الأمر ينتج عنه أيضًا التأثير بشكل سلبى فى التضخم وضعف أداء القطاع الذى يعمل به المحتكر، مما يستدعى اتباع كافة طرق المواجهة التى تحمى المواطن البسيط من الاستغلال وتوفير السلع فى المنافذ الحكومية.
وأكد أن الأسواق الموازية تعمل بشكل كبير فى ضبط عملية العرض والطلب لجميع السلع المعروضة داخل الأسواق، وهذا ما تقوم به الحكومة فى الوقت الحالى من خلال توفير كافة السلع والمنتجات التى يحتاج إليها المواطنون بأسعار مخفضة داخل المنافذ التابعة لها فى مختلف المحافظات، حتى لا يكون المواطن فريسة لجشع التجار والمحتكرين، والمساهمة فى القضاء على هذه الظاهرة بشكل كبير.
من جانبه.. وصف أسامة جعفر، عضو الشعبة العامة للمستوردين، الأزمة الحالية بأنها أزمة ضمير ليس أكثر من ذلك، حيث إن هناك بعض العوامل التى تؤدى إلى تراجع الأسعار، ومع ذلك الأسعار لم تنخفض، مضيفًا: تكاليف الشحن انخفضت إلى أكثر من النصف بعد التحول إلى الخطوط الصينية المصرية للشحن، وانخفضت أكثر من 95000 دولار فى الشحنة الواحدة.
وأشار "جعفر" فى تصريحات خاصة، إلى أن التحول من الخطوط الأوكرانية والروسية للشحن بسبب خوف المركب من الضرب أو التعطيل أدى إلى التحول للخطوط المصرية الصينية، وهو ما يصب فى صالحنا، حيث انخفضت أسعار الشحن بصورة كبيرة، مشددًا على أن الرقابة الصارمة ضرورة لمنع معدومى الضمير من تحقيق مكاسب على حساب المواطنين بصورة كبيرة.
الرقابة الصارمة
وبدورها.. طالبت شعبة الثروة الداجنة بغرفة القاهرة التجارية بتشديد الرقابة على بعض المستوردين ومخازنهم بعد الأزمات الأخيرة فى السوق المصرى، واستغلال البعض للحرب الروسية الأوكرانية، ورفع أسعار السلع بحجة الحرب على الرغم من توافر المنتجات المختلفة فى السوق بكميات كبيرة.
وقال الدكتور عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الثروة الداجنة بغرفة القاهرة التجارية: الاحتياطى الإستراتيجى من السلع يكفى لعدة شهور قادمة، وارتفاع الأسعار ليس له أي مبرر، موضحا أن توجيهات القيادة السياسية هى الحفاظ على معدل إستراتيجى كبير من السلع للحفاظ على الأسعار.
وشدد على أن الرقابة تكون على المخالفين، ويجب اتخاذ إجراءات استثنائية للتصدى لكل من تسول له نفسه احتكار سلعة أو حبسها أو منعها عن المواطنين، لافتا إلى أن السلع متوفرة، وليس بها أي نقص، وهناك توجهات للحفاظ على السلع وأسعارها فى الأسواق من خلال تكاتف وتعاون الجميع؛ المجتمع مدنى والمواطنين والغرف التجارية وغيرها.
المجتمع المدنى يتحرك مع الدولة ومع المواطنين للتصدى لأى ارتفاع غير مبرر، حيث إن المواطن عليه دور فى التصدى للارتفاعات غير المبررة من خلال عدم التكالب على السلع.
وأشار إلى ضرورة الرقابة الصارمة على المنتجات الأساسية التى تهم المواطنين، وتفويت الفرصة على المستغلين والمغالين فى أسعار السلع بدون مبرر.
نقلًا عن العدد الورقي..