بعد دعوة الرئيس السيسي لميكنة المنظومة القضائية.. دراسة حديثة لتطبيق العدالة الناجزة
أجرى القاضى الفقيه الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة دراسة قيمة فى أحدث مؤلفاته بعنوان "المواجهة القضائية الإلكترونية العالمية لفيروس كورونا فى الالتزامات والعقود الوطنية والدولية"، وذلك بالنظر إلى توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتوسع في استخدام أحدث الوسائل الإلكترونية والتكنولوجية في منظومة عمل المحاكم، للمساهمة في سرعة الإجراءات واختصار زمن التقاضي، وكذلك تعميم نظام التقاضي عن بُعد في كافة المحاكم خلال الفترة المقبلة وتطوير الجانب التقني بالتوسع في تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحويل الكلام إلى نص مكتوب خلال الجلسات القضائية.
سبع نقاط
ونعرض فى الجزء الأول من هذه الدراسة المهمة دوليًا فى سبع نقاط:
1- دعوة الرئيس السيسي لميكنة المنظومة القضائية جعلت العدالة تتعايش مع فيروس كورونا.
2- كورونا أجبر العالم على تقنين بنية أساسية لإجراءات التقاضى عن بُعد، وتحويل المحاكم التقليدية إلى محاكم إلكترونية.
3- التقاضي عن بُعد ما بعد زمن فيروس كورونا ضرورة حياتيَّة تحتاج للشرعية الإلكترونية وليست ترفًا.
4- دعوة الرئيس السيسى جاءت في وقت تحتاج العدالة لمن ينشد فيها روح ملاحقة ركب التطور التكنولوجى.
5- كورونا قضية إنسانية وعلى الدول الكبرى ألا تنظر إليها كقضية سياسية ومصر لعبت دورا إنسانيا محوريا بحرص قيادتها الملهمة وقت الشدائد.
6- يجب الاعتماد على إجراءات "العمل الذكي" فى العملية القضائية، و"الفيديو كونفرنس" فى العملية الإجرائية فى صروح العدالة.
7- الأخذ بتقنية التقاضي الإلكتروني للقضاء الدستورى والجنائى والإدارى يتطلب تدخلًا تشريعيًا على غرار ما انتهجه المشرع المصرى للمحاكم الاقتصادية عام 2019.
أولًا: دعوة الرئيس السيسي لميكنة المنظومة القضائية جعلت العدالة تتعايش مع فيروس كورونا:
منظومة العدلة
يقول الدكتور محمد خفاجى لقد كانت للدعوة التى وجهها الرئيس عبد الفتاح السيسي بوضع خطة تطوير المنظومة القضائية وميكنتها، أثرها البالغ نحو جعل العدالة تتعايش مع فيروس كورونا، على ثلاثة محاور رئيسية: يتمثل المحور الأول في تطوير ورفع كفاءة مقرات المحاكم على مستوى الجمهورية، والإسراع في الميكنة والتحول الرقمي، وتحديث البنية التشريعية المنظمة للإجراءات ذات الصلة، ورفع كفاءة قاعات المحاكم للتسهيل على المواطنين، ويتمثل المحور الثانى في الارتقاء ببيئة العمل الإداري لتيسير إجراءات العمل القضائي ورفع القدرات والتغلب على معوقاته لتمكين القضاة من أداء واجبهم على أكمل وجه، بينما يتمثل المحور الثالث في تحديد الجهة التى يناط بها ميكنة العمل بالمحاكم بالتنسيق مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات صاحبة الولاية في مجال الميكنة لا غيرها.
ثانيًا: كورونا أجبر العالم على تقنين بنية أساسية لإجراءات التقاضى عن بُعد، وتحويل المحاكم التقليدية إلى محاكم إلكترونية
ذكر الدكتور محمد خفاجى إن كافة دول العالم عاشت حالة طوارئ استثنائية بسبب جائحة وباء فيروس كورونا COVID-19 العالمي، وقد اتخذت تلك الدول ومنها مصر الإجراءات الاحترازية الصارمة بغية السيطرة على الوباء لمنع سرعة انتشاره، وكان لزامًا فى بداية الجائحة تعطيل العمل الذى يكثر فيه التجمعات ومنه صروح العدالة، فتم تأجيل انعقاد الجلسات وتعليقها بمختلف المحاكم باستثناء الدعاوى المستعجلة، ولما كان التقاضي من أعز حقوق المواطنين التى كفلها الدستور فقد بات من الضروري التفكير في وضع بنية أساسية لتقنين إجراءات التقاضى عن بُعد، وبيان اَليات تنظيمه لتتحول المحاكم التقليدية التى كانت تعتمد على الإجراءات الورقية إلى محاكم إلكترونية تتخذ من تكنولوجيا الاتصال وعلوم الحاسوب شرعةً ومنهاجًا، لتبسيط الإجراءات بما يحقق الحفاظ على النظام الصحى العام، وبما يؤدى إلى سرعة الإنجاز القضائى حتى ما بعد زمن كورونا.
والرأى عندى أن التحدي الأكبر هو كيف تتحقق العدالة القضائية مع ضمان العدالة الوقائية، وذلك يتأتى باتباع أصول التقاضى عن بُعد وتوسيع نطاق جلسات المرافعة عن طريق الفيديو كونفرنس، ومواكبة التطور التقنى فى مجال العدالة ليس فقط من الناحية اللوجستية وإنما من الناحية القانونية أيضًا، بما يسمح للمحاكم بإقامة العدل على النحو الواجب شريطة أن تكون العدالة آمنة دون يتأذى رجالها. وقدرة المحاكم على إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي فى مجال العدالة.
ثالثًا: التقاضي عن بُعد ما بعد زمن فيروس كورونا ضرورة حياتيَّة تحتاج للشرعية الإلكترونية وليست ترفًا:
إن الكم الهائل من القضايا المنظورة أمام المحاكم المصرية أدى إلى أن افتقدت مهنة المحاماة من الناحية الإجرائية بعض إحدى أهم خصالها المتمثلة في المرافعات الشفهية من شرح الأسباب الموضوعية والقانونية لدعاوى موكليهم بولوج طريق تقديم المذكرات المكتوبة، فضلًا عن ازدحام قاعات المحاكم يوميًا بالمتقاضين ووكلائهم من المحامين، كل ذلك جعل عملية التقاضى برمتها لا تتناسب مع حقيقة العصر الذى اختصر كثيرا من الوقت والجهد والنفقات باستخدام تكنولوجيا المعلومات وثورة الاتصالات في مجال العدالة.
فضلًا عن أن جائحة كورنا كشفت النقاب عن أن الإجراءات التقليدية للتقاضى في نظمها العتيقة لم تعد تتفق وحقيقة العصر نظرًا لأن نظام التقاضى الإجرائى بالتجمعات الناشئة عنه لا يتناسب مع النظام الصحى العام، وهو ما يثير الاستعانة بالتقاضى عن بُعد واستخدام وسائل التكنولوجيا والاتصال المرئى أو المسموع وإفراغ قيد الدعاوى والمرافعات والمستندات بواسطة البريد الإلكتروني للمحاكم منعًا من التجمعات، وهذا ما يتطلب ملاحقة ايقاع العصر لصالح لمتقاضين ووكلائهم والقضاة ومعاونيهم، مما ينعكس أثره على حسن سير مرفق العدالة ضمانًا لحقوق المواطنين، بحيث أضحى التقاضي عن بُعد في زمن ما بعد فيروس كورونا ضرورة حياتيَّة تحتاج للشرعية الإلكترونية وليست ترفًا.
رابعًا: دعوة رئيس الجمهورية بميكنة المنظومة القضائية جاءت في وقت تحتاج العدالة لمن ينشد فيها روح ملاحقة ركب التطور التكنولوجى:
يقول الدكتور محمد خفاجى إن دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي بتعزيز جهود خطة تطوير المنظومة القضائية وميكنتها بالإسراع فى الميكنة والتحول الرقمي، وتطوير ورفع كفاءة مقرات المحاكم، للتسهيل على المواطنين، جاءت في وقت تحتاج فيه العدالة لمن ينشد فيها روح ملاحقة ركب التطور التكنولوجى في مجال التقاضى من ناحية، وحفاظًا على النظام الصحى العام داخل صروح العدالة من ناحية أخرى للأخذ بنظام إلكتروني يعتمد على التقاضى عن بُعد.
ويجب أن تسود جهات القضاء المتنوعة روح الفريق لانتهاج خطة متكاملة لهيكلة نمط العمل بالمحاكم وتحديث البنية التحتية، وصولًا للتحول الرقمي على سبيل التدريج، ستلعب فيها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات دورًا جوهريًا في هذا الشأن، والرأى عندى أنه يجب الاستفادة على سبيل الاسترشاد بالنظم المقارنة التى سبقتنا إلى التقاضى الإلكترونى فى القضاء الدستورى والإدارى والجنائى مع اختيار ما يلائم منها خصوصية البيئة القضائية المصرية.
خامسًا: كورونا قضية إنسانية وعلى الدول الكبرى ألا تنظر إليها كقضية سياسية ومصر لعبت دورا إنسانيا محوريا بحرص قيادتها الملهمة وقت الشدائد:
يقول الدكتور محمد خفاجى أن كورونا لم تعد مجرد مرض، وإنما هي قضية دولية تستدعي التفاعل الدولي والتعاون من أجل مواجهتها ووقاية الشعوب والأمم من خطرها، فلا يجب على الدول الكبرى أن تنظر إليها على أنها قضية سياسية تبرز فيها الخصومات والأحقاد والمثالب والانتقام والتشفي، وعلى الدول الكبرى نبذ الخلافات السياسية والاقتصادية جانبا حتى تحقيق القضاء على تلك الجائحة، فهي فيروس هائج لا يعرف التفرقة بين الدول والكل لديه سواء وعلى الدول الكبرى التعاون ليتجنب العالم أخطار عدو مميت لا يعرف المهادنة أو التفاوض أو المساومة، ولا تستطيع دولة واحدة مواجهة كورونا وحدها بمعزل عن الدول الأخرى بمن فيها الولايات المتحدة والصين.
ويضيف الحق أن مصر لعبت دورا محوريا إنسانيا فى تقديم مساعدات طبية لدول أخرى رغم أنها تعانى ذات المخاطر التى تعانيها كافة الدول، لكن مصر قادت العالم نحو فكرة التعاون الدولى في أوقات الشدة، والشدة هي اختبار للدول كما هي للأشخاص لأنها تكشف عن معدن الدولة الأصيل كمعدن الشخص الأصيل على حد سواء، وكان تصرف الدولة المصرية صادقًا يعبر عن مسئوليتها وحرص قيادتها الملهمة وقت الشدائد. لقد أعطت مصر درسًا بليغًا للعالم في فن العلاقات الدولية بين مختلف الأمم لأن الشدة مشتركة، وأن الرغبة في التعاون المتبادل بين الدول هى الأوجب على تحقيق طغيان المصالح التى تخلف التوترات والمخاصمات.
وأعطت مصر للعالم جرعة من مصل التعاون بين الدول في المجالات الصحية والطبية حتى لو انتهى عهد كورونا، فقد أيقظ فيروس كورونا الأمم على النقص في المستلزمات الطبية والصحية، وهو فيروس شديد الذكاء أخذ العالم على حين غرة في الوقت الذي لم تكن فيه كثير من الدول مستعدة لتوفير المستلزمات لأعداد هائلة من الناس تفوق متطلباتهم مما هو مخزون لديها، وهو ما يترتب عليه استنهاض المجتمع الدولى لعقد الاتفاقات الدولية والثنائية الخاصة بالتعاون الطبي والصحي، ونرى أن قضية تبادل المعلومات يجب أن تحتل مكان الصدارة على رأس بنود هذه الاتفاقيات.
من ناحية أخرى، فإن وباء فيروس كورونا قد أبرز أهمية دور القيم الإنسانية التي تركز على العمل الجماعي والتعاون المتبادل وهو ما تفردت به مصر وعلى تقدير قيمة الإنسان والمحافظة على حياته بقدر الإمكان ووقايته من الأمراض السارية والمفاجئة، بحيث يعود الاهتمام بحقوق الإنسان الصحية وتوفير الخدمات الصحية الضرورية والمتوقعة، في ضوء ما كشفت عنه هذه الجائحة من الأضرار الصحية الجماعية التى كلفت بلدان العالم الكثير من الناحية المالية التى ربما تؤدي إلى انهيار اقتصادي. ولا ريب أنه من بين دروس كورونا على المستوى الدولى استيقاظ العالم لقضية الوعي الأممي بخطورة الأوبئة على الأوضاع الاقتصادية، مما سوف يترتب عليه زيادة موازنات وزارات الصحة على المستوى العالمي وهى فرصة عظيمة للمجتمع الدولى أن تراجع بعض الدول الكبرى مواقفها فتخفض استهلاكها من الأسلحة لصالح إنفاق صحي أكثر أمنًا وسلامة للبشرية جمعاء.
سادسًا: يجب الاعتماد على إجراءات "العمل الذكي" فى العملية القضائية، و"الفيديو كونفرنس" فى العملية الإجرائية فى صروح العدالة
يقول الدكتور محمد خفاجى يثور التساؤل حول كيفية تأثير وباء الفيروس التاجي كورونا (Covid-19) على سير التقاضي بعد أن تعرضت خدمات العدل لكثير من المخاطر ؟ حيث ثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن تفشي الفيروس التاجي كان له بالفعل تأثير على سير الأعمال القانونية في جميع أنحاء العالم، وسط مخاوف من خطر السفر الدولي وخطر العدوى المتأصلة في تجمعات كبيرة فى جميع أنحاء العالم.
والرأى عندى أنه لا فكاك من السلامة وتحقيق التنمية المتكاملة للمجتمعات إلا من خلال الاعتماد على إجراءات "العمل الذكي" فى العملية القضائية، وتقرير طرائق التقاضى عن بُعد، وتغيير منظومة العمل تدريجيا عن الصورة العتيقة للمحاكم التقليدية التى تتطلب حضور المتقاضين أو على الأقل المحامين الذين يمثلونهم، ويجب الاستفادة فى العملية الإجرائية فى صروح العدالة من تطور تكنولوجيا المؤتمرات عبر" الفيديو كونفرنس" دون حضور أي شخص في غرفة المحكمة الفعلية، وهذا يعني أنه من الناحية النظرية على الأقل، يجب أن تكون المحاكم المصرية مستعدة جيدًا إذا دعت الحاجة لإجراء معظم الدعاوى - إن لم يكن كلها -عن طريق جلسات استماع عن بُعد بدلًا من جلسات مادية خلال وباء فيروس كورونا وما يلاحقه من جوائح مجهولة.
سابعًا: الأخذ بتقنية التقاضي الإلكتروني للقضاء الدستورى والجنائى والإدارى يتطلب تدخلًا تشريعيًا على غرار ما انتهجه المشرع المصرى للمحاكم الاقتصادية عام 2019:
ويذكر الدكتور محمد خفاجى أن الأخذ بتقنية التقاضي الإلكتروني للقضاء الدستورى والجنائى والإدارى يتطلب تدخلًا تشريعيًا ، على غرار ما انتهجه المشرع المصرى بالنسبة إلى المحاكم الاقتصادية بالقانون رقم 146 لسنة 2019 الصادر بتاريخ في 7 أغسطس 2019 بتعديل بعض أحكام قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية الصادر بالقانون رقم 120 لسنة 2008 لتأكيد مبدأ الشرعية الإلكترونية لوضع ضوابط التقاضي عن بُعد وإجراءاته باستخدام تكنولوجيا وسائل الاتصال، خاصة في ظل الظروف التي تفرضها جائحة فيروس كورونا وما بعدها من جوائح مجهولة، مما يجعل الأخذ بالتقاضى الإلكترونى وما يلازمه من التحول الرقمى في مجال العدالة خطوة لازمة لا فكاك منها ولا تردد بشأنها، بما يحقق على أرض الواقع فكرة الجلسات الإلكترونية.