رئيس التحرير
عصام كامل

علي جمعة: التشريع المصري لم ينسلخ من الشريعة بالنقل من القوانين الفرنسية

الدكتور علي جمعة
الدكتور علي جمعة

أكد الدكتور علي جمعة، المفتي السابق للجمهورية، على أهمية فهم النموذج المصري، مشيرًا إلى أن النقل من القوانين الفرنسية، كان لغرض التطوير لا لغرض الانسلاخ من الشريعة الإسلامية، وأن تطور التشريع المصري واتجاهه دائما نحو الشريعة الإسلامية توج بمحاولات الدكتور صوفي أبو طالب لتقنين الشريعة.

التشريع المصري وقوانين فرنسا

ووصف جمعة الفترة التي بدأت مع تشريعات 1975 في القانون المختلط، ثم مجموعة 1983 وما بعدها بأنها فترة الحيرة، حيث رأى البعض أنه نوع من الابتعاد عن الشريعة، مشيرًا إلى أن كلمة الابتعاد عن الشريعة لا تساوي كلمة الكفر، لكن الاعتراض على عدم الجرأة وبذل المجهود المناسب لتطبيق الشريعة في مبادئها وأحكامها.
ودعا جمعة الباحثين القانونيين إلى قراءة الواقع الذي مرت به مصر وتعيشه قراءة أكثر واقعية، ولا تقع في فخ التكفير.
وكتب الدكتور علي جمعة تدوينة على الفيس بوك للوقوف على النموذج المصري فقال: "الدارس لكتاب مثل كتاب «الكتاب الذهبي للمحاكم الأهلية» الذي وضعه مجموعة من رجال القانون المصريين وقدم له عبد العزيز باشا فهمي، وصدر سنة 1933م يتأكد من هذا المعنى، ففي المناقشات التي تمت في مجلس النظار يتضح أن هذه الحالة من النقل في بعض الأحيان أو في كثيرها من القوانين الفرنسية، إنما كان لغرض التطوير لا لغرض الانسلاخ في حالة من الحيرة والبحث عن القوة".

الشهادة الشرعية

وأضاف علي جمعة: "وكذلك الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف، والتي تتكلم أثناء الحكم عن قضية الثبوت الشرعي وعدمه، وكأن العصر شابه ما شابه مما عكر قبول الشهادة الشرعية، وشيوع الجهل والفقر الذي يؤدي إلى إيقاف الحدود كمذهب عمر بن الخطاب كما فعل في عام الرمادة".
وعن تطور التشريع الإسلامي في القوانين المصرية قال "يزيد في تأكيد ذلك المنحنى الذي حدث بعد ذلك في تطور التشريع المصري واتجاهه دائما نحو الشريعة الإسلامية، وهو ما قدمناه فيما سبق من الكلام، والذي توج بمحاولات الدكتور صوفي أبو طالب لتقنين الشريعة الإسلامية والانتهاء في سبع مجلدات، وبلجان متخصصة من أهل الشريعة والقانون".
وتابع قائلًا: "لا يعني هذا أن فترة الحيرة التي بدأت مع تشريعات 1975 في القانون المختلط وتلتها في مجموعة 1983 وما بعدها، وحتى صدور القانون المدني والمجموعة الجنائية في سنة 1947 أن هذا كان على حد الكمال أو القبول التام من كل الأطراف، بل إن اتجاها عظيما اعترض على ذلك، ورأى أنه نوع من الابتعاد عن الشريعة، وكلمة الابتعاد عن الشريعة لا تساوي كلمة الكفر، بل تساوي وصف لهذه الحيرة، والاعتراض على عدم الجرأة وبذل المجهود المناسب لتطبيق الشريعة في مبادئها وأحكامها."

مفتي الديار والسنهوري

وعن اعتراض المفتي على السنهوري قال جمعة: "فبعد ما انتهوا من مجموعة 1883 وعلى رأسهم قدري باشا العالم الحنفي الجليل عرضوها على مفتي الديار المصرية للتصديق عليها، فرفض كما يذكر عزيز خانجي في كتابه «المحاكم المختلطة والمحاكم الأهلية»، وكذلك ما قدمناه من اعتراض الشيخ العلامة عبد الله حسين التيدي على صنيع السنهوري باشا، ولكن لم يكن مفتي الديار حينئذ ولا الشيخ عبد الله حسين التيدي واصفا ما يحدث بالانسلاخ أو الردة أو الكفر".

ودعا جمعة لقراءة الواقع المصري فقال "وهذه دعوة للباحثين القانونيين أن يقرءوا في الأحداث المتفق على حدوثها، وأن يقرءوا الواقع الذي مرت به البلاد وتعيشه قراءة أخرى تكون أكثر واقعية، ولا تقع في فخ التكفير ولا ما يؤدي إليه، فإن هذا من الأهمية بمكان حتى نرسم مستقبلا أكثر إشراقا". 


واختتم حديثه قائلًا: "وهو أيضا ينبه إلى الأهمية القصوى للحفاظ على المكتسبات التي اكتسبتها التجربة المصرية في دستورها وقوانينها ونظامها القضائي، وأنها مثال يحتذى فاق أمثلة كثيرة حاولت الذوبان في العصر مثل التجربة التركية، أو حاولت الحفاظ على الهوية بطريقة معينة مثل التجربة السودانية والإيرانية والباكستانية، أو استمرت مع الموروث مثل التجربة السعودية، وكلها تجارب يمكن الاستفادة منها إلا أن التجربة المصرية جديرة فعلا بالاهتمام وبالقراءة المتأنية الوثائقية التي ترجع إلى الوثائق مباشرة، ولم يحدث إلى الآن أن كتبت دراسة شاملة وثائقية دقيقة لهذه التجربة من هذا المدخل الذي نبهنا إليه، وهو ما نرجو أن يقوم به الباحثون في أبحاثهم العلمية الرصينة". 
 

الجريدة الرسمية