سباق التسلح.. العالم على أبواب صراع مرعب.. وتعزيز الترسانة النووية سيد الموقف
مع استمرار التوغل العسكرى الروسى فى أوكرانيا منذ الـ٢٤ من شهر فبراير الماضى، والمخاوف تتزايد من اندلاع حرب عالمية ثالثة.. الأمر الذى أجبر دول العالم على زيادة ميزانياتها الدفاعية رغم الأزمة الاقتصادية التى يشهدها الجميع جراء توابع جائحة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية الحالية، خاصة أن هناك بعض الدول المتنافسة تملك أقوى اقتصاد فى العالم، ومسلحة بترسانة نووية مرعبة، قادرة على إفناء العالم.
طفرة مدفعية
صحيح أن الفترة التى أعقبت الحرب العالمية الثانية شهدت طفرة غير مسبوقة فى عالم الأسلحة على كافة المستويات، حسبما ذكر موقع "ناشيونال إنترست" الأمريكى، لكن الأزمة الروسية الأوكرانية دفعت العالم لمضاعفة خطته فى تطوير الأسلحة بشكل أسرع وأودت بها لزيادة ميزانيتها الدفاعية عشرات المرات خشية أن تندلع الحرب فى أي لحظة.
وليكون لكل طرف أفضلية فى حال اندلاع القتال، خاصة أن القوى الكبرى بنت ترسانتها الحالية اعتمادا على سباق التسلح فى الحرب الباردة، ورغم أن غالبية أسلحة تلك الحقبة أحيلت إلى التقاعد إلا أنه ظهرت مقاتلات شبحية لا يعترضها الرادار مثل "إف-35" الأمريكية، فى حين طورت الصين وروسيا ترسانة مرعبة من الصواريخ البالستية التى ظهرت إبان الحرب الباردة.
ميزانيات عسكرية
وعلى غرار تلك الأحداث طالب الاتحاد الأوروبى الدول الأعضاء، بزيادة ميزانياتها الدفاعية لمواجهة أي تهديد روسى محتمل على دول أوروبا، وبالأخص دول حلف شمال الأطلسى "الناتو"، والتى أعلنت عن إجراءات طارئة لمواجهة التهديد الروسى، أهمها زيادة الإنفاق العسكرى، وزيادة التواجد العسكرى لحلف الناتو فى الدول التى لها حدود مشتركة مع أوكرانيا.
وبدورها أعلنت ألمانيا أنها ستخصص 100 مليار يورو لصندوق خاص بقواتها المسلحة، ما يرفع إنفاقها الدفاعى إلى أكثر من 2 بالمائة من الناتج المحلى الإجمالى، وذلك حسبما قال المستشار الألمانى أولاف شولتس، تعليقا على هذه الخطوة: "من الواضح أننا بحاجة إلى زيادة الاستثمار بشكل كبير فى أمن بلدنا، من أجل حماية حريتنا وديمقراطيتنا"، فى حين أكدت برلين أنها ستعقد صفقة لشراء مقاتلات أمريكية من طراز (إف 35)، وهذه فى أحدث خطوة لتطوير قدراتها العسكرية لتحل محل الطائرة متعددة المهام "تورنادو" بعد تقادمها فى دور المشاركة النووية.
وبحسب تصنيف "جلوبال فاير باور" لأقوى جيوش العالم، يحتل الجيش الألمانى المرتبة 16 بين 140 جيشًا ضمهم التصنيف، حيث يقدر عدد قوات الجيش الألمانى بحوالى 185 ألف فرد دون الاحتياط، وينقسم إلى 5 فرق قتالية، كما يمتلك الجيش الألمانى 617 طائرة متعددة المهام، و266 دبابة و9 آلاف و217 مدرعة، ويتكون أسطوله الحربى من 80 وحدة بحرية.
وعلى الجانب الآخر أعلنت بولندا الدولة التى تشترك مع أوكرانيا فى الحدود عن مضاعفة عدد جيشها ليصبح ٣٠٠ ألف جندى، كما أقر مجلس الشيوخ البولندى بالموافقة على زيادة ميزانية الدفاع لعام 2023 والتى ستشهد زيادة الإنفاق العسكرى إلى 3% من إجمالى الناتج المحلى، بينما يشهد العام 2022 إنفاقا على شئون الدفاع بنسبة 2.2% من إجمالى الناتج المحلى.
وبحسب وكالة "بى آيه بي" البولندية قال نائب وزير الدفاع فويسيتش سكوركيفيتش، فإن قانون الدفاع عن الوطن سيمكن بولندا من زيادة قواتها المسلحة إلى ما يصل إلى 250 ألفا من القوات المحترفة و50 ألفا من المتطوعين بقوتها الدفاعية الإقليمية "دبليو أو تي"، مشيرا إلى أن لدى بولندا حاليا، نحو 112 ألف جندى محترف، و30 ألفا من عناصر "دبليو أو تي".
فرنسا
بينما قال الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إنه سيزيد من الإنفاق الدفاعى وسيجعل من فرنسا أكثر اعتمادا على نفسها فى مجالات الطاقة والإمدادات الغذائية، قائلا إن إرادة الدفاع عن النفس ضد كافة أشكال المخاطر هو أمر حيوى لأى أمة، وأنه يتعين على فرنسا الاستعداد لما وصفها بحرب ضارية جدا قد تعود إلى القارة.
لذا فإن فرنسا فى ظل قيادته ستزيد من إنفاقها الدفاعى بأكثر من 20 فى المائة ليصل إنفاقها إلى 50 مليار يورو أو نحو 55 مليار دولار فى عام 2025، كما أعلن أنه سيضاعف عدد الاحتياطيين العسكريين الذين يمكن استدعاؤهم فى حالات الطوارئ ليس ذلك فحسب بل ستعمل الحكومة على توسيع اعتمادها على الطاقة المتجددة وستبنى محطات طاقة نووية جديدة.
أمريكا
أما عن أمريكا فوقع الرئيس جو بايدن على قانون الميزانية الدفاعية الأمريكية للعام المالى 2022 بقيمة تبلغ 770 مليار دولار، الذى يسمح بمنح مخصصات بالدرجة الأولى لبرامج وزارة الدفاع والبناء العسكرى وبرامج الأمن القومى لوزارة الطاقة والبرامج الاستخباراتية وزيادة الرواتب الأساسية للعسكريين والصلاحيات الأخرى المتعلقة بالقوات المسلحة الأمريكية.
إضافة إلى مسائل أخرى، حيث يزيد حجم الميزانية الدفاعية لهذا العام على حجم سابقتها بواقع 5%، ومن أهم ميزات القانون زيادة الرواتب للعسكريين بنسبة 2.7%، وزيادة التمويل لشراء الطائرات والسفن الحربية، إلى جانب الإستراتيجيات للتعامل مع المخاطر الجيوسياسية بهدف ردع روسيا والصين.
بعد تلك الإجراءات التى اتخذتها بعض الدول باتت التساؤلات تكثر عن إمكانية تحول ميزانيات الدول إلى الإنفاق العسكرى لمواجهة خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة بعد ما قامت به روسيا تجاه أوكرانيا مؤخرًا رغم الأزمة الاقتصادية التى يشهدها العالم العربى والغربى؟
الحرب الروسية الأوكرانية
وردا على تلك التساؤلات قال اللواء سمير فرج، الخبير العسكرى: "إن أغلب دول العالم زودت من ميزانياتها الدفاعية بعد الحرب الروسية الأوكرانية، مضيفا أن هذه الدول ترى أن مسألة الأمن هى الأهم فى هذا الوقت الحرج". مضيفا: "أن تكون الدولة قوية عسكريا فهذا هو العامل الأساسى فى الحفاظ على أمنها ومكتسباتها الاقتصادية من أي اعتداء خارجى، لذلك ترى دول العالم أن الإنفاق العسكرى فى هذا الوقت أحد أهم أولوياتها".
وتابع بأن الحرب الروسية الأوكرانية، أدت إلى اندلاع سباق التسلح من جديد بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من جهة وروسيا من الجهة الأخرى، وذلك على غرار ما حدث فى أعقاب الحرب الباردة التى اندلعت فى ستينيات القرن الماضى.
وأوضح الخبير العسكرى، أن هناك سباق تسلح محموم بين موسكو والغرب، وظهر ذلك جليا فى الحرب الأوكرانية، حيث استخدمت روسيا أحدث أسلحتها من مقاتلات "السوخوي" أو" الميج"، بالإضافة إلى استخدام صواريخ متطورة للغاية منها بالستية وصواريخ كروز وصواريخ كاليبر المجنحة فى قصف الأهداف فى كيبف، بل واستخدمت أيضًا صواريخ فرط صوتية من طراز "كينجال" فى قصف أهداف عسكرية فى أوكرانيا لأول مرة منذ اندلاع الحرب.
ونوه اللواء سمير فرج، بأن روسيا زودت اعتمادها على الصواريخ سواء المجنحة أو كروز أو الفرط صوتية والمسيرات فى قصف الأهداف بدلا من استخدام المقاتلات، لأن تكلفة المقاتلات كبيرة، حيث يصل سعر المقاتلة إلى ١٠٠ مليون دولار، أما تكلفة الصاروخ فهى أقل من ذلك بكثير، مشيرا إلى ظهور أسلحة أمريكية وأوروبية حديثة فى أوكرانيا، لعل أهمها منظومة ستينجر الدفاعية المحمولة على الكتف، والتى يبلغ وزنها قرابة ١٥٠ كيلو والتى لها دور كبير فى اصطياد الطائرات.
وصواريخ جافلين المضادة للدبابات والتى تعتبر من أقوى المنظومات الصاروخية فى العالم، ولم يتوقف الدعم عند هذا الحد، حيث أعلنت الولايات المتحدة أيضًا أنها ستزود أوكرانيا بما يمكن قواتها من مواجهة الطائرات والدروع الروسية بشكل أفضل من مسافة بعيدة كدفاعات صاروخية بعيدة المدى من طراز "إس-300".
وأكد اللواء سمير فرج الخبير العسكرى أن جميع الاتفاقات بين الغرب وروسيا حول خفض التسليح سوف تنتهى كما أن الأسلحة سوف تتغير كما ونوعا عقب الحرب الروسية الأوكرانية، وسنشهد تطويرا كبيرا على مستوى التسليح فى جميع بلدان العالم.
نقلًا عن العدد الورقي…،