د. شريف غبريال يكتب: مشروع قانون معامل التحاليل فئوي وإقصائي.. ويصدر أزمات
مشروع قانون معامل التحاليل المقدم من قبل النائبة الدكتورة إيناس عبد الحليم، وغيرها المقدم لمجلس النواب، ينزع فتيل أزمة مهنية، وفجَّر حالة من الاستنفار المهني، دارت رحاها بين أروقة الجمعية المصرية للكيمياء الطبية والبكتيريولوجيا والباثولوجيا من جهة، وبين طلبة وخريجي كليات العلوم من جهة أخرى.
وبالوقوف على مشروع القانون تبين وجود مواد صريحة تستبعد العلميين، سواء الكيميائيين أو الميكروبيولوجيين أو الباثولوجيين من تملك وإدارة المعامل التشخيصية، وقصر إدارة وامتلاك هذه المعامل على الأطباء البشريين دون سواهم، وذلك بالمخالفة لأحكام قانون المعامل ٣٦٧ لسنة ٥٤ بالمواد ١ و٣ و٦، مما يخل بالمراكز القانونية المستقرة للسادة العلميين بقوة القانون لمدة ٧٠ عاما بعد أن أيدتها عشرات الآلاف من أحكام المحكمة الإدارية العليا النهائية والملزمة لوزارة الصحة، وأيضًا آلاف من طلبة وخريجي كليات العلوم اللذين التحقوا بالكلية على أمل اختيار هذه بغية تملك وإدارة معامل التحاليل الطبية.
قوانين الدول المرجعية
ولو تطلعنا إلى قوانين الدول المرجعية المنظمة لهذه المجالات لوجدنا أن العلميين الطبيين يديرون معامل أمريكا بمستوياتها الثلاثة طبقًا لقانون CLIA 88 وأيضا كندا وفنزويلا والبرازيل، ولا يختلف الوضع في الأمريكتين عن نظيره بدول الاتحاد الأوروبي الـ ٤٠ فالعلميون يديرون معامل أيرلندا وهولندا وكرواتيا وإيطاليا والتشيك والدانمارك… إلخ.
ولا نغفل بهذا الخصوص أن رئيس الاتحاد الأوروبي للكيمياء الطبية والطب المعملي EFCCLM هو الكيميائي الدكتور جراهام باستل وهو علمي، ويشغل نائب رئيس الكلية الملكية للباثولوجيين بإنجلترا FRCpath.
كما أن رئيس الاتحاد الدولي للكيمياء الطبية IFCC هو الكيميائي الدكتور خسرو عديلي، وهو أستاذ الكيمياء الإكلينيكية بكلية طب أوتاوا؛ والجدير بالذكر أن عدد الاستشاريين العلميين اللذين يديرون معامل انجلترا تمثل ٧٥٪، وهي تقريبا نفس نسبة العلميين التي تدير معامل مصر طبقا لإحصائيات وزارة الصحة.
ولشد ما يلفت النظر إلى مسودة القانون المزمع مناقشته هو الربط بين جودة النتيجة المعملية، ووجود طبيب بشري لإدارة أنواع المعامل التشخيصية الثلاثة سواء الكيميائية أو الميكروبيولوجية أو الباثولوجية؛ وبرغم أن الجودة المعملية أمر جد حيوي ولا خلاف عليه، وتم استصدار قرار وزاري ١٠٩٤ لسنة ٢٠١٩ من الهيئة المصرية للمواصفات القياسية والجودة، وهي الجهة الوحيدة بمصر المنوط بها استصدار مواصفة الجودة لتشغيل المعامل التشخيصية برقم ٨١٨٢ وذلك طبقا لنظيرتها الأوروبية ISO15189 ليس بين سطورها اشتراط طبيب بشري لادارة وتملك أنواع معامل التحاليل الثلاثة؛ برغم أن دور الطبيب في المعامل يقتصر على سحب العينات وفقط (طبقا لأحكام المادة ١ من القانون ٤١٥ لسنة ٥٤ ) وتسليمها إلى مدير المعمل المرخص له بمزاولة المهنة لفحصها وتحليلها وتفسير النتيجة (طبقا لأحكام المادة ١) ثم توقيع التقرير المعملي (طبقا لأحكام المادة ٢٧).
إجراء التحاليل الطبية
وقد استندت مسودة مشروع القانون المقدم على أحد أحكام الإدارية العليا لسنة ٢٠١٦، والتي جاء بمنطوقها أن إجراء التحاليل الطبية البشرية من حق الاطباء البشريين المرخص لهم بمزاولة المهنة، فالحكم عنوان الحقيقة، وهو لم يأت بجديد! لكن للأسف تمسك مقدم المشروع بحكم وحيد، وأغفل عشرات الآلاف من الأحكام الإدارية العليا الصادرة قبل وبعد هذا التاريخ في الفترة بين أعوام ١٩٩٤ حتى ٢٠٢٢ تفيد بأحقية العلميين بمزاولة مهن الكيمياء الطبية والبكتيريولوجيا والباثولوجيا؛ ومما يدعو للغرابة أن النائب الطبيب تحدث عن التطور العلمي وضرورة مواكبة التقدم التكنولوجي؛ وأغفل إدراج عشرات من تخصصات كليات العلوم بمستوى بكالوريوس وماجستير ودكتوراه (أكاديمية ومهنية) في شتى تخصصات التحاليل البيولوجية المعملية والتي لا تدرس بنفس التخصصية بكليات الطب مثل: (البيولوجيا الجزيئية - علم الدم - علم السموم - علم الوراثة - العلوم الجنائية والشرعية - علم المناعة... إلخ) بحوالي ٣٠ كلية علوم بمصر.
---------------------------------------------
( * ) د. شريف غبريال - عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للكيمياء الطبية والبكتيريولوجيا والباثولوجيا، وعضو مؤسس.