الفريضة الغائبة في إصلاح خريطة الزراعة.. إدارة الأزمات وتجهيز سيناريوهات العمل الأبرز
مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تبحث دول العالم عن سبل لتفادى تداعياتها السلبية على الاقتصاد، خاصة أنه من المتوقع أن تحدث موجة تضخم فى بعض الدول، فكيف تنجح مصر فى التعامل مع الأزمة وتحقق الاكتفاء الذاتى من السلع الإستراتيجية.
إدارة الأزمات
خبير إدارة الأزمات ومدير المركز المصرى للأزمات والكوارث الدكتور إبراهيم سالم يقول: ليست المرة الأولى التى تمر فيها مصر بمثل هذه الأزمات، فقد سبقتها أزمة كورونا وأزمة التخريب بعد قيام ثورتين، ومن ثم الحرب الروسية الأوكرانية، كل ذلك له تأثيرات اقتصادية على الدولة المصرية.
مؤكدا أن إدارة الأزمة لا بد أن تكون قبل وقوعها وليس بعدها، من خلال تحضير وتجهيز ووضع خطط استباقية للتنفيذ فى حالة حدوثها، منوها بأن أزمة الحرب بين روسيا وأوكرانيا متوقعة منذ عام 2014، أي أنها أزمة تاريخية، وكان متوقعا أن تحدث فى أي وقت، فما البدائل والخطط الجاهزة التى وضعتها الحكومة منذ ذلك الحين لإدارة تلك الأزمة فى حالة وقوعها، وما السيناريوهات التى ستسير عليها الحكومة لمواجهة مثل هذه الأزمات.
الحرب الروسية الأوكرانية
وأوضح قائلا: لا بد من التعامل مع أزمة الحرب الروسية الأوكرانية بالأسلوب العلمى لمواجهة الأزمات، والمتمثل عدة امور، أولها: ضبط الأسعار والأسواق والرقابة الشديدة عليها، لأنه كما يقول المثل المصرى "الأزمات تخلق الثروات"، أي أنها تخلق الجشع، لذلك يجب تكثيف الرقابة على الأسواق من قبل مديريات التموين على مستوى الجمهورية، فلا بد من الضرب بيد من حديد على الجشع والمستغلين، والثانى يتعلق بتحديد المخزون من السلع الإستراتيجية ومدى كفايته.
والثالث هو "الشفافية"، فيجب على الدولة تحديد الموقف بعمق ووضوح للشعب المصرى، والآثار المتوقعة اقتصاديا وسياحيا وسياسيا للحرب على مصر، وكيف ستتعامل مع الأزمة بكل شفافية ووضوح، أما الأمر الرابع فمرتبط بخلق بدائل، وكيف سيتم توفير الاستهلاك المحلى من السلع التى يتم استيرادها، إذا استمرت هذه الحرب وطال الأمد، وما هى السيناريوهات البديلة، والأمر الخامس يتضمن تكوين خلية لإدارة الأزمة تعمل على تنفيذ الخطط البديلة الجاهزة والمعدة من قبل وقوع الأزمة.
وأشار "سالم" إلى أن فريق إدارة الأزمة لا بد أن يكون على المستوى الدولى والمحلى والإقليمى متمثل فى وزارة الخارجية ووزارة التموين ورئيس الوزراء، هذا الفريق يعمل على متابعة المخزون السلعى والبدائل الاقتصادية، وأكد على أنه لا بد أن تكون الحكومة المصرية فى حالة توازن وعدم الانحياز لفريق دون الآخر.
واختتم قائلا: الأزمات لا تدار بالتوجيهات ولكنها تدار بمنظومة علمية تعمل طوال العام ولديها نظرة مستقبلية وسيناريوهات استباقية يتم التدريب عليها بناء على الأحداث السابقة والجارية.
صراعات تجارية
وفى نفس السياق، يقول سيد خضر، خبير الاقتصاد الدولى والأزمات الاقتصادية: إن العالم يشهد صراعات تجارية منذ اندلاع الحرب، والحرب لم تنتهِ فى يوم أو شهر أو سنة وقد تستمر حتى 10 سنوات، فلا بد من التأقلم على الحرب والأزمة، فعلى سبيل المثال حرب العراق وأحداث 11 سبتمبر ومركز التجارة العالمى لم تنتهِ فى يوم وليلة، والفترة القادمة ستشهد تغييرا جذريا لخريطة العالم، وسوف تنهار دول وتقوم دول أخرى، وسترتفع أسعار عملات وتقل أخرى، وستصبح الصين المهيمنة اقتصاديا وعسكريا فى العالم.
وتابع: ولكن فى مصر استعجال للتأثير السلبى للحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد، فالحرب خارجية وبالفعل نحن جزء من الاقتصاد العالمى، ولكن التأثير لم يكن بهذا الشكل السريع، فعلى سبيل المثال السعودية والإمارات ودول الخليج وأفريقيا لم يشهدوا أي زيادة فى الأسعار، يرجع ذلك لثقافة التخزين وزيادة الطلب لدى المصريين، ففى دول الخليج وأوروبا يشترى المواطن احتياجه فقط.
وأوضح: يوجد سلاحان للعمل على تخفيف حدة آثار الحرب على الاقتصاد المصرى، وتفادى ارتفاع التضخم، والمتوقع أن تقع فيه الكثير من الدول الفترة القادمة، الأول سلاح المواطن فلا بد من تغيير ثقافة التخزين وزيادة الطلب، لأن الإقبال الشديد يدفع التاجر لرفع الأسعار، لذلك يجب وضع رقابة صارمة على الأسواق، على أن تكون هناك أسعار استرشادية عادلة للسلع حتى لا يكون هناك أي مغالاة أو مبالغة فى الأسعار، والتصدى لأى ممارسات غير مقبولة متعلقة باحتكار أو إخفاء السلع أو فرض زيادة غير مبررة.
رؤية 2030
السلاح الثانى خاص بالحكومة، يجب العمل على سرعة تنفيذ خطة ورؤية 2025 لتحقيق الاكتفاء الذاتى من الإنتاج الزراعى والحيوانى وتخفيض نسبة الواردات، بعد استصلاح أكثر من مليون فدان وزيادة الرقعة الزراعية، ومصر قادرة على زيادة القدرة التصنيعية بوضع خطط استباقية، وزيادة القاعدة الاستثمارية لتوسيع السوق الداخلى، فلا بديل عن تعميق الصناعة الوطنية وتوفير مكونات الإنتاج حتى لا تتأثر العمليات الإنتاجية فى مصر بالحالات الطارئة.
كما يجب دراسة احتياجات مصر من الواردات، وخلق أسواق خارجية بديلة، كاستيراد القمح من أستراليا، مؤكدا على احتياطى القمح يكفى 5 شهور، ومتوقع زيادة حجم محصول القمح الذى سيبدأ موسم حصاده خلال شهر بسبب اعتدال المناخ فى مصر هذا العام، مما يقلل احتياج مصر من القمح المستورد، مطالبا بتوفير طرق تخزين جيدة ومنع التصدير للخارج، ترسيم قيم ترشيد الاستهلاك لدى الشعب المصرى.
وطالب "خضر" بتوسيع القاعدة الزراعية لمحصول القمح وزيادة المساحة المزروعة فى سيناء، وتوسيع الرقعة الزراعية الخارجية، وبالأخص فى السودان التى تجمعها مشروعات استثمارية كثيرة مع مصر، فلا بد من ربط السودان مع جنوب مصر، لتسهيل عمليات الزراعة.
نقلًا عن العدد الورقي…