الحكومة في مواجهة الأزمة والشعب أيضا
جاء قرار الحكومة بتخصيص ١٣٠ مليار جنيه للتعامل مع تداعيات التحديات الاقتصادية العالمية وتخفيف آثارها على المواطنين خطوة هامة وعاجلة يمكن أن تمتص جزء هام من الأثار الخطيرة لحالة الانفلات الرهيبة في أسعار مختلف السلع سواء استهلاكية أو معمرة التى اصابت الأسواق المحلية فور التعويم الجديد للجنيه والارتباك الشديد الذى أصاب سوق النقد ليضاعف من الزيادات الكبيرة والمتوالية خلال فترة قصيرة في الأسعار منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.
والأهم في الإجراءات المالية الجديدة للحكومة إنها جاءت سريعة ومتنوعة تستهدف الوصول إلى أكبر شريحة من المواطنين من خلال تنفيذ حزمة مالية جديدة للحماية الاجتماعية وتحسين الأجور مع مرتب أبريل المقبل شملت تدبير ٢،٧ مليار جنيه لضم ٤٥٠ ألف أسرة جديدة للمستفيدين من «تكافل وكرامة»، وتخصيص ١٩٠،٥ مليار جنيه للهيئة القومية للتأمين الاجتماعى لصرف زيادة المعاشات بنسبة ١٣٪ بحد أدنى ١٢٠ جنيهًا بدءًا من أول أبريل اضافة الى زيادة حد الإعفاء الضريبى بنسبة ٢٥٪ من ٢٤ إلى ٣٠ ألف جنيه وهو من أهم القرارات التى تحقق دعم وزيادة حقيقية لأجور نحو ٧ ملايين موظف حكومى بما يعنى أن المستفيدون منها أكثر من ٤٠% من إجمالى عدد السكان..
إسعافات مالية
فضلا عن زيادة العلاوة الدورية للمخاطبين بالخدمة المدنية لتكون بنسبة ٨٪ من الأجر الوظيفي بحد أدنى ١٠٠ جنيه شهريًا اعتبارًا من الشهر المقبل مع منح غير المخاطبين بالخدمة المدنية علاوة خاصة ١٥٪ من الأجر الأساسى بحد أدنى ١٠٠ جنيه شهريًا اعتبارًا من الشهر المقبل أيضا، وكذا زيادة الحافز الإضافي الشهرى للمخاطبين وغير المخاطبين بالخدمة المدنية بفئات مالية مقطوعة اعتبارًا من الشهر المقبل.
وتوسعت إجراءات الإسعاف المالى من جانب خزانة الدولة في مواجهة الأزمة لتشمل تقديم حزمة أخرى من الإجراءات المالية أيضا لدعم القطاعات الإنتاجية والاستثمارية من خلال عدة إجراءات تتضمن إعفاءات ضريبية متنوعة وتيسيرات سواء في سداد الالتزامات الضريبية أو تحمل بعض اعبائها من خزانة الدولة ودعم استقرار البورصة المحلية كمصدر مهم لجذب الاستثمار محلى أو خارجى وأيضا مصدر لتدفقات النقد الأجنبى.
ونأمل أن يواكب هذه الإجراءات العاجلة إجراءات أخرى يمكن أن تخفف الأعباء المالية التى تثقل كاهل المواطنين بتخفيض عاجلة لمختلف الرسوم وتكلفة الخدمات سواء التى تقدمها الدولة أو تلك التى تقدمها الهيئات والمؤسسات الأهلية والخاصة سواء على مستوى المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات أو المؤسسات العلاجية وخدمات النقل وغيرها.
ومطلوب أيضا ألا تكتفي الحكومة بتلك الإسعافات المالية العاجلة في مواجهة تلك الأزمة الحادة متشعبة الأركان خاصة أن بعض تلك الإجراءات مدتها قصيرة وبعضها الآخر قد تستنفذ أغراضها بفعل موجات ارتفاعات الأسعار المتلاحقة والتى لا يعلم أحد متى ستنتهى أو تهدأ، ولهذا مطلوب أن تدعم الحكومة إجراءاتها قصيرة المدى بإجراءات أخرى متوسطة وطويلة الأجل لتحسين دخول المواطنين وأهمها في تقديرى فتح ملف التشغيل وبحث إتخاذ إجراءات من خارج الصندوق لمواجهة أزمة البطالة كهدف أساسى لزيادة دخل الأسرة على مستوى أفقى وفي نفس الوقت الإسهام في علاج مشاكل اجتماعية تتفاقم يوما بعد يوم بسبب مشكلة البطالة.
ومن المهم كذلك أن يتفهم الناس أن التكلفة الكبيرة لهذه الإجراءات العاجلة على خزانة الدولة والتى تستهلك معظم رصيد الاحتياطيات المالية التى ترصدها الدولة عادة في موازنتها الحالية، كنا ستتأثر بها حتما على استراتيجية الدولة واولوياتها في اعداد الموازنة العامة الجديدة للعام المالى ٢٢/٢٠٢٣ وستدفع لإجراءات تقشفية لتقليل المصروفات ومواجهة النقص المحتمل في الإيرادات العامة للدولة..
والذى قد ينعكس على انتهاء المشروعات العامة المفتوحة وأيضا ترحيل مشروعات كان من المنتظر تنفيذها في السنة القادمة لمراحل تالية مما سينعكس بالطبع على تراجع متوقع في معدلات النمو المستهدفة من الدولة بحسب خطتها التنموية.. ولهذا نقول إن التحدى كبير والمواجهة تحتاج إلى حكمة ودراسة متأنية حتى لا يكون الحل للمطالب المتزايدة والضغوطات الشعبية هو الاستدانة من المؤسسات المالية العالمية بفاتورتها المرهقة اقتصاديا واجتماعيا.