الفتاوى الشاذة وأثرها على التنمية المستدامة
مما لا مراء فيه أن الفتوى الإلكترونية في هذه الحقبة الزمنية التي نحياها لمِن أهم الأعمال وأخطرها على الإطلاق؛ لما تتمتع به من سرعة انتشارٍ وقوة تأثيرٍ؛ حيث عالم السماوات المفتوحة التي تعج بالقنوات الفضائية المختلفة، ومواقع وبرامج التواصل الاجتماعي، التي يتابعها الملايين من البشر ليلًا ونهارًا.
ونظرًا لعدم انضباط أمر الفتوى الإلكترونية بسبب صدورها (في الغالب الأعم) من غير المتخصصين ذوي الخبرة والدراية بالأحداث والأزمان، وما يناسبها من فتاوى في أحكام قابلة للاجتهاد؛ فقد خرجت على المجتمع في كثير من الأحيان فتاوى تخالف أصول الدين وأدلته الصحيحة، وتخالف كذلك إجماع الأمة سلفًا وخلفًا (من خلال المجامع الفقهية المتعددة)، وتسعى جاهدة إلى هدم المقاصد التي جاء الشرع بحمايتها، الأمر الذي يؤدي - لا محالة - إلى تكدير الصفو والسلام المجتمعي بين المواطنين، ويعمل على إثارة البلبلة والحيرة بين الناس، وتشكيكهم في ثوابت الدين.
فتاوى شاذة
من هذه الفتاوى الشاذة عبر القنوات الظلامية والمواقع الإلكترونية المشبوهة فتوى تجيز الخروج على الحكام (المخالفين لأهوائهم وأغراضهم السياسية)، وتدعو إلى الخروج بمظاهرات للاعتراض بمبرر أو بدون مبرر على الحكومات، دون النظر إلى مآلات الأمور، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في الأوطان.
وأخرى صادرة عن هوى، ومخالفة لصحيح النصوص الشرعية، وكارّة على مقاصد الشرع الحنيف بالبطلان تبيح قتل رجالات الجيش والشرطة؛ فتؤدي إلى ارتكاب منتسبي هذا الفكر المنحرف العديد من جرائم القتل بحق هؤلاء الذين سهروا على حماية هذا الوطن وأرضه باسم الدين.
وثالثة تفرق بين المواطنين في الحقوق والواجبات بسبب العقيدة أو الديانة، أو تدعو إلى قتال المخالفين في العقيدة (كاليهود والنصارى)، أو تطالبهم بدفع الجزية عن يد وهم صاغرون، دون فهم لمعاني المواطنة، ونظر ثاقب في علل النصوص الشرعية، فينتج عن ذلك حدوث الفتن الطائفية بين أبناء الوطن الواحد.
ورابعة تعبث باقتصاديات الدول، كتلك التي تحرم الإيداع البنكي بغرض استثمار تلك الأموال المودعة ممن يعدم القدرة من أصحاب رؤوس الأموال على الاستثمار بنفسه أو من خلال مضارب أو غير ذلك، بدعوى أن ذلك من قبيل القروض الربوية المحرمة، دون النظر إلى تلك الوساطة التي يقوم بها البنك للتوفيق بين الـمُودِعِين الذين لديهم فائض ادخاري، والمستثمرين الذين لديهم حاجة لتلك المدخرات، مقابل مبلغ مالي يأخذه من المستثمرين يتم توزيعه بينه وبين المودعين من باب عقود التمويل المستحدثة لا القروض التي تجر النفع المحرم؛ ومما لا شك فيه أن لمثل هذه الفتوى الشاذة كبير الأثر في تهديد اقتصاديات الدول وتعطيل معدلات النمو فيها.
وأختم بدور مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية في التصدي لمثل هذه الفتاوى الشاذة التي من شأنها مناهضة التنمية المستدامة بتكدير الصفو والسلام المجتمعي، وزعزعة استقرار الأوطان، والعبث باقتصاديات الدول، وإحداث الفتن الطائفية بين أبناء الوطن الواحد..
وذلك من خلال تصحيح مسار تلك الفتاوى الشاذة وبيان زيفها ووهن مستندها، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي يهدف مثيروها إلى النيل من الدين الإسلامي وأبنائه؛ للإسهام في القضاء على فوضى الفتاوى الإلكترونية الشاذة، كل ذلك من خلال توظيف الأنظمة الذكية الإلكترونية المختلفة من الخدمة الهاتفية، وخدمة الرسائل القصيرة (SMS)، ووسائل التواصل الاجتماعي؛ لتقديم الخدمات الشرعية، وتقديم الفتاوى الفقهية المنضبطة للمسلمين باللغات المختلفة من خلال متخصصين مدربين أكفاء على درجة عالية جدًّا من الوعي بظروف المجتمع وما يحيط به من أحداث جسام.