رئيس التحرير
عصام كامل

99 عاما على مولد شاعر الرومانسية.. نزار قباني يكتب: أنا وجدي أبو خليل

الشاعر نزار قبانى
الشاعر نزار قبانى

من الأعمال الكاملة للشاعر نزار قبانى ـ ولد فى مثل هذا اليوم 21 مارس عام 1923 ـ كتب مقالا عن نشأته وأصله وجده أبو خليل القبانى، فكتب يقول: 
"فى التشكيل العائلى كنت الولد الثانى بين اربعة صبيان وبنت، اسرتنا من الاسر السورية المتوسطة الحال، سكنا دمشق ولم يكن ابى غنيا ولم يجمع ثروة وكان عائده من مصنع الحلويات الذى كان يملكه ينفق منه على إعاشتنا وتعليمنا وتمويل حركة المقاومة الشعبية ضد الفرنسيين، ويمكن تصنيف والدى من الكادحين.

أنفق والدى خمسين عاما من عمره مع الفحم وأكياس السكر والدقيق وألواح الخشب، وكان يعود الينا من معمله للحلويات فى زقاق معاوية كل مساء تحت المزاريب الشتائية كأنه سفينة مثقوبة، واتذكر وجهه وهو مطلى بهباب الفخم وثيلبه الملطخة بالبقع والحروق، كلما قرأت كلام من يتهمنى بالانتماء للسلالات ذات الدم الأزرق، أي دم أزرق هذا الذى يتحدثون عنه ؟!.

 

الخوف من الله 

إن دمى ليس ملكيا ولا شاهانيًّا، وإنما هو دم عادى كدم آلاف الأسر الدمشقية الطيبة التى كانت تكسب رزقها بالشرف والاستقامة والخوف من الله.
فى حديقة الاسرة شجرة كبيرة اسمها ابو خليل القبانى، عم والدتى وشقيق جد والدى، وقليلون يعرفون أن هذا الرجل هز مملكة الباب العالي، هز مفاصل الدولة العثمانية فى أواخر القرن التاسع عشر.

 

أفكار خطيرة 

كان أبو خليل القبانى، تصوروا إنسانا أراد ان يحول خانات دمشق التى كانت تزرب فيها الدواب الى مسارح، ويجعل من دمشق المحافظة التقية الورعة “برودواي” ثانية.. خطيرة كانت أفكار جدى وأخطر ما فيها أنه نفذها وصلب من أجلها.
لبو خليل القبانى كان انسكلوبيديا بمائة مجلد ومجلد، يؤلف الروايات ويخرجها ويكتب السيناريو، ويضع الحوار ويصمم الأزياء ويغنى ويمثل ويرقص ويلحن ويكتب الشعر بالعربية والفارسية.

 

خيمة القراجوز 

وحين كانت دمشق لا تعرف من الفن المسرحى غير خيمة ( قرا جوز)، ولا تعرف من الابطال غير ابى زيد الهلالى وعنترة، وكان ابو خليل يترجم اعمال راسين عن الفرنسية، وفى غياب العنصر النسائى اضطر الى الباس الصبية ملابس النساء واسناد الادوار النسائية اليهم تماما مثلما فعل شكسبير فى العصر الفيكتورى، طار صواب دمشق واصيب مشايخها ورجالها بانهيار عصبى فسلطوا عليه الرعاع ليشتموه فى غدوه ورواحه، لكنه ظل صامدا، وظلت مسرحياته تعرض فى خانات دمشق ويقبل عليها الجمهور الباحث عن الفن النظيف.


وحين يئس رجال الدين الدمشقيون من تحطيم أبى خليل الفوا وفدا ذهب إلى الآستانة، وأخبروا السادة أن أبا خليل القبانى يشكل خطرا على مكارم الأخلاق والدين والدولة العلية، وأنه إذا لم يغلق مسرحه فسوف تطير دمشق من يد آل عثمان وتسقط الخلافة.

خافت الخلافة على نفسها فصدر فرمان بإغلاق أول مسرح طليعى عرفه الشرق وغادر أبو خليل منزله الدمشقى إلى مصر، ودعته دمشق بالحجارة والبيض الفاسد، وفى مصر التى كانت أكثر انفتاحا على الفن قضى أبا خليل بقية حياته ووضع الحجر الأول فى بناء المسرح الغنائى المصرى.

 

غبار التاريخ 

انقضاض الرجعية على ابى خليل هو أول حادث استشهاد فنى فى تاريخ اسرتنا، وحين أفكر فى جراح ابى خليل وفى المسامير التى اغرزت فى لحمه تبدو جراحى تافهة، فأنا ايضا ضربتنى دمشق بالحجارة والبندورة والبيض الفاسد حين نشرت قصيدتى (خبز وحشيش وقمر).
العمائم نفسها التى طالبت بشنق أبى خليل طالبت بشنقى، والذقون المحشوة بغبار التاريخ التى طالبت برأسه طلبت رأسى.

الجريدة الرسمية