سرقة أم تحرش.. قصة المعيدة ومشرف الماجستير
العلم رحمٌ بين أهله، هذا ما تعارف عليه المنشغلون بالبحث العلمي والمجال الأكاديمي، فثمة رابطة قوية تجمع بينهم ترتقي بأخلاقهم، وتُهذِب مشاعرهم، فإذا كنت بينهم لا تسمع النداء إلا مقترنًا بـ "يا دكتور - يا سيادة العميد"، ويتحدث الأحدث مع الأقدم وفق الدرجة العلمية، فضلًا عن دستورهم الأعلى وهو أخلاقيات البحث العلمي.
وما من جامعة في العالم إلا وتحمل رؤيتها ورسالتها إشارة لأخلاقيات البحث العلمي، ولكن الإنسان بطبعه يجنح أحيانًا للخروج عن قواعد بيئة عمله، وهنا تبرز العقوبات التي تقترن قاعدة القانونية فتجعلها فتسبغ عليها الحماية التي تكفل نفاذها، ومعنا اليوم واقعة حيرت الباحثين الجادين في مجال البحث العلمي، ونرى أن سردها يؤكد أن الأصل هو إتباع أخلاقيات البحث العلمي، وأن الاستثناء الذي يوجب العقاب هو خرقها.
وبين حين وآخر يخرج علينا من يُدنِس ذلك المحراب، فينتفض سدنة المحراب دفاعًا عن مقدساتهم، وينادون بمعاقبة المعتدي، وهنا، يجب أن تدخل اللوائح المنظمة لمساءلة الباحثين وفق طبيعة عمل كل منهم، وفي ضوء العلاقة التي تربطهم بـ البحث العلمي.
اتهام بالتحرش
وإذا تدخل سدنة المحراب لمساءلة المخطئ في ميدان البحث العلمي، فهم في هذا الصدد لا يخرجون عن طبيعتهم البشرية التي تُصيب وتُخطئ، ويكون للقضاء القول الفصل في التعقيب على مدى صحة تطبيق اللوائح المنظمة لمساءلة من يُخطئ من الباحثين، أو تثور حوله الشبهات، فماذا قال القضاء في قضية اليوم؟
وكان أستاذ فلسفة إسلامية متفرغ بقسم الفلسفة بكلية الآداب بإحدى الجامعات الكبرى، حصل على الأستاذية منذ 35 عامًا، وبمناسبة قيامه بالإشراف على رسالة الماجستير للباحثة (........) المعيدة بذات القسم والمقيدة بدرجة الماجستير، فوجئ بقيام المذكورة بطباعة المسودة الأولى من الرسالة دون إذن منه، وإذ اكتشف وجود أخطاء جسيمة بالرسالة تتعلق بالتوثيق العملي، وكذا قيامها بالنقل من كتب علمية أخرى دون الإشارة إليها، الأمر الذي حدا به إلى إعداد مذكرة للعرض على عميد الكلية، مرفقًا بها المستندات الدالة على قيام الطالبة المذكورة ب السرقة العلمية.
إلا أنه تلقى الطاعن اتصالًا من مكتب نائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العلمية طالبًا منه الحضور لمقابلة نائب رئيس الجامعة، وفوجئ بتقدم الطالبة المذكورة بشكوى ضده تتهمه فيها بمحاولة التحرش بها، وصدور قرار رئيس الجامعة بمجازاته بعقوبة اللوم، فأقام طعنًا أمام قضاء مجلس الدولة لإلغاء قرار رئيس الجامعة.
التحقيق باطلًا
قالت المحكمة عبر أسباب حكمها إن من حقوق الدفاع إحاطة المتهم بالمخالفة المنسوبة إليه وبمختلف الأدلة التي يقوم عليها الاتهام، وذلك حتى يستطيع الدفاع عن نفسه فيما هو منسوب إليه، ومن ضمانات التحقيق أيضًا تحقيق ما يبديه المتهم من أوجه دفاع وتفنيدها ثم إعادة مواجهته بما يسفر عنه تحقيق دفاعه.
وأن التحقيق الإداري لا يكون مستكملًا لمقوماته الموضوعية بغير توافر مبدأين أساسيين: المبدأ الأول هو مبدأ المواجهة بالاتهام والمبدأ الثاني هو تحقيق دفاع المتهم على نحو يوضح بجلاء مدى مسئوليته عن المخالفة، وبغير هذين المبدأين أو أحدهما يغدو التحقيق باطلًا لا يمكن أن يرتب أثرًا في توقيع الجزاء على المتهم.
ولا يكون التحقيق مستكمل الأركان صحيحًا من حيث محله وغايته إلا إذا تناول الواقعة محل الاتهام بالتمحيص، ولابد أن يحدد عناصرها بوضوح ويقين من حيث الأفعال والزمان والمكان والأشخاص وأدلة الثبوت، فإذا ما قصر التحقيق عن استيفاء عنصر أو أكثر من هذه العناصر على نحو تُجهل معه الواقعة وجـودًا وعـدما أو أدلة وقوعها أو نسبتها إلى المتهم، كان التحقيق معيبًا، ويكون قرار الجزاء معه معيبًا كذلك.
التقارير العلمية
وباستقراء أوراق التحقيق الذي صدر بناء عليه القرار المطعون فيه بمجازاة الطاعن بعقوبة اللوم، يبين منه أنه لم يتم سؤال الطاعن ومواجهته بالمسئولية عما هو منسوب إليه بخصوص وجود تناقض في التقارير العلمية المقدمة منه بشأن رسالة الماجستير للباحثة وذلك كاتهام جليّ وواضح ومخالفة إدارية وتأديبية منسوبة إليه حتى يكون على يقين وبيّنة منها ويستشعر خطورة موقفه ويُحاط علمًا بها ويتبين اتهامه فيها على نحو جدّي وواضح لا لبس فيه ولا غموض، ومن ثم يعمل وينشط ويسعى جاهدًا لدفعها عنه والدفاع عن نفسه.
واكتفى المحقق بسؤال الطاعن عن قوله فيما جاء بالمذكرة موضوع الإحالة للتحقيق المقدمة من المستشار القانوني لرئيس الجامعة بشأن الباحثة، وكذا سؤاله عن قوله فيما جاء بشكوى الباحثة المذكورة المقدمة إلى نائب رئيس الجامعة، دون مواجهته باتهام محدد أو مخالفات معينة منسوبة إليه، فى حين أنه قد تبين للمحكمة أن اللجنة العلمية المحايدة التى شكلها رئيس الجامعة لبحث رسالة المذكورة للماجستير أكدت عدم أمانتها العلمية بعد أن تبين لها وجود صفحات منقولة نقلا كاملا من مراجع علمية دون الإشارة إليها، كما قامت بانتحال مراجع موجودة في رسائل علمية أخرى دون الإشارة إليها، الأمر الذى ينفى عن الطاعن شبه التعسف أو التعنت فى الإشراف على رسالة المذكورة للماجستير.
وبالإضافة إلى ذلك فقد اكتفى المحقق بتوجيه أسئلة محددة إلى المذكورة بخصوص عدم أمانتها العلمية واتهامها للطاعن بالتحرش بها، دون مواجهة الطاعن بردود المذكورة على هذه الأسئلة حتى يتمكن من إبداء رأيه فيها والرد عليها وبيان وجه نظره فى مدى صحتها، الأمر الذي يشكل إخلالا جسيما بالحق فى الدفاع من شأنه أن يؤثر سلبا على نتيجة ما انتهى إليه التحقيق مع الطاعن. وبذلك يكون هذا التحقيق قد وقع باطلًا، بما يؤثر على القرار المطعون فيه، الصادر من رئيس الجامعة فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بعقوبة اللوم، ومن ثم يؤدى إلى بطلانه، فأصدرت المحكمة حكمها بإلغاء القرار.. وللحديث بقية.