رئيس التحرير
عصام كامل

عماد يسري يكتب: مذبحة المماليك الثالثة

عماد يسري
عماد يسري

الصراع بين الخير والشر، والدوافع التي تقود الأشخاص للانتقام، تتكرر تلك التيمة كثيرًا في الأعمال الفنية المعاصرة، ومن خلال متابعتي لمسلسل "المماليك"، ومع  ختام حلقاته بدأت أتسائل بنوع من التعجب، السؤال الأشهر، هل يعيد التاريخ نفسه ولكن بشكل مختلف؟ حدث وسيحدث...

 

 مئتان وأحد عشر عاما مرّت علي المذبحة التي دبرها "محمد علي باشا" ضد المماليك، حدث ذلك في القلعة، شهر مارس عام ١٨١١ ميلادية، وتبعها مذبحة ثانية دبرها "إبراهيم باشا" نجل "محمد علي"  في (إسنا) بصعيد مصر للقضاء علي بقية المماليك الفارين.. وتمر المئتان وأحد عشر عاما ليتم تدبير مذبحة المماليك الثالثة علي يد مسلسل المماليك.

 

نعم هذا ما أقصده، فالمخرج والمنتج (حازم فودة) يقدم أولى تجاربه الدرامية التليفزيونية، مسلسل "الممالك" مُقدمًا نفسه  كمخرج ومنتج بالشراكة مع المنتج "إيهاب منير". 

 

المسلسل من بطولة الفنانة (رانيا يوسف) بمشاركة عدد من النجوم. ومن تأليف (هشام هلال) بمشاركة (يحيى حمزة) و(محمود شكري). وتدور أحداثه في ستين حلقة. ويتناول قصص لعدة شخصيات من واقعنا  وقضايا مجتمعية هامة  تشغل الرأي العام حاليا.ومع ذلك خرجت لنا القصة غير واضحة المعالم  في حبكتها محشوة بكم هائل من الأحداث والخطوط الدرامية غير المبررة وغير المنطقية بالأساس.. بل  بدت شخصيات العمل مفككة ومتناقضة فلا تعرف  تفسير  للكثير من  تصرفاتها بالأحداث. 

 

والأكثر غرابة  أن أحداث المسلسل تدور في عام ٢٠١٨ ولم تكن قضايا القبض مثلا علي فتيات "التيك توك" مثارة في ذلك  الحين مثلا.

 

  الفنانة (رانيا يوسف) تقدم  الشخصية الرئيسية والمحركة للأحداث حيث  تجسد دور امرأة تعيش مع والدتها بحي شعبي ولديها طفل، وتعمل بمحل ملابس للسيدات،  لتتغير حياتها وكذلك أحداث المسلسل بعد أن تذهب إلى سيدة في فيلتها لترتب معها وتختار  بعض الملابس قبل سفر تلك السيدة، وفجأة تظهر عصابة، وتقتحم "الفيلا"، وتقتل جميع من بداخلها، وتُقتل  تلك السيدة أيضا، إلا أن (رانيا  يوسف) تستطيع التخفي منهم،  وتهرب من "الفيلا" بعد قتل كل من فيها إلا إحدي الخادمات والتي تعيش بعد الحادث، وقبل هروب (رانيا يوسف) تقوم بسرقة أموال، وشيكات بنكية، من شنطة الزوجة القتيلة، وهي زوجة لرجل أعمال يجسد دوره  الفنان (بيومي فؤاد )، والذي يدبر  لنفسه بالمصادفة- وفي  توقيت قتل زوجته-  حادثة غرق لسيارته بإحدي الترع ليظهر  أمام الجميع أنه توفي غرقا؛ تهربا من أشخاص دخل معهم في عمليات غير مشروعة.  وبعدها تتابع مجموعة متسلسلة من الأحداث المختلفة غير المتجانسة، معتبرة  أن المشاهد ساذج،  حتى يقدم له هذا العمل الدرامي ضعيف الحبكة والمبررات الدرامية. 

 

فمع مرور الحلقات  يفاجئنا المخرج بخروج (رانيا يوسف) بكل هدوء خارج مصر حتى تصرف الشيكات البنكية وهي في الأساس  سيدة بسيطة الحال، ولا تستطيع التحدث بالإنجليزية، مثلا أو لديها ثقافة.  لتستمر الأحداث في التفاعل الدرامي غير المنطقي والمربك للمشاهد والمشتت لذهنه. كل هذا وتتواتر التساؤلات العديدة، مع التأكيد علي أن أحداث العمل تدور في عام ٢٠١٨، وهنا أطرح التساؤلات من مقعد المشاهد. كيف تحدث جريمة أو مذبحة في "فيلا" لرجل أعمال دون وجود فريق بحث جنائي يكشف ملابساتها عن طريق كاميرات متواجدة في الشوارع حولها وليس داخل "الفيلا"؟   ولماذا لم يتم  الأهتمام برفع البصمات والتي كانت ستوضح وجود بصمات لبطلتنا (رانيا يوسف)  والتي لم تحاول إزالتها قبل تركها موقع الحادث كما شاهدتها في الحلقات؟ كذلك كيف لم نجد  مراجعة لهاتف القتيلة من قبل  رجال البحث الجنائي وساعتها كنا سنجد رقم الشخصية التي تجسدها ( رانيا يوسف ) من ضمن المتصلين بالقتيلة أو رقم صاحب المحل الذي تعمل به مثلا !! 

 

وغيره من أحدث الأساليب في عالم البحث الجنائي  بوقتنا الحالي والتي لا نعلم الكثير منها أيضا. لو كان المخرج نفذ  ذلك  لتم القبض علي الشخصية التي تجسدها ( رانيا يوسف) في العشر حلقات الأولى، وتغيرت الأحداث، ولكن لأن المخرج (حازم فودة) هو منتج العمل فقرر أن يصنع تلك المذبحة  ليصنع ستين حلقة ويمط في الأحداث  ويتجاهل موضوع الكشف عن ذلك.

 

وبعد أن وضحت أحداث المسلسل أنه يدور في عام ونصف، هل يعقل أن يعجز رجال البحث الجنائي الكشف عن تلك الجريمة كل تلك الفترة بالطبع لا. 

 

  كان  علي المخرج مراجعة التطور الهائل في فك ألغاز الجرائم،  لكن  من الواضح  عدم اكتراثه بذلك فغفل أو تغافل عنها.

 

ومع تتابع  الحلقات بلا أي تحقيقات جارية كأنما لا قانون ولا تكنولوجيا خاصة مع التأكيد للمرة الألف على أن أحداث المسلسل تدور بين عامي 2018 و2019. يستمر العبث بعقول المشاهدين، فمن خلال متابعة العمل، وتدوين الملاحظات رصدت مشاكل في الفكرة والحبكة الدرامية واختلال خيوطها، وانهيار بنية الشخصيات كذلك مشاكل في المونتاج  وظهر ذلك جليا منذ بداية الحلقات. كذلك التسلسل الزمني للأحداث والترابطات الدرامية بين الشخصيات غير المبررة، ليستخدمها المخرج للمط والتطويل، ففرط منه عقد العمل وجاءت الحبكة ضعيفة مفككة ومربكة.

 

 فمثلا الشخصية التي يجسدها الفنان القدير (بيومي فؤاد) زوج السيدة التي قتلت في وجود (رانيا يوسف) بالفيلا  كان متزوج زيجة ثانية  من السكرتيرة الخاصة به وقبل جريمة القتل  بفترة طلقها بعد اكتشاف خيانتها له، وطردها من العمل إلا وبسبب لا نعلمه وبدون مبرر نتفاجيء أنها كانت تعلم أن (رانيا يوسف) سرقت شيكات بنكية من زوجة بيومي فؤاد بعد قتلها.... ياسادة، أليس هناك من  يلفت  نظر  المخرج لكل ذلك..كيف عرفت تلك المرأة بما سرقته رانيا يوسف وهي لم تكن معهم أصلا ولم تشاهدها حتي الخادمة التي نجت من الحادث ، ويبدو أن المخرج فعل ذلك لكي  يجعل من تُجسد تلك الشخصية بطلة للعمل أمام (رانيا يوسف) حيث جسدت دور السكرتيرة (عائشة عثمان) والتي تظهر لأول مرة في عمل درامي مصري،  وللأسف لم تكن موفقة في تجسيد الشخصية   لكونها لم تتدرب بالشكل الكافي علي التمثيل، ولا علي أدوات الشخصية التي لم تمتلك زمامها بالشكل الصحيح. لماذا تم اختيارها إذن؟؟! 

 

ومع استمرار الأحداث تظهر  قصص لشخصيات أخرى منها علي سبيل المثال: قصة الصحفي الذي يجسده الفنان (محمد سليمان) ولديه ابنه من طليقته، ويعيش مع أخته التي تهوي صناعة محتوى الفيديوهات علي السوشيال ميديا، وتجسد الشخصية الفنانة الشابة (نانسي صلاح) وأثناء وجودها  مع زوجها العرفي في شقة ملك لأخيها وطليقته تتفاجأ بدخول طليقة أخيها، وتدور مشاجرة بينهما لتسقط على الأرض طليقة أخيها وتتوفي. لتقوم الفنانة (نانسي صلاح) بجذبها حتى حديقة العمارة، وحفر قبر لها ودفنها فيها، وبعد شهور أيضا تقتل زوجها العرفي في نفس الشقة بالسم، وتدفنه في حديقة العمارة أيضا. 

 

ويمضي بنا المخرج وهو يظن أننا لا نهتم لنجد أنفسنا مسحوبين أمام عمل يحتوي علي  مذبحة تستخف بالمشاهد المصري والعربي  وفقا لما جاء خلال الأحداث.ولا يستطيع رجال البحث الجنائي فك لغزها عن طريق الهاتف المحمول لكلا من القتيلين حيث يتم تحديد أخر مكان للإنسان عن طريق رصد الهاتف فوقتها سيتم أكتشاف مكان القتيلين ..وهنا  أطرح تساؤل للمخرج (حازم فودة). لماذا تم التغاضي عن ذلك؟ 

 

  أشفق علي المخرج والمنتج  (حازم فودة) لعدم اكتشافه تلك الأخطاء منذ الحلقات الأولى  فكيف سنرى آخر الحلقات؟ ولا أكيل أي اتهام لكتاب هذا العمل الدرامي المشترك وعلى رأسهم الكاتب (هشام هلال). لأن قائد العمل هو المخرج... بالنهاية أود أن أشيد ببعض عناصر العمل منها مدير التصوير (أحمد الفارا)  فهو اكتشاف عظيم لصناع الدراما. والكاستنج دايركتور (محمد مبروك)  يحسب له تقديم وجوه شابة بالعمل  لها مستقبل متميز. كذلك الموسيقى التصويرية لـ (كريم عرفة) و(أيمن التركي). ومن الفنانين النجم (محمد لطفي) والذي اختلف تماما في ذلك العمل عما قدمه من  قبل. ورغم تحفظي على ملابس الفنانة (دوللي شاهين) لعدم ملائمتها للشخصية إلا أنها اكتشاف في عالم التمثيل. ويحسب للفنان  (رامي وحيد) اجتهاده في تجسيد شخصيته بالعمل.  كذلك الفنانة (فيدرا) وتقديمها لشخصية بها تحولات نفسية عدة. 

الجريدة الرسمية