خالد سالم يكتب: صفية المهندس.. أم الإذاعيين
التحقت بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، وشاركت فى فريق التمثيل الناطق باللغة الإنجليزية الذى يقدم كل عام رواية من روايات وِلْيَمْ شكسبير، ولكن شاءت الإرادة الإلهية، أن تسلك طريقًا آخر بعد تخرجها فى كلية الآداب، ودخلت عن طريق الصدقة مجال الإعلام فكانت أول صوت نسائي بالإذاعة المصرية، صاحبة لقب أم الإذاعيين المصريين.. إنها الإعلامية القديرة صفية المهندس.
صفية المهندس هى ابنة زكي المهندس عميد كلية دار العلوم ورئيس مجمع اللغة العربية، وشقيقة الفنان الراحل فؤاد المهندس، وزوجة عملاق الإذاعة المصرية محمد محمود شعبان (بابا شارو).
وُلدت صفية في 12 ديسمبر عام 1922 في حى العباسية بالقاهرة، والتحقت بمدرسة السنية في عام 1937 وأظهرت براعة وتفوقا في دراستها، وإلى جانب ذلك انضمت للنشاط الاجتماعي بالمدرسة، فكانت عضوًا بارزًا في جماعة الخطابة المدرسية، وبعد حصولها على شهادة البكالوريا التحقت بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية لتحصل على الليسانس عام 1945، وخلال فترة دراستها الجامعية كانت ضمن فريق التمثيل الناطق باللغة الإنجليزية الذى يقدم كل عام رواية من روايات وِلْيَمْ شكسبير.
بعد تخرجها عرض عليها الإذاعي محمد فتحي، العمل في الإذاعة المصرية، وأجرت اختبار القبول في الإسكندرية تحت إشراف الإذاعي الكبير محمد محمود شعبان أو “بابا شارو” الذي أجازها كمذيعة بالإذاعة، وبعدها كانت الانطلاقة الكبيرة لمسيرة الإعلامية رائدة الإذاعة المصرية.
فى لقاء تليفزيوني، أجراه معها الفنان سمير صبري، كشفت الإعلامية صفية المهندس، كواليس التحاقها بالإذاعة المصرية، قائلة: “لم تكن الإذاعة فى طريقي أو بفكر فيها، طول ما أنا طالبة فى كلية الأداب كنت في فريق التمثيل الناطق باللغة الإنجليزية الذى يقدم كل عام رواية من روايات وِلْيَمْ شكسبير.. وفى يوم ظهور نتيجة الكلية رن جرس التليفون، حضرتك الآنسة صفية، أيوة مين معايا..، ليرد الشخص الآخر: “أنا محمد فتحي”، وطلب مني أن أذهب إليه فى الإذاعة، فقلت له إذاعة إية أنا مليش علاقة بالإذاعة، ورفضت مقابلته ﻷني كنت ذاهبة فى اليوم التالي إلى الإسكندرية لقضاء إجازة الصيف”
وتابعت:”قال لي الإذاعي محمد فتحي طالما هتروحي الإسكندرية، فيه إذاعة هناك محلية، ماسكها محمد محمود شعبان، فذهبت إلى مقر إذاعة الإسكندرية والتقيت ببابا شارو.. وعمل لي اختبار فى اللغة العربية، وأعطي عدد من جريدة الأهرام وطلب مني القراءة قائلا: “شوفناكي وانت بتمثلي بالانجليزي عاوزين نشوفك بالعربي”.
وتحكى صفية المهندس:” أخذت منه الجورنال ولم بدأت فى القراءة وكان بقالي حوالي 4 سنوات لم اقرأ عربي، عملت فضيحة فى الصرف والنحو كسحت كل قواعد النحو والصرف.. وبعد عودتي إلى المنزل أخبرت والدي بما فعلته خلال المقابلة، فاقترح أن يعطني دروسا فى اللغة ليذكرني باللغة العربية السليمة التى نسيتها خلال فترة دراستي بكلية الآداب.. وبعد عودتي إلى القاهرة طلب مني الإذاعي محمد فتحي، زيارته فى مقر الإذاعة بالقاهرة، وعملت فى الإذاعة وتدربت على يد الإذاعي عبد الوهاب يوسف.
بدأت صفية المهندس عملها عام 1945 كمذيعة للهواء وبعد عامين أصبحت مسئولة عن ركن المرأة في الإذاعة المصرية ومديرة لبرامج المنوعات، ثم مديرة البرنامج العام، وتدرجت في العديد من المناصب القيادية بالإذاعة قبل أن تتولى رئاسة الإذاعة، كأول سيدة تتولى هذا المنصب المهم في27 سبتمبر 1975 وحتى 11 ديسمبر 1982 لبلوغها سن التقاعد.
عشقت صفية المهندس الإذاعة بشكل لا حدود له، وهو ما جعلها ترفض كل إغراءات الصورة والظهور من خلال التلفزيون، حيث انهالت عليها عروض عدة منذ دخول التلفزيون مصر في العام1960، إلا أنها رفضت بشكل قاطع مغادرة موقعها خلف ميكرفون الإذاعة، وظلت وفية له طوال رحلتها معه.
رغم إحالتها للتقاعد، لم تنقطع علاقة صفية المهندس بالميكرفون، حيث استمرت في تقديم برامجها الشهيرة حتى فترة قصيرة قبيل رحيلها.
اشتهرت الإعلامية الكبيرة الراحلة صفية المهندس بلقب “أم الإذاعيين” ليس لكبر سنها، أو لأنها كانت اسما بارزا وعاصرت جيل الرواد الأوائل من الإذاعيين، بل لأنها كانت بالفعل أما لكل الإذاعيين بما اشتهرت به من حب وعطف وتقديم العون للجميع، وعدم البخل بخبراتها الطويلة لأي من الأجيال التالية لها، فضلا عما قدمته من برامج وأعمال إذاعية تمس الأسرة المصرية، والمرأة العربية بشكل عام.
خلال مشوارها قامت بزيارة العديد من البلدان، كالولايات المتحدة، الاتحاة السوفيتي، وانجلترا والسعودية وفرنسا، ومثلت الإذاعة المصرية فى العديد من لجان اتحاد الإذاعة والتليفزيون الأوروبي والأفريقي، وحصلت على وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى، والعديد من الجوائز، منها جائزة الكوكب الذهبي، ودرع نقابة الأطباء، وكرمها اتحاد الإذاعة والتليفزيون عام 1998 باختيارها "أم الإذاعيين".
تم اختيار صفية المهندس عام 1999 عضوا بمجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتلفزيون، ثم عضوا بمجلس الشورى، وعضوا بالمجلس القومي للفنون، ورحلت عن عالمنا في 13 يونيو 2007 عن عمر يناهز 84 عاما.