عام الرمادة.. كيف نعبر الأزمات وفق منهج الخلفاء الراشدين؟
يعيش الشعب المصري خلال الفترة الحالية على واقع أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا والتى أطلت بظلالها على حركة أسعار عدد من السلع في الأسواق العالمية والمحلية، مع ظهور بعض مستغلي الأزمات من قبل التجار والبائعين، وهو ما دفع الحكومة لاتخاذ عدد من الإجراءات من أجل حماية المصريين من جشع بعض القائمين على حركة السلع والمواد الغذائية.
وفتحت الأزمة الحالية حديث البعض عن “عام الرمادة” الذي حدث في عهد الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- حين واجهت شبة الجزيرة العربية واحدة من أصعب الأزمات التى مرت عليها بسبب المجاعة التي أصابت البلاد في ذلك العام
عام الرمادة
يطلق اسم عام الرمادة على السنة الثامنة عشرة من هجرة سيدنامحمد عليه الصلاة والسلام على أغلب الأقوال، حيث وقعت في زمن خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وفيها ضرب المدينة المنورة وما حولها من البقاع جدب وقحط، وكان من مظاهرها عدم سقوط المطر، ولم تنبت الأرض، وعاش الناس أيامًا صعبة من المجاعة.
وعاش أهل المدينة في ذلك العام مظاهر عصيبة من المجاعة حيث جف فيها ضرع الحيونات، وهزلت الأبدان ونفقت المواشي، وخلى البيت من زاد اليوم، فمرض الناس، وأوت الوحوش تلتمس المأكل عند مساكن الناس، كما شهدت فزع أهل البوادي إلى المدينة يطلبون الزاد من مركز الخلافة، فزاد الخطب على المسلمين واستمر الوضع قرابة الـ 9 أشهر قبل أن يغاث الناس.
سبب تسمية عام الرمادة
وبحسب ما ذكر عن أهل يذكر أهل التاريخ، ومؤلفوا السير عند الحديث عن قصة عام الرمادة أن السبب وراء التسمية يعود إلى لون الأرض الذي تغير في تلك السنة لما حل بها من الجفاف الذي تركها أقرب إلى لون السواد، كما أن الريح في ذلك العام كانت تهب فتنشر معها غبارًا كارماد يؤذي عيون الناس وأجسادهم التي تغير لونها أيضًا من قلة الطعام.
عبقرية سيدنا عمر في إدارة الأزمة
يعد عام الرمادة أحد أبرز المشاهد التى تدل على عبقرية سيدنا عمر بن الخطاب من خلال تعاملة مع الأزمة والإجراءات التي اتخذها في تلك الفترة، حيث ذكر أصحاب السير أنه أبدى في قصة عام الرمادة قدرة عالية على إدارة شؤون الأزمة.
وأظهر عام الرمادة حكمت وصبر خليفة المؤمن وقتها، كما ظهر ورعه وفهمه العميق لروح الدين الإسلامي وعلل الأحكام والحدود في الشريعة الإسلامية، وذكر أهل السير مجموعة من الخطوات والإجراءات التي اتخذها الفاروق من أجل عبور تلك الأزمة والتى جاء منها
خطة سيدنا عمر لعبور عام الرمادة
حرص سيدنا عمر بن الخطاب في تلك الفترة على اتخاذ عدد من الإجراءات التي ساهمت في عبور المجاعة والأزمة الطاحنة التي عصفت بالبلاد في تلك الفترة،، حيث استطاع الفاروق إدارة هذه الأزمة العصيبة التي مرت على المسلمين، أدارها بحكمة ودراية أخذًا بالأسباب جميعها ومتوكلًا على الله تعالى
وكان من أهم تلك الإجراءات أنه ضرب من نفسه للناس قدوة في الصبر وتحمل الجوع، حتى ذكر أنه تغير لونه من شدة العطش والجوع نتيجة نقص الغذاء والماء، كما حرم نفسه من كل طعام لا يجده الناس، واكتفى في أغلب أيامه بأكل ما توفر من خبز الشعير، كما حث الناس على طلب المغفرة بكثرة الصلاة والدعاء واللجوء إلى الله وكان عمر في تلك السنة يكثر من الصلاة، ويدعو نفسه ويدعو الناس ليل نهار للاستغفار والتوبة والدعاء إلى الله بأن يصرف البلاء، كما كان يحثهم على طلب السقيا في دعائهم، ويجمعهم بعد كل صلاة للتضرع والدعاء والطلب من الله أن يذهب المحل، وأن يعمّهم بالرحمة والغيث
كما حرص الفاروق على الاستعانة بأهل الأمصار، حيث أسرع عمر رضي الله عنه فكتب إِلى عمَّاله على البلاد الغنية يستغيثهم، فأرسل إِلى عمرو بن العاص عامله على مصر، وكان الفاروق يقوم بتوزيع الطعام، على كثيرٍ من القبائل في أماكنهم من خلال لجان شكلها لهذا الغرض، فذكر أهل السير أنه عندما وصلت إِبل عمرو بن العاص إِلى أَفواه الشام، أرسل عمر من يشرف على توزيعها مع دخولها جزيرة العرب
وقف الحدود في عام الرمادة
ومما برزت فيه حكمة الفاروق أنه أثناء هذه الأزمة، هو قيام عمر رضي الله عنه بوقف حد السرقة في عام الرمادة، وأكد المفسرون أن هذا ليس تعطيلًا لهذا الحد، كما ذهب البعض، بل لأن شروط تنفيذ الحد لم تكن متوافرة، فأوقف تنفيذ حد السرقة لهذا السبب، فالذي يأكل ما يكون ملكًا لغيره بسبب شدة الجوع، وعجزه عن الحصول على الطعام يكون غير مختار، فلا يقصد السرقة
تأخير دفع الزكاة في عام الرمادة
كما أوقف عمر رضي الله عنه إلزام الناس بالزكاة في عام الرمادة، وذكر أنه ولما انتهت المجاعة، وخصبت الأرض جمع الزكاة عن عام الرمادة، أي اعتبرها دينًا على القادرين حتى يسد العجز لدى الأفراد المحتاجين، وليبقي في بيت المال رصيدًا بعد أن أنفقه كله بسبب المجاعة.
وبهذا الشكل استطاع الفاروق إدارة هذه الأزمة العصيبة التي مرت على المسلمين، أدارها بحكمة ودراية أخذًا بالأسباب جميعها متوكلًا على الله تعالى، فقد حمل وتحمل مسؤولية الرعية بكل إخلاص وتفان، جاع كما جاعوا وصبر كما صبروا