حب عابر للقارات
من عالمية حُبِّ النبي الكريم أنْ قيَّضَ الله له مطربين ومنشدين لا يتحدثون العربية؛ ليمدحوه بلسان عربي مبين، وبلغة عربية منضبطة رصينة، لا تعرف اعوجاجًا ولا لحنًا ولا خطأً، وكأنهم تتلمذوا على أيدي أبي الأسود الدؤلي وسيبويه!
خلال السنوات الأخيرة.. تمكن فتية آمنوا بنبيِّهم الكريم وصدقوا في حُبه من تقديم أغانٍ وأناشيدَ مُحكمة منضبة في حب أبي الزهراء صلى الله عليه وسلم، طبَّقتْ شهرتُها الآفاقَ، وحققتْ مشاهداتٍ مليونية غيرَ مسبوقة، وجذبتْ إليها أسماعَ وقلوبَ غير المسلمين أيضًا، وكانت سبيلأ لتُعرّيفهم بجوهر الإسلام.
سامي يوسف وماهر زين ومسعود كرتس أبرز هؤلاء المطربين والمنشدين الذين تفوقوا وأبدعوا خلال السنوات الأخيرة في تقديم هذه النوعية من الأغاني والأناشيد الدينية باللغتين العربية والإنجليزية وغيرهما، وأثبتوا أن حُبَّ الرسول الكريم سوف يبقى كامنًا في الصدور والأفئدة حتى يقوم الناس لرب العالمين. يتقاطع المنشدون الثلاثة في المرحلة العمرية تقريبًا؛ فبينما أبصر سامي يوسف النور في العام 1980، فإنَّ ماهر زين ومسعود كرتس جاءا إلى الدنيا بعده بعام واحد فقط. أمَّا القاسم المشترك الأبرز بينهم فهو أنهم لا يتحدثون اللغة العربية في الأساس، بحُكم النشأة والحياة.
تجارب ملهمة
في العام 2003 أطلق المطرب والمنشد البريطاني سامي يوسف ألبومه الإسلامي الأول بعنوان: "المعلم"، وكان من إنتاجه وألحانه، وحصد من خلاله نجاحًا ماديًا ومعنويًا مبهرين ومتدفقين حتى الآن، وتوالت ألبوماته الناجحة فيما بعد وصنعتْ له اسمًا بارزًا في هذا المجال. في أغنية: "المُعلم".. يشدو سامي يوسف بكلمات بسيطة وخاطفة وأداء سلس صادق مُرددًا: يا حبيبي يا محمد/ يا شفيعي يا محمد/ خير خلق الله محمد/ يا مصطفى يا إمام المرسلين/ يا مصطفى يا شفيع العالمين/ يا مصطفى يا إمام المرسلين/ يا مصطفى يا شفيع العالمين.
وتزامنًا مع النجاح المُدهش لـ سامي يوسف، كان المطرب والمنشد ذو الأصول السويدية وخريج "هندسة الطيران" ماهر زين يصنع مجده الفني في حب ومدح الرسول الكريم بطريقته الخاصة وبأسلوبه المتفرد. تنقل ماهر زين في سنوات الصِّبا الأولى بين السويد ونيويورك، وكان يشعر بحالة من التشتت والتخبط حتى انتظم في أحد مساجد السويد، مؤكدًا أنه أدرك يومئذ أنه وصل إلى المنزل الآمن، وتمكن في نهاية المطاف من العثور على الطريق الصحيح.
وخلال فترة قياسية.. شقَّ ماهر زين طريقه في الغناء الديني المواكب للمعطيات والتقنيات الجديدة. هَدِفَ ماهر زين من رسالته الفنية إلى الوصول للشباب بنفس الطريقة التي جذبتهم إلى أنواع أخرى من الموسيقى الغربية، وآمن- كما صرَّح في حوارات عدة- بدور الغناء الهادف في تعديل الكثير من السلوكيات والمفاهيم الخاطئة حول رسالة الإسلام. اتسمت أغاني وأناشيد ماهر زين بالبساطة والسهولة –وهي السمة الملازمة لأناشيد سامي يوسف ومسعود كرتس أيضًا- ويبدو ذلك واضحًا في أنشودة: "ليتك معنا"، حيث يوجه "زين" حديثه إلى الرسول الكريم قائلًا: لَيتك معنا/ تَهدينا سبيلًا يَنفعُنا/ لَيتك معنا/ ما كنا ضَلَلنا أو ضِعنَا/ ليتك معنا/ بزمانِنا يا رسول الله..
أما المطرب ذو الأصول التركية والمقدونية مسعود كرتس فقد صنع نجاحه بطريقته المثلى، سواء من خلال تقديم ألوان مشابهة لما يقدمه سامي يوسف وماهر زين، أو من خلال إعادة أغانٍ وأناشيد قديمة مثل: "البردة". يتميز "مسعود كرتس" بإتقانه عدة لغات، وليس العربية والإنجليزية فقط، وظهر هذا واضحًا في ألبومه الأول: "صلوات"؛ حيث مزج بين اللغات العربية والفارسية والتركية. تُصنَّف موسيقى مسعود كرتس بأنها مزيج من الأساليب والتأثيرات الشرقية والغربية.
في أغنيته: "أبا الزهراء"..يشدو مسعود كرتس: هاشمِيٌ وكفَى/ الحبيبُ المصطفى/ جاء للدنيا يتيمًا/ فنبيًا مُشرَّفا/ قد أضاءَ الكونَ نورَا/ وسلامًا وسرورَا/ ينثرُ القرآن عِطرَا/ يُحيِي به الصُدُورَ/ سيدي أبا الزهراء/ ما أعظمَ البُشرى/ دُمتَ لنا فخرًا/ يا خيرَ خلق الله.
تجارب هؤلاء المطربين الثلاثة العابرة للقارات يجب أن تكون مُلهمة لإعادة الروح والحياة إلى الأغنية الدينية في مصر ووضعها في مكانتها اللائقة التي فقدتها نتيجة الاستسهال والإهمال وعدم التقدير اللازم، كما أشرنا في المقال الأخير: "الأغنية المصرية.. ماضٍ عريق وحاضر باهت".