رجل بوتين القوي لحماية عرش الكرملين.. سيرجي شويجو "مدني" يقود الجيش الأحمر.. وينفذ رغبات "القيصر"
ربما ما يتداعى إلى ذهن البعض أن روسيا دولة قرارها الأول في يد الجيش الأحمر، لكن تلك النظرة قاصرة في أفضل الأحوال، فعلى مدى قرنين من الزمان كان من النادر مشاركة الجيش الروسي في رسم القرار السياسي.
وبحسب تحليل إخباري لمجلة فورين أفريز الأمريكية، فإن الخدمة العسكرية منحت درجة من الهيبة الاجتماعية خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، لكن ذلك لم يتم ترجمته إلى مشاركة أساسية في الحكم، بل ربما كانت آخر مرة لعب فيها الجيش الروسي دورًا سياسيًا كان في عام 1825.
لم يتغير الأمر كثيرًا بوصول الرئيس فلاديمير بوتين إلى الحكم، إذ فضّل الأجهزة الأمنية على الجيش بحسب التحليل الأمريكي، وبالتالي بقى الأمر على ما هو عليه حتى عام 2012 حين تم تعيين سيرجي شويجو وزيرًا للدفاع، لتتغير الصورة بالكامل ويتخذ الجيش مكانة متصدرة، دفعت كثيرًا من الخبراء الإستراتيجيين إلى تلقيبه بالرجل القوي الذي يقف خلف بوتين ويقود معاركه باقتدار وليس بعيدًا أنه المسئول الأول عن قرار غزو الأراضي الأوكرانية.
رحلة الصعود
تشير المجلة الأمريكية فورين أفريز أن "شويجو" عاش حياته عضوًا مخضرمًا في النخبة السياسية السوفيتية، وما إن تفكك الاتحاد أواخر القرن الماضي، عمل شويجو على اتخاذ مكانه فترقى بداية منذ منتصف التسعينيات حتى أصبح وزيرًا لحالات الطوارئ، وهو منصب على مستوى عال في روسيا.
من خلال هذا المنصب تمكّن شويجو من رسم صورة المسئول الشجاع والحيوي، فزار عددا من مواقع الكوارث الطبيعية والتفجيرات الإرهابية مع فريق إنقاذ محترف من النخبة، بل قاد عمليات إنقاذ بنفسه.
بالتزامن مع ذلك لم تكن عين فلاديمير بوتين غافلة عن الرجل القوي والناجح أمام الرأي العام، فسرعان ما اختاره ليكون أحد قادة حزبه "روسيا الموحدة"، ما أتاح له بناء قاعدة سياسية.
لكن كل ذلك كان يمكن أن يبدوا طبيعيًا حتى عام 2012 حين فاجأ بوتين الجميع بتعيين سيرجي شويجو وزيرًا للدفاع، رغم أنه خريج كلية الهندسة ولم يخدم قط في الجيش أو يتمتع بسمعة طيبة بين القيادات العسكرية، ناهيك عن أسلوبه المباشر والفظ أحيانًا.
وبعيدًا عن تغييرات "شويجو" التي بدأها بتغيير اللباس العسكري ليجعله شبيهًا بالزي السوفيتي 1945، كان أهم ما فعله هو ابتكاره لتقنيات عالية، فشكّل قيادة سيبرانية ودمج القوة الجوية والقوة الفضائية مع "القوات الجوية الفضائية الروسية" الجديدة.
النجاح الأول
على أرض الميدان أحرز شويجو نجاحه العسكري الأول في أوكرانيا عام 2014، حين فشلت الأجهزة الأمنية في القرم فاستعان به بوتين، وتمكّن وزير الدفاع الجديد وقتها من ضم شبه جزيرة القرم بسرعة وكفاءة.
بعد ذلك تمكّن شويجو من إحراز نصره الثاني، في سوريا حين تمكن في 2015 من دعم الرئيس السوري بشار الأسد وتغيير معادلة الصراع، ما أدى إلى ارتفاع شعبية الجيش الروسي.
ميزانية ضخمة
بعد هذا النجاح أمن شويجو ميزانية عسكرية أكبر ومكانة متنامية للجيش الروسي في الكرملين، وأصبح الرجل هو الأقرب لبوتين في تنفيذ المهام الصعبة، ولذلك لم يتردد القيصر الروسي في الاستعانة به حين بدت أزمة أوكرانيا تظهر على السطح خلال العام الماضي.
تلك المكانة بحسب مجلة فورين أفريز، ظهرت جليا في اجتماع مجلس الأمن الروسي عشية الغزو، حين أعلن بوتين قراره بالاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، فتلعثم رئيس الاستخبارات الخارجية وتصرف مدير جهاز الأمن الفيدرالي الروسي ووزير الخارجية كما لو كانا رجلين آليين يتبعان الأوامر، وعلى النقيض من ذلك، بدا شويجو، الذي أمضى معظم العقد الماضي في بناء الجيش وتحويله إلى قوة سياسية قوية، واثقًا ومستعدًا لقيادة روسيا في المعركة.
وتجدر الإشارة إلى أن أحد أكثر الأعضاء طموحًا في دائرة بوتين المقربة، سيرجي شويجو، هو الذي يقود ذلك التحول، على الرغم من أنه لم يحظَ سوى باهتمام ضئيل نسبيًا في الغرب، فإنه أحد المطلعين على الأسرار الداخلية في الكرملين منذ فترة طويلة.