كيف أنقذت "الري" 4 مدن جديدة على سواحل الدلتا من دمار التغيرات المناخية؟
تواجه 4 مدن جديدة تشيدها الحكومة المصرية على سواحل الدلتا والبحر المتوسط مخاطر التأثر بموجات التغيرات المناخية وارتفاع منسوب مياه البحر في مواجهة المناطق التي تشيد بها المدن الأربعة في ظل هشاشة تلك السواحل وانخفاضها بشكل نسبي يجعلها في مرمى توغل مياه البحر المتوسط على اليابسة وتهديد عملية الاستثمار فيها.
وفي ظل هذه الأزمة بدأت الحلول تقفز أمام صناع القرار في وزارة الري والموارد المائية لممارسة أحد الأدوار الرئيسية للوزارة بحماية سواحل المدن من توغل البحار لحماية سير الحياة وتماسك الأنشطة الاقتصادية في المدن المطلة على البحر المتوسط خاصة، ومن خلال مشروع تعزيز التكيف مع آثار التغيرات المناخية فى دلتا النيل والساحل الشمالى الممول من صندوق المناخ الأخضر بدأت الحكومة المصرية في تأمين أكثر النقاط هشاشة في سواحل دلتا النيل والتي تعاني من توغل مياه البحر على اليابسة.
بدأ التحدي أمام المشرع بالمدن الأربعة الجديدة " دمياط الجديدة - رشيد الجديدة - المنصورة الجديدة- مدينة غرب بورسعيد" وهي مشروعات تعول عليها الدولة المصرية كثيرا في خلق مساحات جديدة للعيش داخل المحروسة لاستيعاب الزيادة السكانية وتحريك الاقتصاد بإنشاء مناطق جديدة تستوعب استثمارات عقارية وخدمية وصناعية مختلفة.
ويقول الدكتور محمد أحمد رئيس مشروع تعزيز التكيف مع آثار التغيرات المناخية فى دلتا النيل والساحل الشمالى،إن حماية المدن الأربعة ضمن أعمال المشروع كانت تحديا كبيرا لعدة أسباب أولها هو اختلاف وتباين لمشكلات التي تواجهها كل مدينة امام زحف مياه البحر على سواحلها، إلى جانب ضرورة حماية الاستثمارات التي تهددها آثار التغيرات المناخية على المناطق الأكثر هشاشة في المدن الأربعة
دمياط الجديدة..حماية بفكر سياحي
وكشف الدكتور محمد أحمد عن تنفيذ نموذج لمنشأة الحماية لمدينة دمياط الجديدة التي تعاني من مواجهة ارتفاع منسوب المياه وغمرها لليابسة وهو ما تم التعامل معاه بنموذج حماية من المخلفات الطبيعية لعمليات الحفر والتكريك بالبحيرات من خلال عمليات "دمك" للتربة بدون أي إضافات خرسانية أو مواد كيميائية وأجرينا اختبارات للمنشأ المشيدة من المواد الصديقة للبيئة وأثبتت كفاءة كبيرة في عدم تغلغل المياه من خلالها.
ويضيف: لكن لم يكن من المناسب للتخطيط العام للمدينة أن يتم عمل منشأة حماية تقليدية لذلك تم تحويل المنشأة إلى ممشى سياحي بمكونات صديقة للبيئة ومستدامة بشكل كامل وتجميله بالنباتات البرية والأرضيات الصخرية الطبيعية والإنارة من خلال الطاقة المتجددة ليعطي شكلا جماليا يتناسب مع الطبيعة المعمارية الحديثة للمدينة
وأوضح أن المشروع يعمل الأن بالتعاون مع جهاز مدينة دمياط الجديدة، على تنفيذ هذا الممشى على منشأ الحماية بطول 500 متر وفقا للنموذج الذي تم وضعه من قبل المشروع بعد دراسة كافة العوامل اللازمة ووضع المخطط الكامل للتصميمات وطريقة تنفيذها، ونجري تدريبا لمجموعة من العاملين في جهاز دمياط الجديدة على كيفية تنفيذ النموذج بطول الساحل المواجه للمدينة وصيانته والحفاظ على النباتات البرية المناسبة لعملية "اللاند سكيب" التي راعينا أن تكون متحملة للملوحة والجفاف وتتحمل الري على فترات بعيدة لضمان سلامة المنشأ وتقليل تكاليف الصيانة، وحصلنا بالفعل على قائمة بأسماء هذه النباتات المناسبة من جانب أكاديمية البحث العلمي، وبعد الانتهاء من النموذج نأمل أن يتم تعميمه عبر جهاز مدينة دمياط الجديدة، ولكن رغم ذلك فإن تكلفة المنشآت التي نقوم بها والتي تعتبر صديقة للبيئة بشكل كامل تصل إلى ربع تكلفة المنشأت المصنعة من الخرسانة وغيرها من المواد المستخدمة في أعمال الحماية الآخرى.
المنصورة الجديدة..الخيارات الضيقة
أما في المنصورة الجديدة فكان التحدي أصعب لضيق الخيارات المتاحة أمام إدارة مشروع تعزيز التكيف مع آثار التغيرات المناخية، بعد أن غمرت المياه شاطيء الكورنيش الجديد للمدينة، والذي يشهد استثمارات ترفيهية كبيرة من مطاعم ومقاهي وغيرها من الأنشطة التي من المنتظر أن يقبل عليها رواد المنصورة الجديدة.
ويكشف الدكتور محمد أحمد معضلة أن حماية منطقة الكورنيش التي يبلغ طولها 10 كيلو مترات كانت بالغة الصعوبة لأنها تطل على شاطيء عمقه من 50: 70 مترا فقط ويضم مجموعة من المطاعم والمقاهي والاستثمارات الترفيهية المختلفة والشاطي بالكامل معرض للغرق ووصول المياه إلى منسوب الكورنيش وتتخطاه في بعض الأحيان، لذلك قررنا التدخل برفع منسوب الشاطيء الرملى عن منسوب المياه بمقدار محدد لمنع عملية الغمر واستخدمنا فى ذلك كميات كبيرة من الرمال من نفس البيئة، ورغم أن الحل يبدو سهلا لكنه دقيق في تنفيذه ومتابعته حيث يتم التنفيذ في فترة عام كامل والمتابعة بعدها للشاطيء وعمل عمليات استعاضة وصيانة للرمال على فترات حسب عمليات الرصد.
غرب بورسعيد..المسافة صفر
في غرب بورسعيد يظهر تحدي جديد، وهو تماس المياه مع أسوار منشآت شركات البترول المقامة على سواحل المنطقة، فالمسافة بين المياه والأسوار "صفر"، وبالتالي كانت الآثار المدمرة والمحتملة للمياه على تلك المنشآت خطيرة.
ووفقا لمحمد فإن غرب بورسعيد كانت حالة خاصة ومهمة بعد وصول المياه إلى أسوار شركات البترول في غرب بورسعيد إلى جانب قرب المنطقة من شواطيء مدينة غرب بورسعيد الجديدة التي تشيدها الدولة الآن وهي في مرمى آثار التغيرات المناخية، فالمنطقة قريبة جدا من البحر وقمنا بتنفيذ عملية حماية معقدة نسبيا بإنشاء جسور من المواد الطبيعية في بيئة المنطقة وإنزال حجارة أسفل الجسر المشيد من نواتج التكريك في المنطقة ونجحنا فعلا في حماية شركات بترول كثيرة تعمل في المنطقة حيث لا يوجد مسافة كبيرة بين البحر وبين اسوار الشركات وهي الاعمال التي ساهمت أيضا في توفير فرص الحماية لمدينة غرب بورسعيد الجديدة.
رشيد..البوص والكثبان
تشابه الظروف المناخية التي تواجه مدينة رشيد الجديدة مع سواحل كفر الشيخ الأكثر هشاشة في الدلتا والتي نجح مشرو تعزيز التكيف مع آثار التغيرات المناخية في تنفيذ منشأت حماية فيها بطول 30 كيلو متر لتوفير الحماية اللازمة للأهالي من الصيادين والاستثمارات الآخرى وأبرزها حقول الرمال السوداء التي بدأت الدولة في ضخ الاستثمارات في عملية استخرجاها.
وأكد الدكتور محمد أحمد أن عملية حماية شواطيء مدينة رشيد الجديدة من الغمر بالمياه كانت باستخدام حواجز البوص أمام منشأت الحماية الطبيعية التي تم تشييدها أيضا في دمياط الجديدة، لكن الهدف منها في رشيد كان تكوين كثبان رملية اصطناعية أمام المنشأة لتقويتها وزيادة عمرها وقدرتها على التصدي لزحف المياه، ومازلنا نعمل في المنطقة وجهاز المدينة سيستخدم جسر الحماية في عمل كورنيش أيضا كما تم في كورنيش دمياط الجديدة.