رئيس التحرير
عصام كامل

علي جمعة يكشف سر حدوث رحلة الإسراء والمعراج ليلًا

الدكتور علي جمعة
الدكتور علي جمعة

كشف الدكتور علي جمعة، المفتي السابق للجمهورية، الحكمة في حدوث رحلة الإسراء ليلًا، وأيضًا وجود كل نبي في سماء معينة، واختتمت الرحلة بملاقاة نبي الله إبراهيم ثم صعود رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى سدرة المنتهي.

سر رحلة الإسراء والمعراج

وأكد جمعة أن رحلة الإسراء والمعراج تتميز عن بقية التاريخ الإنساني جملة وتفصيلا، حيث كشفت أن الأمة الإنسانية أمة واحدة، حيث التقى الأنبياء في رحلته. وطالب جمعة أن يتمعن المسلم في الحدث وحالة المنح والمنع التي يمنحها له الله، فقد يكون في المنح منه وفي المنع منح.
 

وكتب الدكتور على جمعة تدوينة على الفيس بوك "قال ابن المنير: إنما كان الاسراء ليلا لأنه وقت الخلوة والاختصاص عرفا، ولأن وقت الصلاة التي كانت مفروضة عليه في قوله تعالى: { قُمِ اللَّيْلَ}. وليكون أبلغ للمؤمن في الايمان بالغيب وفتنة للكافر ولأن الليل محل الاجتماع بالأحباب"
 

وقال جمعة: "قال ابن دحية: ولإبطال قول الفلاسفة إن الظلمة من شأنها الاهانة والشر، وكيف يقولون ذلك مع أن الله تعالى أكرم أقواما في الليل بأنواع الكرامات كقوله في قصة ابراهيم: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ}. وفي لوط: { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ }. وفي موسى: { وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً }. وناجاه ليلا وأمره بإخراج قومه ليلا في قوله: { فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا}.

خواطر الإسراء والمعراج

وأضاف "واستجاب دعاء يعقوب فيه وهو المراد في قوله: { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي}. وقال ابن أبي حمزة: الحكمة في كون آدم في -السماء- الأولى أنه أول الأنبياء وأول الآباء وهو أصل فكان أولا في الآباء؛ ولأجل تأنيس النبوة بالأبوة. وعيسى في الثانية لأنه أقرب الأنبياء عهدا من محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ويليه يوسف لأن أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدخلون الجنة على صورته."
 

وتابع حديثه قائلًا: "وإدريس قيل: لأنه أول من قاتل للدين فلعل المناسبة فيها الإذن للنبي عليه الصلاة والسلام بالمقاتلة ورفعه بالمعراج لقوله تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}.والرابعة من السبع وسط معتدل. وهارون لقربه من أخيه موسى؛ وموسى أرفع منه لفضل كلام الله. وإبراهيم لأنه الأب الأخير فناسب أن يتجدد للنبي بلقياه أنس لتوجهه بعده إلى عالم آخر، وأيضا فمنزلة الخليل تقتضي أن تكون أرفع المنازل ومنزلة الحبيب أرفع، فلذلك ارتفع عنه إلى قاب قوسين أو أدنى"
 

أما عن رحلة الإسراء والمعراج فقال جمعة: "مع مناسبة ‫#الإسراء_والمعراج، جال بفكري عدد من الخواطر الشاملة تتناسب مع جلل هذا الحدث وانفراده في تاريخ البشرية، فالمرحلة التي قام بها ﷺ في إسرائه إلى بيت المقدس، ثم معراجه إلى ما فوق السموات السبع لينتهي به المطاف عند سدرة المنتهى في عدة دقائق محدودة، ليعود فيجد فراشه مازال دافئا أمر لم يتكرر مرة أخرى مع بشر"

أمة إنسانية واحدة

وتابع قائلًا: "هذا إن دل على شيء فيدل على مدى تميز هذه الحادثة عن بقية التاريخ الإنساني جملة وتفصيلا، وتتلخص هذه الخواطر فيما يلي: 1- الأمة الإنسانية أمة واحدة، ويتوج حدث الإسراء والمعراج هذا المعنى، إذ التقى رسولنا الكريم ﷺ بإخوانه الأنبياء، وصلوا صلاة واحدة يؤمهم فيها ﷺ، إشارة إلى أن هذه الأمة تتبع جميع الأنبياء وتؤمن بهم، وذلك باتباعهم لنبيهم الخاتم. 
 

وأضاف "إن الله سبحانه وتعالى كما أرسل الرسل بالعهد القديم، والعهد الجديد، فقد ختمهم رسول الله ﷺ الذي أنزل معه العهد الأخير، وجعل الله سبحانه وتعالي الأمة واحدة من لدن آدم إلى يومنا هذا: (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) بالإسراء والمعراج. 
 

وقال "وفي الحديث الشريف عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بني بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين (رواه البخاري).

نعمة النظر لله

وأكمل خواطره فقال: "2- أنعم الله تعالى على نبيه في هذه الرحلة بنعمة النظر إلى وجهه الكريم، وأجمع العلماء أن متعة النظر إلى الله سبحانه وتعالى هي أجل نعمة للإنسان، فلا مزيد عليها في التمتع الحسي والمعنوي، وهو ما يتمثل في قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) قال العلماء: الزيادة هي النظر إلى وجهه الكريم. 
 

وعن الدخول للجنة وكشف الحُجب قال: "وفي حديث صهيب عن النبي ﷺ أنه قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه قالوا ألم تبيض وجوهنا وتنجنا من النار وتدخلنا الجنة قال فيكشف الحجاب، قال فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه (رواه الترمذي).."
 

وعن كيفية النظر لله قال "والنظر إلى الله لا يكون بالأبصار إنما يكون بشيء يخلقه الله سبحانه وتعالى يمكن من ذلك; فقال عز وجل: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) والناضرة من نضرة النعيم، وناظرة أي أن الوجوه تنظر، وليس العين لأنه سبحانه وتعالى لا يدركه البصر (لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ) إنما الذي يدركه شيء وراء ذلك يخلقه الله سبحانه وتعالى في العبد كما خلقه في سيد المرسلين ﷺ في ليلة المعراج فرآه كما قال ابن عباس رضي الله عنهما وكما ورد في سورة النجم في قوله تعالى: (مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى)، على إرجاع الضمير إلى الله سبحانه وتعالى كما ثبت في البخاري"

 

حكمة المنع والمنح

وتابع جمعة قائلًا: "3-  أخر الله سبحانه وتعالى النبي ﷺ في الظهور الكوني فقدمه في الظهور المعنوي، فعلى الرغم من أنه ﷺ آخر الأنبياء إلا أنه صلي بهم إماما في ليلة الإسراء والمعراج"

وقال "ويجب على المسلم أن يتدبر في هذا الأمر، فهو لا يعرف أين الخير! قد يعطيه الله عز وجل في الدنيا ثم يمنعه بهذا العطاء في الآخرة; فيفرح اليوم ولا يدري ماذا يخبئ الله له غدا، وأحيانا يمنعه في الدنيا فيتبرم ولا يدري أن هذا المنع عطاء. وقد لخص ابن عطاء الله السكندري في حكمه هذا الدرس بقوله رضي الله عنه: ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، فلعله أخرك في الدنيا ليقدمك في الآخرة، أو أخرك في ترتيب الناس ليقدمك عنده سبحانه وتعالى."

أضاف "وفي المعاملة مع الله يجب على المسلم أن يفهم عن الله، وهذا ما سيؤدي به إلى الرضا والتسليم، ومن دعاء الصالحين:  اللهم يسر ولا تعسر.. خر لي واختر لي"

معجزة الإسراء والمعراج

واستطرد قائلًا: "4- المؤمن يعظم الأحداث فتراه يحتفل بالمولد الشريف حيث شرف رسول الله ﷺ الكون والكائنات.. ولد الهدي فالكائنات ضياء * وفم الزمان تبسم وثناء"


واختتم علي جمعة حديثه قائلًا: "والمسلم يحتفل بالإسراء والمعراج ويتدبر فيها معجزة تثبت حول الله وقوته وتثبت علو مقام نبينا الشريف عند ربه وانفراده في ظاهرة لن تتكرر، وإثبات أن هذه الأكوان إنما تسير بأمر الله ولا تكون ولا تخرج عنه سبحانه وتعالي، فالمسلم يحترم الأشياء والأشخاص والأحداث ويقدس الزمان والمكان قداسة هي عين التوحيد، لأنها تطهير للأوقات والأماكن، وهي عين التبري من الحول والقوة لله رب العالمين، وهي تعظيم لحرمات الله كما أمر الله وتعظيم لشعائر الله كما أمر، وسعيا إلى تقوى القلوب كما وصف، وسعيا للخير عند الله مدخر عنده سبحانه"
 

الجريدة الرسمية