أسباب الحرب بين روسيا وأوكرانيا
في ساعات متأخرة من أمس الخميس أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاب بدء عملية عسكرية واسعة في إقليم دونباس بأوكرانيا.
وبمجرد أن أعلن الرئيس الروسي خطابه بدأت القوات الروسية عملية عسكرية شاملة وسمع دوي 6 انفجارات ضخمة في مدينة خاركيف الأوكرانية، وذلك حسبما أكده الرئيس الأوكراني.
وبحسب عدة وسائل إعلامية، فإن القوات الروسية بدأت تتجه لدخول أوكرانيا من جهة شبه جزيرة القرم، ومن ثم سمع أصوات 5 إلى 6 «انفجارات بعيدة».
وعلى الرغم من توتر الموقف على الحدود الأوكرانية منذ أسابيع، إلا أن الرئيس الروسي نفى مرارًا اعتزامه غزو أوكرانيا، رغم أن الولايات المتحدة قالت إن الرئيس الروسي، اتخذ قرار الغزو منذ فترة.
وتعد الأزمة بين روسيا وأوكرانيا ليست وليدة اللحظة، بل تعود جذورها إلى العصور الوسطى، وتحديدًا إلى الدولة السلافية الشرقية المسماة «كييف روس»، وهو ما يتحدث عنه الرئيس الروسي بوتين عن كون البلدين «شعب واحد».
ورغم أن الجذور واحدة تقريبا، إلا أن تاريخ البلدين مختلف، ونشأت عنه لغتان وثقافتان مختلفتان رغم قرابتهما، فبينما تطورت روسيا سياسيًا إلى إمبراطورية، لم تنجح أوكرانيا في بناء دولتها.
وفي القرن السابع عشر، أصبحت مساحة شاسعة من أوكرانيا الحالية جزءًا من الإمبراطورية الروسية، حتى أعلنت أوكرانيا استقلالها، بعد سقوط الإمبراطورية الروسية عام 1917، ثم عادت روسيا السوفيتية وقامت باحتلالها عسكريًا مجددًا، ومن ثم في ديسمبر عام 1991، كانت أوكرانيا، بالإضافة إلى بيلاروسيا، من بين الجمهوريات التي دقت المسمار الأخير في نعش الاتحاد السوفييتي، غير أن موسكو أسست رابطة الدول المستقلة «جي يو إس»، في محاولة للاحتفاظ بنفوذها.
شحنات الغاز
إلا أن أوكرانيا، خيبت أمل الكرملين الذي لم يستطع السيطرة عليها، من خلال شحنات الغاز الرخيص، فبينما تمكنت روسيا من بناء تحالف وثيق مع بيلاروسيا، كانت عيون أوكرانيا مسلطة دائمًا على الغرب، ودائما ما أزعجت أوكرانيا الكرملين بميلها للغرب، ولكن الأمور ظلت هادئة طوال فترة التسعينيات، لأن الغرب لم يكن يسعى لدمج أوكرانيا، كما أن الاقتصاد الروسي كان يعاني.
وفي عام 1997 اعترفت موسكو رسميًا من خلال ما يسمى بـ«العقد الكبير» بحدود أوكرانيا، بما فيها شبه جزيرة القرم، التي تقطنها غالبية ناطقة بالروسية، وعندما انهار الاتحاد السوفييتي مطلع التسعينيات، كانت أوكرانيا، تمتلك ثالث أكبر ترسانة أسلحة نووية في العالم، حتى قامت الولايات المتحدة وروسيا بنزعها، حيث تخلّت كييف عن مئات الرؤوس النووية إلى روسيا، مقابل ضمانات بعدم هجوم روسيا عليها.
أزمة دبلوماسية
وفي عهد الرئيس الروسي الحالي، فلاديمير بوتين، ظهرت أول أزمة دبلوماسية كبيرة حديثة بين البلدين، في خريف عام 2003، حيث بدأت روسيا بشكل مفاجئ في بناء سد في مضيق كريتش باتجاه جزيرة «كوسا توسلا» الأوكرانية، وهو ما اعتبرته كييف محاولة لإعادة ترسيم الحدود، وهنا ازداد الصراع حدة بين البلدين، ولم يتم وضع حد له إلا بعد لقاء ثنائي بين الرئيسين الروسي والأوكراني، أعقبه وقف بناء السد، لكن الصداقة المعلنة بين البلدين لم تدم.
وخلال الفترة الرئاسية لـ يوشتشينكو، قطعت روسيا إمدادات الغاز عن أوكرانيا مرتين، وتحديدا في عامي 2006 و2009، كما قُطعت أيضًا إمدادات الغاز إلى أوروبا المارة عبر أوكرانيا.
وفي عام 2008، حاول الرئيس الأمريكي، جورج دبليو بوش، ضم أوكرانيا وجورجيا إلى حلف شمال الأطلسي «ناتو»، لكن موسكو أعلنت بشكل واضح أنها لن تقبل الاستقلال التام لأوكرانيا، ولأن مسألة الانضمام للناتو لم تنجح بسرعة، حاولت أوكرانيا الارتباط بالغرب من خلال اتفاقية تعاون مع الاتحاد الأوروبي.
في صيف عام 2013، مارست موسكو ضغوطًا اقتصادية هائلة على كييف وضيقت على الواردات إلى أوكرانيا، وانطلقت بسبب ذلك احتجاجات معارضة للقرار، أدت لفراره إلى روسيا في فبراير عام 2014.
وهنا استغلت موسكو فراغ السلطة في كييف وقامت بضم القرم في مارس عام 2014، وهو ما اعتبر بداية لحرب غير معلنة، وفي الوقت نفسه، بدأت قوات روسية شبه عسكرية في حشد منطقة الدونباس الغنية بالفحم شرقي أوكرانيا من أجل انتفاضة، كما أعلنت جمهوريتان شعبيتان في دونيتسك ولوهانسك، يترأسهما روس.
الفرق العسكرية الأوكرانية قرب إيلوفايسك، وهى بلدة تقع شرق دونيتسك، تعرضت للهزيمة، وكانت لحظة محورية، لكن الحرب على جبهة موسعة انتهت في سبتمبر بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار في مينسك.
حرب بالوكالة بدونباس
بعد الاتفاق، تحول الصراع إلى حرب بالوكالة، وفي مطلع عام 2015، شن الانفصاليون هجومًا، زعمت كييف أنه كان مدعومًا بقوات روسية لا تحمل شارات تعريف، وهو ما نفته موسكو.
في خريف عام 2019 كان هناك بصيص أمل، إذ تم إحراز نجاح في سحب جنود من الجهتين المتحاربتين من بعض مناطق المواجهة. لكن منذ قمة النورماندي التي عُقدت في باريس في ديسمبر عام 2019، لم تحصل أي لقاءات، فـ«بوتين» لا يرغب في لقاء شخصي مع الرئيس الأوكراني الحالي، فلاديمير زيلينسكي، لأنه - من وجهة نظر موسكو- لا يلتزم باتفاق مينسك.
ومنذ ديسمبر عام 2021، يطلب الرئيس الروسي بشكل علني من الولايات المتحدة ألا تسمح بانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو أو تتلقى مساعدات عسكرية، لكن الحلف لم يرضخ لهذه المطالب، مما أدى إلى إزعاج موسكو بشدة من فكرة انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو»، بل ويمثل ذلك خطًا أحمر بالنسبة للرئيس الروسي بوتين.
وحاول بوتين اختبار الولايات المتحدة والغرب في الأزمة الأوكرانية مرارًا، الأولى في ربيع 2021، عندما حشد بعض القوات والعتاد العسكري على الحدود، وأدى ذلك إلى انتباه الولايات المتحدة، والتي سعت لإجراء مباحثات بين بوتين وبايدن، وبعد ذلك بأيام سحبت روسيا قواتها.
بداية الحرب
البداية كانت عندما قامت روسيا بنقل أعداد هائلة من قوات جيشها إلى المناطق القريبة من الحدود الأوكرانية.
وبدا جليا أن الحرب على المحك مع تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال خطاب، أنه سيعترف باستقلال المنطقتين الأوكرانيتين اللتين يسيطر عليهما انفصاليون مدعومون من روسيا.
وفي 15 فبراير الجاري، وبعد أن وصل عدد تلك القوات إلى 100 ألف، قال الرئيس بوتين إنه سيكون هناك انسحاب جزئي للقوات الروسية، وأكد متحدث باسم وزارة الدفاع الروسية أن بعض وحدات الجيش «بدأت بالفعل في تحميل معداتها على متن القطارات والعربات، وستبدأ اليوم العودة إلى ثكناتها العسكرية».
نوايا روسيا
وقال الرئيس فلاديمير بوتين، إن هدف روسيا يتلخص في حماية الأشخاص الذين تعرضوا على مدى ثماني سنوات لسوء المعاملة والإبادة الجماعية من قبل نظام كييف.
وشدد الرئيس بوتين على أن روسيا ستسعى جاهدة لنزع السلاح ومنع التعصب القومي في أوكرانيا، وكذلك تقديم أولئك الذين ارتكبوا العديد من الجرائم الدموية ضد المدنيين، بمن فيهم مواطنو روسيا الاتحادية، إلى العدالة"، وأنه لا توجد أية خطط لدى روسيا بخصوص احتلال أوكرانيا.