رئيس التحرير
عصام كامل

هاتولى مبارك.. أنا عايز مبارك!! (2)


لم أستطع تحمل تطرف "الاتجاه السياسى" للقائمين والموجهين لحركة "كفاية" والفصيل السائد فيها (حيث المتطرف، لا يمكنه إلا أن يرى نفسه وحلوله، دون سواه أو سواها)، حيث  إن ذاك لا يتوافق مع عقلانية التاريخ المصرى الحديث، وبالذات منذ هزيمة يونيو 1967، والتى أملت على الداخل المصرى تصرُفاته فى سياسته الخارجية، ولم تجئ الحركة التاريخية المصرية، من عنديات زُعماء مصر (عبد الناصر والسادات ومبارك)، ولكن بإملاءات "حدود الواقع" على المهزوم، وذلك حتى رغم النصر "النسبى" فى حرب أكتوبر 1973، التى كانت حرب "تحريك" وليست حرب "تحرير" (وهنا أختلف للنُخاع، مع ما قاله الرئيس السابق مبارك، فى حواره الشهير مع الإعلامى عماد أديب، حيث أكد أنها كانت "حرب تحرير"، بينما الواقع وقتها كان يحول دون ذلك، لعُمق هزيمة يونيو على المستوى "الجيو- استراتيجي")!!

وقد ناقشت القائمين على "حركة كفاية"، وما زلت أذكر جلسة طويلة جداً فى صيف 2005 جمعتنى والأستاذ جورج إسحق وغيره، فى مقر إدارة المدارس الكاثوليكية، التى كان يديرها الأستاذ إسحق، فى وسط مدينة القاهرة، وقد وافقنى الرجل إلى حدٍ كبير، على نقاط اختلافى مع البيان التأسيسى للحركة -كما فصلت فى الجزء الأول من هذا المقال- ووعدنى بأنه سيبحث تعديل نصوصه مع قيادات الحركة (وهو التعديل الذى لم يحدث).

فى تلك الأثناء، نشرت كتاباً عنوانه "تزوير دولة"، كان يدور حول تزوير الانتخابات المصرية فى مختلف العصور منذ أن وجد برلمان فى مصر، وعن كيفية النشأة الوحشية لرجل الشرطة فى أكاديمية الشرطة المصرية وبعض ممارسات أمن الدولة، وقد كتب بعض فصوله "عميد شرطة/ محمود قُطرى"، وحرره "الصديق سعيد شُعيب" (صاحب الحديث الشهير مع مهدى عاكف "طز فى مصر"، والأستاذ شعيب غنى بالأساس عن التعريف، ولكنى يجب أن أذكر شجاعته وجُرأته فى الحق، دون مُجاملات). وجمع الكتاب فى طياته أيضاً، شهادات 12 من رموز العمل الوطنى المُعارض والحاكم، وكان من ضمنهم، جورج إسحق وعبد المنعم أبو الفتوح ومجدى حسين ويحيى الجمل وسعد الدين إبراهيم، وقد نُشر الكتاب يوم 5 سبتمبر 2005، قُبيل الانتخابات الرئاسية التعددية الأولى فى تاريخ مصر بيومين (فمبارك، هو أول رئيس منتخب لمصر، مهما حاول الملوثون والمشوهون، تزوير التاريخ، وتلك حقيقة بعيدة عن المشاعر أياً كانت، لأن التاريخ يكتب بموضوعية، للتعلم من دروسه، ولا يكتب بالكره أو الحب).

ومع نشر الكتاب، أعلنت لمن أعرف، تركى "لحركة كفاية"، لأننى وجدت أن العمل المُستقل أفضل بكثير من الانضمام لحركات غير عقلانية، وبعيدة كل البُعد عن الواقع المصرى العام، لأنها تُثير الفوضى أكثر مما يمكنها أن تُصلح، وحيث ترى مصر بعيون الماضى، وليس الحاضر أو المستقبل!! وأنا (وأعوذ بالله من تكرار الكلمة رغم أننى أقص تجربة ذاتية مع ما كان) لست راغباً في بطولة أو شُهرة أو سلطة أو مال أو أن أكون كمالة عدد فى كورس بلا معنى، يُمكنه أن يفضى إلى الفوضى!! كما وجدت أن التعاون مع الحاكمين أو المعارضين (على حدٍ سواء)، فى المشاريع التى أقتنع أنها تُساهم فى رفعة بلادى، هو ما يجب أن أبتغيه أيضاً، ضمن ما ترسخ فى ذهنى من رؤية وفقاً للتجربة، على أن أُبقى على تجرُدى الفكرى!!

فى تلك الأثناء وما بعد ذلك حتى بدايات 2011، رأيت الكثير من رموز المُعارضة والفروق الواضحة ما بين ما يقولونه على المستوى الشخصى وجهاً لوجه، وما يقولونه على المستوى العام الإعلامى، وكان الكثيرون منهم لديهم علاقات لا تقبل اللبس، مع رجالات النظام السابق، حتى ولو أنكروها اليوم، كما أنكرها بعضهم، ولا يزال، منذ أحداث يناير وفبراير 2011!!

ووقتها كان الجميع يتكلم ويكتب بحرية ضد نظام مبارك، ولم يتعرض أحد فى "الأغلب الأعم"، لأدنى مُضايقات من النظام، ولا قيل عنه أنه يُهين الرئيس (بالطبع تعرض "البعض" لمُضايقات). بل شهدت تلك الحقبة انفتاحاً ديمقراطياً ملحوظاً بالذات من قبل الإعلام (دون شكوى من النظام بهذا الشكل المُكثف الذى يقوم به الإخوان اليوم)، وجرت محاكمات لرجال من الشُرطة المصرية، على تعذيبهم "المحجوزين" لديهم فى الأقسام، وسُجن ضباط بأحكام قضائية (للتذكرة: كان هذا فى عهد حبيب العادلى)!!

ويجوز لى أن أقول وأنا مُستريح للغاية لهذا الحُكم: إن تلك الحُقبة، هى التى مكنت للشباب النزول بحرية للتظاهر ضد نظام مبارك ذاته، وأن الانفتاح الديمقراطى الذى قام به مبارك، هو "البطل الأول" المُتسبب فيما عُرف إعلامياً "بثورة 25 يناير"!!

لقد كانت الفروقات تظهر لى أيضاً، ما بين أداء النظام وأداء المُعارضة التى لم تكن تطرح – فى أغلب الأحيان - بدائل حلول لمشاكل المواطنين اليومية، ولكن تهتم فقط بما يتعلق بكرسى الحكم والحاكم (وهى اليوم كما هى وقتها، ولا تمتلك الرؤيا لمصر المستقبل). وأتذكر أننى سألت يوماً (فى 2010) أحد شباب المُعارضة (وكان ممن يُصدقون رموزهم هؤلاء)، "أنتم اليوم، في المعارضة، وتقفون ضد النظام، وترون أنه يُقصيكم، فهل ستقصونه، إذا ما وصلتم للحكم  يوماً؟"، وقد رد على باندفاع: "بالقطع لا!! لن نُقصيهم"!!

وبالمناسبة، فقد كان هذا جواب أحد رموز كبار الليبراليين اليوم أيضاً، وهو ممن هادن الإخوان إلى حد الثمالة، حتى أننى قطعت أى صلة به، لأنه أثبت (ضمن الكثيرين غيره) أن النظام عندما أقصاه يوماً وكان هو يعارض ذلك، إنما كان كاذباً، لأنه مثل من عارضه تماماً!! بل إن تأييده للعزل السياسى للسابقين، إنما يدل على قمة راديكاليته، وقد أثبت وغيره، أن "الليبرالية الرسمية" فى مصر، غير مُتاحة من الأصل!!

************

لقد صار الكثيرون "فلولاً" لأنهم عارضوا تلك التى أسموها "ثورة"، وهى لم تكن إلا "إعمالاً للفوضى" تحمل شعارات "جوفاء دون تعريف لها"، وأنا لا أستطيع المُكابرة على الواقع وممارسة العناد مع النفس، فلقد صدق مبارك، عندما قال: "أنا أو الفوضى"، إن كان قد قالها بالفعل (لأننى أشُك فى أنه قالها، حيث إن مذيعة "السى أن أن" صرحت بأنه قال تلك العبارة لها، ولم نسمعه يقولها أمامنا)!! فما الذى نحياه تحديداً؟؟ هل هى نُزهة أم نحن فى رحلة إلى الإصلاح أم أننا نعيش فى جنان الديمقراطية ولا ندرى أم أننا نحيا أزهى العصور فى تاريخ مصر؟! تباً لهذا العصر إن كان الأزهى وقد أحال مصر للخراب!!

لقد حصل مرسى على كل الصلاحيات، كرئيس للجمهورية، فماذا فعل وماذا عساها أن تفعل جماعته التى تقتنص الفرصة تلو الفرصة، لفرض واقع جديد على المصريين، دون رضاهم؟ والساسة المدنيون، يواصلون التجريب في الشعب المصرى وكأننا فئران تجارب، ويبالغون فى المواقف وفى أوقات كثيرة، يُمالئون الحاكم، بل الجماعة!! والنخبة تائهة منذ اليوم الأول، بعد تلون الكثيرين فيها، حتى أصابنا منهم "عمى الألوان"!! وهناك قطيع يسير خلف من يحب من نجوم الشاشة السياسية، مثلما يسير خلف نجوم الشباك من الفنانين!!

أهكذا تُدار مصر اليوم؟! إن كان هذا كذلك، وإن كان مبارك سيئاً، فجميعهم أسوأ بمراحل!!

هاتولى مبارك .. أنا عايز مبارك!!

والله أكبر والعزة لبلادى

لينك الجزء الأول من هذا المقال:

http://www.vetogate.com/43363#.UPE69eQ-t0U

وتبقى مصر أولاً دولة مدنية

 

الجريدة الرسمية