10 مبادئ قضائية في حكم "الإدارى" بحظر الفتوي لغير المتخصصين
أرست محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، مبادئ قضائية مهمة فى حكم حظر الإفتاء على غير المتخصصين.
حظر الإفتاء
جاء ذلك بعد عدم حصول الطعن على الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، بحظر الإفتاء من غير المتخصصين لمواجهة دعاة الإرهاب، وحظر اعتلاء المنابر من غير الحاصلين على ترخيص من الأزهر الشريف أو وزارة الأوقاف بحسب الأحوال.
وكان المواطن (م.ك.ك) بعزبة حجاج بدمنهور التابعة لمحافظة البحيرة فى يونيو 2021 حصل على شهادة من جدول المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة بعدم حصول الطعن سالف الذكر.
10 مبادئ
وتضمنت المبادئ العشرة ما يلي:
1- الفتاوى لغير المتخصصين واتخاذهم السوشيال ميديا كمنابر ترتب أثاراَ خطيرة سيئة على الأجيال الحالية واللاحقة.
2-التجارب المريرة التى عاشها الوطن من استخدام منابر المساجد والزوايا لاستغلال البسطاء بثت روح الفتنة والعنف.
3- المحكمة تحدد للمجتهد شروطًا للصحة، والإفتاء بالغ الدقة فى الفقه الإسلامي فلا يمارسه العوام.
4- قصر الإفتاء على المؤسسات الدينية للدولة المؤهلة بحكم ولايتها وخبرتها وتخصصها ،فلا يجوز الإفتاء بغير شروط.
5-المشرع لم يضع تعريفًا للمجتهد، ويوجد فراغ تشريعى – وليس شرعيًا - لتنظيم عملية الإفتاء فى المجتمع المصرى.6-قرار رئيس الجمهورية المؤقت 2014 بممارسة الخطابة خلا من تجريم استخدام منابر المساجد والزوايا لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية.
7- مستجدات العصر فى المسائل الخلافية بحاجة إلى اجتهاد جماعي وليس فرديًا فلا ينفرد بها فقيه واحد.
8- الجماعات الإرهابية تتخذ من وسائل التواصل الاجتماعي منابر للإضرار بالدولة ويجب استنهاض همة المشرع للتجريم.
9- شرور فتاوى منابر الزوايا والسوشيال ميديا دعاة التطرف تستغل الدين سعيًا للسلطة أو جلبًا للمال.
10-توصم الدعوة بالضلال والظلام يصيب المجتمع من خلل وتفكك واضطراب وفوضى لا يعلم مداها.
الفكر المتشدد
قالت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة في حكمها الذى أصبح نهائيًا وباتًا، إنه على ضوء التجارب المريرة التي عاشها الوطن من جراء استخدام المساجد خاصة الزوايا فى استغلال البسطاء والفقر والجهل لجذب المؤيدين بين التيارات الدينية المختلفة مما نجم عنه بث روح الفتنة والفرقة فى الوطن الواحد أدت إلى التنابز اللفظي والعنف المادي مما تسبب فى ضياع كثير من أرواح المواطنين وتخريب الممتلكات نتيجة لتطرف الفكر المتشدد بغير علم.
وأنه لا يجوز مطلقًا استخدام منابر المساجد والزوايا لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية أو للدعاية الانتخابية، لما فى ذلك من تعارض مع قدسية المسجد والإضرار بالمصالح العليا للبلاد، فاحترام حرمة المساجد – والزوايا فى حكمها - أمر واجب، ولا يصح أن تكون بيوت الله محلا للزج بها فى الخلافات التى تنشب بين التيارات الدينية المتصارعة على أمور لا ترقى إلى جلال المساجد ورسالتها المضيئة بما يؤدى إلى انقسام الأمة أو بث روح البغضاء، فالمسجد له من السمو والقدسية لتجميع المسلمين لا تفريقهم، ولم شمل الأمة بشعب الإيمان والفضائل لأداء حقوق الله والوطن واستلهام الرشد ما يجعله منزها عن كل دعوات التشدد أو الاستغلال السياسى بإسم الدين.
وأضافت المحكمة أنه وفقًا لقرار رئيس الجمهورية المؤقت رقم 51 لسنة 2014 بشأن ممارسة الخطابة والدروس الدينية فى المساجد وما فى حكمها استلزمت فيمن يمارس الخطابة أو أداء الدروس الدينية بالمساجد وما فى حكمها الحصول على تصريح أو ترخيص من شيخ الأزهر الشريف أو وزير الأوقاف بحسب الأحوال.
وفى ميدان الرقابة الحقيقية على خطباء المساجد والزوايا فإنها تقع فى المقام الأول على عاتق وزارة الأوقاف والعاملين المتخصصين بها الذين يصدر بتحديدهم قرار من وزير العدل بالاتفاق مع وزير الأوقاف ممن يمنحون صفة الضبطية القضائية بشأن تطبيق أحكام القرار الجمهورى لعام 2014 المشار إليه.
وأشارت المحكمة أنه يتعين قصر الإفتاء على المؤسسات الدينية للدولة المؤهلة بحكم ولايتها وخبرتها وتخصصها، فلا يجوز الإفتاء بغير شروط، وشروط الإفتاء ليست بالأمر اليسير فى الفقه الإسلامي حتى يمارسه العوام، وإنما هو أمر بالغ الدقة والصعوبة يستفرغ فيه المجتهد وسعه لتحصيل حكم شرعي يقتدر به على استخراج الأحكام الشرعية من ماَخذها واستنباطها من أدلتها، وعلى ذلك يجب أن يشترط فى المجتهد شروطًا للصحة أهمها: أن يكون عارفًا بكتاب الله ومعاني الاَيات والعلم بمفرادتها وفهم قواعد اللغة العربية، وكيفية دلالة الألفاظ وحكم خواص اللفظ من عموم وخصوص وحقيقة ومجاز وإطلاق ومعرفة أصول الفقه كالعام والخاص والمطلق والمقيد والنص والظاهر والمجمل والمبين والمنطوق والمفهوم والمحكم والمتشابه، وهى مسائل دقيقة للغاية تغم على عموم الناس من أدعياء الدين طالبي الشهرة ومثيرى الفتنة وجامعى الأموال والدين منهم براء، وهى فى الحق تستلزم التأهيل فى علوم الدين.
تجريم الإفتاء
وأوضحت المحكمة أنها تناشد المشرع بضرورة تجريم الإفتاء من غير أهله المتخصصين بالمؤسسات الدينية التابعة للدولة التى تخاطب كل مسلم فى العالم وليس مصر فحسب، ومناشدته كذلك بصدد قانون ممارسة الخطابة بتجريم استخدام منابر المساجد والزوايا لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية أو للدعاية الانتخابية حتى ولو كان مرخصا له بالخطابة، وهو الأمر الذى خلا منه قرار رئيس الجمهورية المؤقت رقم 51 لسنة 2014 بشأن ممارسة الخطابة والدروس الدينية فى المساجد وما فى حكمها، لأن استخدام الخطيب للمنبر فى غير أهداف الخطابة والانحراف بها فى أتون السياسة سعيا لتأييد طرف ضد أخر، يجعله قد خالف شروطها، والقاعدة الفقهية تقرر أن المسلمين عند شروطهم، خاصة فى ظل الظروف العاتية التي تواجه العالم لمحاربة الإرهاب ودعاة الفكر الشيطاني التكفيري، وتبذل فيه مصر وحدها بحكم ريادتها للعالم الإسلامي غاية جهدها لمواجهة هذا الإرهاب للحفاظ على كيان المجتمع واستقراره ورعاية المصالح العليا للأمة .
وكشفت المحكمة ولأول مرة عن أن المشرع لم يضع تعريفًا للمجتهد، كما أن هناك فراغا تشريعيا – وليس شرعيًا - بشأن ايجاد تنظيم تشريعي متكامل لعملية الإفتاء في المجتمع المصري وهو ما يسبب مشكلات جمة، فمن يتصدى للفتوى من غير المتخصصين أو ممن ينقصهم اتقان التخصص فإنه ليس بأهل للفتوى ولا يجوز له ذلك، فعلماء الأمة قديمًا وحديثًا تواترت أراؤهم على وجوب توافر مواصفات محددة فى المجتهد الذى يجوز له أن يفتي للناس في أمور دينهم ودنياهم، ونهى غير المتخصصين الذين لا تتوافر في شأنهم أهلية الاجتهاد أو ممن ينقصهم اتقان التخصص عن التجرؤ على الاجتهاد والإفتاء بدون علم، لما يترتب على ذلك من مأسي دينية ودنيوية أو الإساءة إلى الإسلام وتشويه صورة المسلمين بين مختلف الشعوب.
كبار الفقهاء
وذكرت المحكمة أنه تأسيًا بمسلك كبار الفقهاء الأوائل الذين أسسوا مدارس فقهية لها مناهجها العلمية فكانوا يتحرجون من الفتوى على عكس الأمر الحاصل الاَن من تجرؤ غير المتخصصين على الإفتاء الذين يجب عليهم الابتعاد عن دائرة الاجتهاد، حتى لا يصعب الأمر على المتلقى فى اختيار من يتلقى منه الفتاوى، ويجب أن يقتصر الإفتاء على العلماء الثقات الذين يجيدون الغوص فى بحر الاجتهاد المتلاطمة أمواجه القادرين على استنباط الحكم الشرعي المؤسس على فقه سليم، فحاجة المسلمين فى كل مكان إلى الإفتاء السليم الذى يربط بين العقيدة الصحيحة ومستجدات العصر فى ظل الثورة العلمية التكنولوجية وما أفرزته من قضايا مستجدة، خاصة إزاء تقدم العلوم وتنوع التخصصات، فإن المسألة التى تتعدد فيها وجهات النظر وتختلف فيها الرؤى تكون بحاجة إلى نظر جماعي، أى الاجتهاد الجماعي لا الاجتهاد الفردي، تأسيسا على أن المسألة الواحدة التى تنازعتها فتويان فإن الأمر يقتضى ترجيح واختيار الفتوى الأصوب والأرجح، فالمسائل الخلافية التى تتعدد فيها اَراء العلماء لا يجوز أن ينفرد بالإفتاء فيها فقيه واحد، فيكون الاجتهاد الجماعي هو السبيل الوحيد للإفتاء فيها للعامة لترجيح واختيار الفتوى الأصوب والأرجح، فليس كل ما يعلم بين العلماء المتخصصين يقال للعامة وإلا أحدثوا فتنة وأثاروا بلبلة وعدم استقرار فى المجتمع الدينى.
إصدار الفتاوى
واختتمت المحكمة أنه نتيجة لإقدام غير المتخصصين من أهل العلم والفتيا على إصدار الفتاوى غير المسندة التى يبثونها عبر منابر العالم الافتراضى فى وسائل التواصل الاجتماعى كافة وقنواتهم الخاصة أو عبر بعض المساجد والزوايا، ترتب أثارًا خطيرة سيئة على الأجيال الحالية واللاحقة لما تتضمنه من الإخبار عن حكم الله فى مسألة ما، فيحرفون مقاصد الإسلام السمحاء، ولا ترقى إلى مستوى الاجتهاد وتوصم بالدعوة بالضلال والظلام مما يصيب المجتمع من خلل وتفكك واضطراب وفوضى لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى، ووقى الله البلاد من أخطار شرور فتاوى دعاة التشدد والتطرف واستغلال الدين سعيًا للسلطة أو جلبًا للمال مما يستلزم استنهاض الهمم.