قرار المركزي قد يزيد الأسعار اشتعالا
أصدر محافظ البنك المركزي يوم الإثنين الماضي قرارا بـ وقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ كافة العمليات الاستيرادية اعتبارًا من مارس المقبل. وقد استثنى القرار فروع الشركات الأجنبية والشركات التابعة لها والسماح للبنوك بقبول مستندات التحصيل الواردة عن بضائع تم شحنها بالفعل قبل صدور هذا القرار. فماذا يعني هذا القرار؟ وكيف سيكون له تأثير سلبي على ارتفاع الأسعار؟
نذكر أن مستندات التحصيل التي قرر البنك المركزي إيقاف التعامل بها هي عبارة عن علاقة ودية بين المستورد والمصدر، نابعة من علاقة الثقة بين الطرفين دون توافر اعتماد بنكي، ويكون دور البنك مجرد وسيطًا في تحويل قيمة البضاعة للدولة المصدرة، مع سداد المستورد رسومًا منخفضة. فعملية الاستيراد تكون من خلال طريقتين فقط في البنوك، وهي فتح الاعتمادات المستندية أو مستندات التحصيل والأخيرة هي التي ألغيت.
والطريقة التي ألغيت هي الطريقة الأمثل والأفضل لدى المستوردين خاصة الشركات المتوسطة لأن العلاقة تكون بين المستورد والمصدر دون إي التزام على البنك أو مراقبة العملية بالكامل، فالمستورد يذهب للمصدر ويرى السلعة ويتفق على ثمنها ويفاوض كما شاء، ويطلب مواصفات كما شاء، في إطار سعر محدد ثم بعد ذلك يضع المال في البنك بموجب مستندات التحصيل ليرسلها البنك لحساب المصدر في دولته، وهذه الطريقة تحمي المستورد من البيروقراطية المعروفة عن الموظفين وتسمح ل المستورد المناورة كيفما شاء مع المصدر وفي النهاية يدفع مبلغا محددا قيمة أتعاب البنك.
ارتفاع الأسعار
ويؤكد البنك المركزي أن الإلغاء يأتي في إطار توجيهات مجلس الوزراء بشأن حوكمة عمليات الاستيراد، وتفعيل منظومة التسجيل المسبق للشحنات التي سيبدأ تطبيقها إلزاميا اعتبارا من بداية شهر مارس المقبل بصورة كاملة. كما يهدف القرار لإطلاع البنوك على عملية الاستيراد بشكل كامل للحد من عمليات التلاعب في قيمة الفواتير والتهرب من سداد الجمارك.
إلى هنا والكلام طيب، لكن وعلى الرغم من قول بعض المصرفيين –طبعا التابعين ل البنك المركزي– أن هذا القرار قمة الإيجابية وليس له سلبيات مطلقا، إلا أن الحقيقة المشاهدة غير ذلك، فالقرار له إيجابيات كما أن له سلبيات، ومن السلبيات التي ستلحق بهذا القرار أن السلع المستوردة يقينا سوف يرتفع سعرها وذلك أمر بدهي منطقي لا يحتاج إلى اجتهاد، فعندما يكون للبنك دور مؤثر متحكم في دورة السلعة منذ الاختيار وإلى أن تكون في يد المستهلك، فمعنى ذلك أن الرسوم المقدمة للبنك سترتفع بقوة، وبالتالي تلك الرسوم لن يتحملها بالطبع المستورد وسيحملها على السلعة ليتحملها المستهلك. كما أننا سنجد بعض المستوردين يحجم عن الاستيراد في ظل هذه القيود الجديدة وبالتالي يقل المعروض من السلعة في السوق المصري مما يؤدي لارتفاع أسعارها.
كما أن ذلك القرار سيؤدي إلى ربكة في التعامل الخارجي الذي كان قد استقر على طبيعة تعامل محددة، لكن بعد هذا القرار قد تمتنع بعض الدول والجهات الخارجية عن التعامل بهذه القيود الجديدة، وهذا الأمر ما أكدته الغرفة التجارية بالإسكندرية والتي جاء في بيانها الصادر بشأن هذا القرار: "إن القرار جاء في توقيت لا يتماشى مع جهود الدولة في هذه المرحلة بشأن وضع مصر الإقليمي والدولي ممثلًا في السياسات التجارية وخاصة المعنية بالتجارة الخارجية، وعليه فإننا نأمل من محافظ البنك المركزي بإعادة النظر في القرار والرجوع عن تنفيذ تعليماته في أسرع وقت ممكن قبل حدوث بلبلة على الصعيد الخارجي، خاصة في ضوء التطورات الأخيرة للعلاقات الدولية المصرية، والتي جاء أهمها في طعن الإتحاد الأوروبي في الإجراءات التي تشترطها مصر بشأن تسجيل الواردات".
إرباك السوق
وأضاف البيان، أنه على الصعيد المحلي فسيكون له آثارًا سلبية في إرباك السوق والإخلال بآليات العرض والطلب مما ينتج عنه ارتفاع في أسعار السلع بشكل لا يتوافق مع غالبية القوى الشرائية المحلية، حيث تحظى الواردات بأهمية نسبية تتمثل في تلبية أولويات ومتطلبات عمليات الإنتاج من السلع الرأسمالية والوسيطة والأولية والمواد الخام ومستلزمات التعبئة، بما ينعكس إيجابيًا على القدرة التصديرية للدولة، وجذب الاستثمارات الأجنبية والتي تخلق فرص العمل مما يساهم في رفع مستوى معيشة المواطن بما يتماشى مع رؤية الجمهورية الجديدة.
وأشار البيان، إلى أن هيكل الواردات المصرية في الوقت الراهن هو هيكل تنموي في المقام الأول، حيث أن النسبة الأعلى بهيكل الواردات هي سلع إنتاجية سواء وسيطة واستثمارية ومواد الخام والتي تتراوح نسبتها بين 70 و72% من إجمالي الواردات المصرية غير البترولية خلال الثلاث سنوات السابقة، بمتوسط 48 مليار دولار سنويًا.
بالإضافة أن إجمالي الواردات من السلع الاستهلاكية غير المعمرة الضرورية والأدوية، والسلع الاستهلاكية الضرورية كاللحوم والأسماك المجمدة والألبان والتي تفوق نسبتها متوسط 21 %من الإجمالي العام للواردات غير البترولية، بقيمة تقارب 14 مليار دولار، وبالتالي فإن الاستمرار في القيود الإدارية والإجراءات الحمائية تؤدي بشكل عام إلى إلحاق أضرار جسيمة للمنتجين المصريين وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة فضلا عن أن العرض الكلي المحلي غير قادر على سد احتياجات السوق في ظل معدلات طلب محلية مرتفعة.
وأوضح البيان أن من بين سلبيات تعليمات البنك المركزي أنه لم يتم نشرها بطريقة تضمن علم كافة الجهات المتعاملة مع البنوك بهذا القرار بالشكل الذي رسمه القانون، فضلا عن أن البنك المركزي له السلطة أن يصدر ما يراه من تعليمات تخص التمويل والائتمان، هذا في حال طلب المستورد تمويلا او ائتمانًا، أما في حالة قيام المستورد بالتمويل الذاتي فإن تدخل البنك في العلاقة بين المستورد والمورد فيما يخص أسلوب سداد قيمة الواردات ليس له أي مرجعية في التشريعات القائمة.