حب حتى الموت!
على هدي أبيها الخليفة المستكفي - الخليفة الأموي الأخير - عاشت ولادة حياة العبث واللهو.. إلا من أوقات ضربت فيها المثل للمرأة العربية التي تهتم بالأدب والشعر كأول من تطلق "صالونًا" أدبيًّا سبقت به الكثيرات (مي زيادة وغيرها) ممن أشرفن في بيوتهن على جلسات للشعراء والأدباء.
في مجلسها أشعر ابن زيدون.. شاعر الأندلس الرقيق إن لم يكن أرق شعراء عصره.. وأشعرت أمامه.. فكان سهم الغرام ذهب وعاد يحمل الحب هنا كما حمله هناك.. واعتادت حضوره واعتاد الحضور حتى ضاق المكان بها وبه!
"التقيا حيث التقيا.. فقالت تشجعه:
ترقب إذا جن الظلام زيارتي
فإني رأيت الليل أكتم سرا..
وبي منك ما لو كان بالبدر ما بدا
وبالليل ما أدجى وبالنجم لم يسر"!
نار الغرام
فأشعر يقول:
"ودع الصبر محب ودعك
ذائع من سره ما استودعك
يقرع السن عَلى أَن لم يكن
زاد في تلك الخطا إذ شيعك"
واستمرت اللقاءات.. تزيد نار الغرام لهيبًا بلغ حد الغيرة القاتلة ضدهما من أحد وزراء الخليفة الذي راح بالوشاية يبلغ ويشيع.. وقيل إن غيرتها هي التي ذبحت حبهما تحت أقدامهما عندما طلب ابن زيدون من جاريتها أن تعيد له ما شدت وأنشدت.. فانطلقت الغيرة تطيح بكل ما حولها وتحولت إلى جحيم يحرق ما حولها فأشعرت تقول:
"لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا
لم تهو جاريتي ولم تتخير..
وتركت غصنًا مثمرًا بجماله
وجنحت للغصن الذي لم يثمرِ"!
ارتبطت هي بصاحب الفتنة بعد أن ألقى شباكه حولها وخطبها وعلى الجانب الآخر انتهى الأمر إلى سجن ابن زيدون ثم هروبه إلى إشبيلية وهناك صار اقترب من السلطة ورفعه شعره وسيرته وزيرًا وصار صاحب شأن ليعود إلى شعره فقال:
"واغتنم صفو الليالي
إنما العيش اختلاس"!
وقال:
"هل لداعيك مجيب
أَم لشاكيك طبيب..
يا قريبًا حين ينأى
حاضرًا حين يغيب"!
وقال.. فيما قال:
"صبرًا.. لعل الذي بالبعد أمرضني
بالقرب يومًا يداويني.. فيشفيني"!
وعاش غريبًا ليبقي على الذكرى ويرحل وحيدًا بغير زواج على مشارف السبعين من عمره.. أما عندها فقد اكتشفت "ولادة" الفتنة والحيلة التي فرقتها عن ابن زيدون لتنهي خطبتها وتعيش طويلًا وحيدة وتبقي على الذكرى وترحل على مشارف الثمانين دون زواج!