تقاليد متوارثة منذ القدم.. لماذا تعشق الصوفية العزف على الناي بحلقات الذكر؟
ترتبط الصوفية بتاريخ طويل بآلة الناي، تمثل لها الشوق والحب الشديد الذي يشعر به الصوفي عندما يتوق إلى الله، فيجد فيها الحب والمثالية في المشاعر والسلوك، وهو ما يجعل بعضهم يبكي بشدة تأثرا من عزف الناي على أحد الأطروحات الصوفية.
ألم الانفصال عن الله
يرى المتصوفة أن الناي يستطيع بعناية توصيف ألم الانفصال عن الله، كما يستطيع أيضا التعبير عن الشوق الشديد لتذويب العالم المادي، والتجاوز منه إلى العالم الروحي، من خلال الاستماع إلى الموسيقى والترديد والدوران في حلقات ذكر للوصول في النهاية إلى نشوة روحية تقرب العبد من ربه.
والصوت والموسيقى أساسيان في جوهر التصوف، حيث تعتبر الموسيقى وسيلة للمؤمن للاقتراب من الله، ولاسيما لو كانت هناك أغان ومنشد يحمل شخصية ودودة تناسب صوت الناي.
وتعرف الصوفية حلقات الذكر بالناي منذ حدود القرن السادس الهجري، واستمرت وتصاعدت شعبيتها طوال القرون اللاحقة، وكان لها دائما أهمية سياسية وفنية، إذ كانت محافل الدراويش هي الأماكن الأكثر ارتباطا في نفوس المسلمين بالشجن والتسامح والتعبير عن الواقع المعاش وعلاقته بالقرب أو الابتعاد عن الله.
مركزية جلال الدين الرومي
يعتبر الإمام جلال الدين الرومي، أحد مؤسسي هذا التقليد في التاريخ الإسلامي، وحتى الآن يرتبط باسمه معظم الأشعار التي تنشد في حلقات الذكر، والتي اشتهرت بتسامحه هو وأنصاره مع غير المسلمين أيًّا كان معتقدهم وعرقهم، وكانت الطريقة المولوية ـ إسم حلقة الذكر ـ ولازالت تشتهر بالرقص الدائرى لمدة ساعات طويلة، حول مركز الدائرة التي يقف فيها شيخ الطريقة أو الحلقة.
يندمج المتصوفة مع بعضهم البعض في مشاعر روحية سامية على أنغام الناي، حيث ترقى بنفوسهم إلى مرتبة الصفاء الروحي، فيتخلصون من المشاعر النفسية السيئة، ويستغرقون في هيام كامل يبعدهم عن العالم المادي، ويأخذهم إلى الوجود الإلهي بحسب المتصوفة.
عن التصوف
والصوفية أو التصوف هو مذهب إسلامي، لكن وفق الرؤية الصوفية ليست مذهبًا، وإنما هو أحد مراتب الدين الثلاثة الإسلام، الإيمان، الإحسان، ومثلما اهتم الفقه بتعاليم شريعة الإسلام، وعلم العقيدة بالإيمان، اهتم التصوف بتحقيق مقام الإحسان والسلوك وتربية النفس والقلب وتطهيرهما من الرذائل وتحليتهما بالفضائل، وهو الركن الثالث من أركان الدين الإسلامي الكامل بعد ركني الإسلام والإيمان، بحسب الصوفية.
وانتشرت حركة التصوف في العالم الإسلامي مع قدوم القرن الثالث الهجري كنزعات فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة، ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقا مميزة متنوعة معروفة باسم الطرق الصوفية.
ويزخر التاريخ الإسلامي بعلماء مسلمين انتسبوا للتصوف مثل الجنيد البغدادي، وأحمد الرفاعي، وعبد القادر الجيلاني، أحمد البدوي، وإبراهيم الدسوقي وأبو الحسن الشاذلي، وأبو مدين الغوث، ومحي الدين بن عربي، وشمس التبريزي، وجلال الدين الرومي، والنووي، والغزالي، والعز بن عبد السلام، وانتسب أيضا من القادة التاريخيون للصوفية كل من، صلاح الدين الأيوبي، ومحمد الفاتح، والأمير عبد القادر، وعمر المختار.
وقال الإمام الصوفي أحمد بن عجيبة: «مقام الإسلام يُعبّر عنه بالشريعة، ومقام الإيمان بالطريقة، ومقام الإحسان بالحقيقة، فالشريعة تكليف الظواهر والطريقة تصفية الضمائر والحقيقة شهود الحق في تجليات المظاهر.
ويضيف: الشريعة أن تعبد الله، والطريقة أن تقصده، والحقيقة أن تشهده، وقال أيضًا: الصوفية هي تصفية البواطن بالرياضة والجهاد بقصد التزيد في الإيمان، والإحسان كما تضمنه حديث جبريل هو: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.