قبل ساعة الصفر.. أيام قبل انفجار أزمة الحدود الاوكرانية بين موسكو والغرب
يعيش العالم حالة من الترقب المحموم مع احتدام الازمة الروسية الاوكرانية وما تحمله من عواقب وخيمة ممكن ان تزج بالعالم في اتون حرب عالمية ثالثة بين الدول العظمى.
20 فبراير الجاري
حيث يعتبر العديد من المراقبين ان تاريخ 20 فبراير سيكون بمثابة ساعة الصفر المحتملة لاتخاذ قرار حاسم حول موسكو بينما تتزايد الشكوك حول قدرة الأطراف المتصارعة على تخفيف التوتر في ضواء فشل المفاوضات المتكرر بين روسيا والغرب.
و أجرى الرئيس الامريكي جو بايدن اليوم اجتماع عاجل مع عدد من قادة حلف الناتو وشركاء آخرين للولايات المتحدة لبحث أزمة الغزو الروسي المحتمل لاوكرانيا.
ازمة غزو اوكرانيا
وناقش بايدن اليوم مع قادة العديد من حلفاء الناتو، الحشد العسكري الروسي المتصاعد على الحدود الأوكرانية.
وقال البيت الأبيض إن بايدن تحدث مع قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة وكندا وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي وبولندا ورومانيا، خلال اجتماع عبر الاتصال المرئي، حسبما نقلت شبكة "سي إن بي سي".
ولم يكن اللقاء مدرجا في جدول أعمال الرئيس الرسمي الذي صدر الليلة الماضية وفقا للشبكة، التي قالت إن ذلك يشير إلى أنه ربما جرى الترتيب له في اللحظة الأخيرة، وهو أمر غير مألوف بالنسبة لمكالمة تضم العديد من قادة العالم.
فيما مسئول الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، الجمعة، إن الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا "قد يبدأ في أي لحظة".
وأوضح سوليفان في مؤتمر صحفي من البيت الأبيض، أن روسيا ستبدأ هجومها على أوكرانيا جوا قبل أن تبدأ عملية الغزو البري، لكنه لم يحدد موعدا مؤكدا للاجتياح.
وأضاف أن "الهجوم الروسي يشمل العاصمة كييف وأجزاء أخرى من أوكرانيا"، مشيرا إلى أن موسكو "ستبحث عن ذريعة أو عمل مضلل لغزو أوكرانيا".
وكرر سوليفان مطالبة الأميركيين في أوكرانيا بمغادرة البلاد "فورا".
حلف الناتو
ومن جهة أخرى، قال سوليفان إن القوات الأميركية في شرق أوروبا "لن تخوض حربا ضد روسيا في أوكرانيا"، لكنه أوضح أن "قواتنا في شرق أوروبا تحت تصرف حلف الناتو".
ويجري حاليا وزير الدفاع البريطاني زيارة الى روسيا لمحاولة اقرار تفاهم بين موسكو والغرب حول الازمة الاوكرانية
وكان بذل القادة الأوروبيون جهودا دبلوماسية في محاولة للتوسط للحيلولة دون انفجار الوضع والانزلاق لمواجهة بين أطراف تملك قوى الردع النووي.
ومع استمرار التعزيزات العسكرية لكل من القوات الروسية وحلف شمال الأطلسي (الناتو) حول أوكرانيا، يحبس العالم انفاسه خوفا من مواجهة كارثية لقوى الردع النووية ما سيتسبب في كارثة عالمية تكيف ان تبيد البشرية.
ونشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تحليل ليوجين تشوسوفسكي، الزميل غير المقيم في معهد نيولاينز البحثي والذي كشف من خلاله ان تاريخ 20 فبراير الجاري سيعد نقطة حاسمة في الصراع الروسي الاوكراني.
وقال تشوسوفسكي خلال التحليل إن هذا التاريخ يمثل موعد نهاية التدريبات العسكرية الروسية مع بيلاروسيا، ونهاية أولمبياد بكين الشتوي، وذكرى غزو موسكو لشبه جزيرة القرم في 2014.
وأضاف أن هذه الذكرى السنوية الأخيرة هي تذكير بأن الصراع الأوكراني استمر لقرابة السنوات الثماني بالرغم من الجهود المختلفة في الوساطة الدولية، متسائلًا عن السبب في فشل الوساطة إلى حد الآن.
أصل الصراع في أوكرانيا
ورأى أن البداية المفيدة للإجابة عن السؤال تتمثل في أصل الصراع في أوكرانيا، الذي لم يبدأ في 2014، عندما ضمت روسيا القرم ودعمت تمرد الانفصاليين في شرق أوكرانيا، بل بدأ في نوفمبر من عام 2013 بقرار الرئيس الأوكراني آنذاك فيكتور يانوكوفيتش بالانسحاب المفاجئ من المحادثات مع الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاق التجارة الحرة والشراكة، والاتجاه بدلًا من ذلك إلى تكامل أوثق مع روسيا.
وأدت تلك الخطوة إلى احتجاجات حاشدة استمرت على مدار شهور في كييف، أدت في المقابل إلى الإطاحة بيانوكوفيتش في فبراير 2014 واستبداله بحكومة موالية للغرب في أوكرانيا، فيما أصبح يعرف باسم ثورة الميدان الأوروبي.
ومنذ البداية، فسرت روسيا والغرب تلك التطورات بشكل مختلف، واعتبرت الولايات المتحدة وحلفاؤها "الميدان الأوروبي" بمثابة انتصار شعبي للديمقراطية على حكومة فاسدة ومستبدة.
واعتبرته روسيا انقلابا غير قانوني دعمه الغرب لا سيما الولايات المتحدة في محاولة لتوسيع نفوذهم شرقا.
ومن ثم، اعتبرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي انتفاضة الانفصاليين في شرق أوكرانيا بمثابة مشاركة روسية مباشرة في الصراع، في حين صورت موسكو هذه الانتفاضة بنفس المصطلحات التي استخدمها الغرب في الميدان الأوروبي: رفض شعبي لحكومة أوكرانية لا يؤيدها المواطنون المحليون واعتبروها غير شرعية.
التمرد الانفصالي شرق أوكرانيا
وفي حين دعمت روسيا وشاركت في التمرد الانفصالي شرق أوكرانيا، تتمثل وجهة نظر موسكو في أن هذا لا يختلف عن الدعم الغربي للاحتجاجات في كييف التي أدت إلى سقوط حكومة يانوكوفيتش.
ورأى يوجين تشوسوفسكي أن تلك التفسيرات المختلفة بين روسيا والغرب بشأن أصل الصراع الأوكراني خيمت بظلالها على عملية الوساطة لحل الصراع من البداية.
وبعد الأشهر الأولى للقتال بمنطقة دونباس، تم إرساء صيغة تفاوضية في يونيو عام 2014 في شكل مجموعة الاتصال الثلاثية بشأن أوكرانيا، التي تتكون من ثلاثة أطراف وهي أوكرانيا وروسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بصفتها وسيطا.
وإلى جانب مجموعة الاتصال الثلاثية، تم وضع صيغة تفاوضية أخرى في نفس الشهر، والتي اتخذت شكل "رباعية نورماندي"، وتضمنت أوكرانيا ووروسيا كطرفين، وألمانيا وفرنسا كوسيطين.
وفي حين ركزت مجموعة الاتصال الثلاثية في الأساس على المسائل التكتيكية والأمنية، كانت محادثات رباعية نورماندي أكثر تركيزا على الناحية الاستراتيجية وكانت تستهدف التعامل مع القضايا السياسية الأشمل المتعلقة بالصراع.
وكان العامل الأكثر تعقيدا في عملية الوساطة بالنسبة لكل من المجموعة الثلاثية ورباعية نورماندي هو بشأن دور روسيا في الصراع الأوكراني. فعلى عكس القرم، لم تتدخل روسيا عسكريا بشكل مباشر في شرق أوكرانيا.
الصراع بقدرة هجينة
وبدلًا من ذلك، شاركت في الصراع بقدرة هجينة، حيث دعمت الانفصاليين سرا بالعتاد ونشر آلاف من الأفراد العسكريين والأمنيين المجهولين لتعزيز قوات الانفصاليين، وكان لذلك تأثير مهم على عملية الوساطة.
وبحسب تشوسوفسكي، تدعم تلك التفسيرات المختلفة للصراع الأوكراني، سواء كانت أصوله أو كيفية حله المواجهة الراهنة بين موسكو والغرب بشأن أوكرانيا، لكنها تشير أيضًا إلى شيء أعمق يقود تلك المواجهة، وهو صدام وجهات النظر الروسية والغربية بشأن الهيكل الأمني لأوروبا بأكملها.
وقال تشوسوفسكي، في تحليله المنشور بـ"فورين بوليسي"، إن الكرملين لم يكن أبدًا مرتاحًا لتوسع الاتحاد الأوروبي، لا سيما الناتو، بالأراضي السوفيتية السابقة في حقبة ما بعد الحرب الباردة، ويرى بوتين أن ثورة الميدان الأوروبي في أوكرانيا مجرد مقدمة أخرى لمثل هذا التوسع، سواء كان رسميًا أم بحكم الواقع.
واعتبر تشوسوفسكي أن أوكرانيا مهمة، لكنها مجرد جزء من عملية التفاوض الحقيقية التي تحاول روسيا دفعها، ما يفسر المطالب الأمنية الشاملة التي قدمتها موسكو إلى الولايات المتحدة والناتو نهاية ديسمبر 2021.
واختتم تحليله بالقول إنه سيكون من الصعب أن تحرز المفاوضات تقدما حقيقيا ما لم يقر الطرفان بأن مثل تلك المفاوضات لا تدور حول أوكرانيا فحسب، وإنما سائر العلاقة بين روسيا والغرب.
وبين اهداف الشرق والغرب يبقى السؤال قائما هل تنجح جهود الوساطة في نزع فتيل الازمة الاوروبية والخروج من سيناريو الكارثة المتمثل في الصراع المسلح بين دول الردع النووي؛ ام يظل سيناريو احتقان ما قبل الحرب العالمية قائما مع التصعيد من كلا الطرفين في انتظر عود ثقاب لاشعال حرب عالمية جديدة لن تنجو منها البشرية.