يعتبرونه تراثيًا مثلهم.. سر إنكار السلفية انتماء سلطان الأولياء عبد القادر الجيلاني للصوفية
ينكر السلفية دائما انتماء الداعية العملاق في التاريخ الإسلامي عبد القادر الجيلاني للصوفية، يرفضون تماما سيرته في الزهد، ويعتبرون من الظلم انتساب الرجل لهذه الفكرة، ومن ثم تشييد قبور باسمه والتبرك بها، مع أن هناك طريقة كبرى تنتسب إليه وهي الطريقة القادرية.
ويرفض السلف انتساب القادرية إلى الإمام الجيلاني رغم اتساع رقعتها، حيث ينتشر أتباعها في أغلب البلدان العربية والإسلامية، من سوريا إلى تركيا والعراق والمغرب والجزائر وفلسطين، ومن لبنان إلى الصومال وتنزانيا وكينيا، ومن روسيا إلى مصر والسودان والنيجر ومالي وغينيا وتشاد وأفغانستان وباكستان.. فما قصة السلف مع القادرية ؟
من هو عبد القادر الجيلاني ؟
عبد القادر الجيلي أو الجيلاني أو الكيلاني، هو أبو محمد عبد القادر بن موسى بن عبد الله، يعرف ويلقب في التراث المغاربي بالشيخ بوعلام الجيلاني، وفي مصر وبلدان سوريا والعراق يعرف بعبد القادر الجيلاني، ويلقب بسلطان الأولياء، وهو إمام صوفي وفقيه حنبلي شافعي، ويلقبه أتباعه بـ«باز الله الأشهب» وتاج العارفين، ومحيي الدين، وقطب بغداد، وإليه تنتسب الطريقة القادرية الصوفية.
ولد الجيلاني في 11 ربيع الثاني لعام 470 هـ ــ 1077 م، وحتى الآن هناك خلاف على محل ولادتهِ، حيث توجد روايات متعددة أهمها القول بولادتهِ في جيلان شمال إيران حاليًا على ضفاف بحر قزوين، لكن هناك قول آخر يؤكد أنه ولد في جيلان العراق، وهي قرية تاريخية قرب المدائن تبعد حوالي 40 كيلو متر جنوب بغداد.
الرأي الأخير تثبته الدراسات التاريخية الأكاديمية، وتعتمده العائلة الكيلانية ببغداد، حيث نشأ عبد القادر في أسرة وصفتها المصادر بالصالحة، فقد كان والده أبو صالح موسى معروفًا بالزهد، وكان شعاره مجاهدة النفس وتزكيتها بالأعمال الصالحة، ولهذا كان لقبهُ محب الجهاد.
الجيلاني وتلقى العلم
نال عبد القادر الجيلاني قسطًا من علوم الشريعة في طفولته من خلال أسرته، ثم رحل إلى بغداد عام 488 هـ الموافق 1095 م وعمره ثمانية عشر عامًا في عهد الخليفة العباسي المستظهر بالله، طلبا للمزيد من العلم.
بعد أن استقر في بغداد، انتسب إلى مدرسة الشيخ أبو سعيد المخرمي التي كانت تقع في حارة باب الأزج، في أقصى الشرق من جانب الرصافة، وتسمى الآن محلة باب الشيخ، وكان العهد الذي قدم فيه الشيخ الجيلاني إلى بغداد تسوده الفوضى بكافة أنحاء الدولة العباسية بسبب الحملات الصليبية والصراعات الفكرية والمذهبية بين المسلمين.
اشتعال الخلافات الفكرية
اشتعل الصراع الفكري في هذا الزمن بين الفرق الكلامية والمذاهب الفقهية، وجرى إحياء الصراع القديم في مسائل السياسة والعقائد، وتصاعدت سلطة الفرق والمذاهب في ضم وتجنيد المسلمين في صفوفها، الأمر الذي عمق من هذا الصراع.
لكن في الوقت نفسه، تميز زمن الجيلاني بارتفاع عدد الزهاد والمتصوفة للبحث عن الخلاص الفردي لا الجماعي بعيدا عن الانتحار بالفرقة والصراع، ونتيجة لسوء الأحوال سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وإثارة الفتن الدموية بين المسلمين، على شاكلة الفتنة التي نشبت بين العلويين الشيعة والشافعية عام 554 هـ.
تركت هذه الأحداث أثرًا عميقًا في نفس الإمام الجيلاني، الذي قرر أن يكرس حياته للوعظ والتدريس، واستطاع بالموعظة الحسنة أن يرد كثيرًا من الحكام الظالمين عن ظلمهم، وأن يرد كثيرًا من الضالين عن ضلالتهم، حيث كان الوزراء والأمراء والأعيان يحضرون مجالسه، وكانت عامة الناس أشد تأثرًا بوعظه.
بحسب العديد من المصادر، تاب على يدي الجيلاني أكثر من مائة ألف من قطاع الطرق، كما أسلم على يديه ما يزيد على خمسة الآف، وكان الشيخ يسيطر على قلوب المستمعين إلى وعظه لدرجه أهلته إلى وراثة شيخه أبو سعيد المبارك المخزومي في مدرسته.
شعبية الجيلاني جعلت مدرسة شيخه تضيق بالمريدين فأضاف إليها ما جاورها من المنازل والأمكنة بما يزيد على أضعاف مساحتها، وبذل الأغنياء أموالهم في عمارتها، وعمل الفقراء فيها بأنفسهم حتى تم بناؤها كاملة سنة 528 هـ الموافق 1133م، وصارت منسوبة إليه.
علم عبد القادر الجيلاني
كان الشيخ عبد القادر عالما يتقن ثلاثة عشر علمًا من علوم اللغة والشريعة، وكان يقرأ القرآن بالقراءات ويفتي على مذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل، وهناك رواية تقول أنه أفتى أيضا على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان.
كانت خطب الجيلاني عبارة عن وصايا ورسائل وحكم وأقوال وأدعية ومناجاة ومحاورات أهتم في أكثرها بموضوعات يكثر فيها القول عن التصوف السليم وأحواله ومقاماته والمناجاة والحب الإلهي والورع والتقوى.
وأسس الإمام الجيلاني طريقته وفق الكتاب والسنة حتى لا يكثر الشطط والنقصان والتغيير والابتداع ويدعي المشيخة من يقدر ومن لا يقدر ومن يعلم ومن لا يعلم، فوضع الشيخ ضوابط وشروط صارمة ينبغي أن تتوفر بالشيخ المرشد الذي يتصدر للإرشاد
رفض السلفية انتساب الجيلاني للصوفية
بعض من هذه المعطيات، جعلت السلفية ترى الإمام عبد القادر الجيلاني من أشد المشايخ الذين ظُلموا في انتسابهم للصوفية، ورفضوا تشييدهم القبور باسمه، ورفضوا أيضا أن يكون شيخا للمتصوفة، بل شككووا في انتساب الطريقة القادرية إليه.
ويرى السلف أن الجيلاني هو عالم سني سلفي؛ ويستشهدون بحديث إبن تيمية عنه والذي قال فيه: إنه من أعظم مشايخ زمانه في الالتزام الشرع، والأمر والنهي، وتقديمه على الذوق والقدر، ومن أعظم المشايخ أمرا بترك الهوى والإرادة النفسية.
كما يستشهد السلف أيضا بقول القطب السلفي صالح الفوزان وتأكيده أن عبد القادر الجيلاني ليس صوفيا وإنما هو إمام من قدماء أئمة الحنابلة، ويزعم الفوزان أن الطريقة القادرية المنسوبة إليه مكذوبة عليه وليست طريقة له.