رئيس التحرير
عصام كامل

من أسرار الصيام


من أسرار الصيام الاجتماعية، أنه تذكير عملي بجوع المحرومين وبؤس البائسين بغير موعظة بليغة ولا لسان فصيح، تذكير يسمعه الصائم من صوت المعدة ونداء الأمعاء، فالذي نبت وترعرع في أحضان النعمة ولم يعرف طعم الجوع ولم يذق مرارة العطش لعله يظن أن الناس كلهم علي وتيرته، وأنه مادام يعيش في رخاء فالناس مثله ومادام يطعم لحم طير مما يشتهي وفاكهة مما يتخير فلن يحرم الناس الخبز والبقول.


ومن حكمة الصوم، أن الجوع فيه ضريبة إجبارية يدفعها الموسر والمعسر ويؤديها من يملك القناطير المقنطرة ومن لا يملك قوت يومه، حتي يشعر الغني أن هناك بطوناً خاوية وأحشاءً لا تجد ما يسد الرمق ويطفئ الظمأ، وحري بالإنسان وإنسانيته وكذا إسلام المسلم وإيمان المؤمن أن يرق قلبه وأن يعطي المحتاجين وأن يمد يده إلي المساكين، فالله تعالي رحيم ويرحم من عباده الرحماء، وقد روي أن يوسف عليه السلام كان يكثر من الصيام وهو علي خزائن الأرض بيديه المالية والتموين فسئل في ذلك فقال (أخاف أن أشبع فأنسي الجائع والفقير)، ونحن في صيامنا هذه الأيام لا ننسي إخواننا وعشيرتنا الأقربين الجوعي والعرايا في كثير من البلاد الإسلامية، فقد فقدوا أسط بديهيات المعيشة الإنسانية.

يبرهن علي ذلك ما تناقلته وسائل الإعلام ولم يلتفت إليه أحد، حيث نشر أن أحد سكان رفح بقطاع غزة ويحمل هوية رقم (...) ورب أسرة مكونة من 7 أفراد ويطمع في بيع بعضهم أو تبني أحدهم وبالشروط المتعارف عليها، بالتأكيد من قرأ الإعلان وشاهده ربما حسبه نوعاً من المزاح المفرط أو الضيق الذي صاحبه في أوقات الشدة والرأي الثاني هو الصحيح المعتمد ولكن يالها من طامة كبري .

إنه إعلان واقعي يعني صاحبه ما يقول، فقد جال بخاطره التخلص من زينة الحياة الدنيا ولما لا وهو يراهم يتجرعون مرارة الجوع والحرمان والقهر، وهو وإن كان يعاني شظف العيش وقله الزاد إلا أنه رأي الحل في تخفيف العبء عن كاهل السفينة لينجو بالآخرين.

لم يحدث هذا في عام الرمادة، زمن الخليفة العادل عمر بن الخطاب، عندما هلك الحرث والنسل وجف الضرع وأكل عمر الزيت حتي اسود وجهه ولم يحدث في بلاد الواق واق بل حدث في فلسطين وهي لمن لا يعرف مسري رسولنا محمد صلي الله عليه وسلم ومولد عيسى بن مريم، ولك أن تتساءل: كم أسرة فلسطينية تعيش هذه الظروف الصعبة لا نعلمهم الله وحده أعلم بما يعانونه من حرمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
الجريدة الرسمية