تفاصيل الخطة الفرنسية لاستئصال التنظيمات الدينية من أوروبا.. تعرف "دبة النملة" وحددت ساعة الصفر
تسابق فرنسا الزمن لتسويق رؤيتها لتفكيك الإسلام السياسى واستئصاله من أوروبا، بعد أن نجحت تماما فى دحر أوكار الإسلاميين وقطع صلتهم مع الخارج وإلزامهم بالقانون الفرنسى، وما زالت تعمل على إنهاء نفوذهم الذى تشكل على مدار عقود.
وحتى تتمدد خطتها فى كل أنحاء أوروبا، جهزت فرنسا خطة متكاملة ترتكز على تشكيل تحالفات تضم المزيد من البلدان الغربية لمواجهة تيارات أصبحت تعتبرها الخطر الأساسى على الهوية الأوروبية والحداثة والمنهج الغربى فى الحقوق والحريات، ولا بديل عن المواجهة الحاسمة والبتر لا المهادنة.
لكن كيف نجحت فرنسا فى مواجهة خطر التيارات الإسلامية وما هى تفاصيل خطتها للإصلاح التى تريد تعميمها على البلدان التى لا تزال تتحسس الخطى أو لا تعرف من أين تبدأ فى مواجهة الأزمة دون تكلفة تستهدف سمعتها الديمقراطية أو تماسك مجتمعها؟
الخطة الفرنسية
تعرف فرنسا أن العديد من البلدان الغربية أصبحت تتسق مع الرؤية الفرنسية وتعمل على نسخها ربما بطرق أكثر تشددًا على شاكلة النمسا، وهى من البلدان التى تعتبر كما هو الحال فى فرنسا كل تيارات الإسلام السياسى عدوها الرئيسي.
ووفقا لمصادر، فإن جاذبية الخطة الفرنسية أنها لا تستثنى أي تيارات دينية من المواجهة التى أشعلتها، الجميع بالنسبة لها يهدف لإنجاح سيناريو هدم الحداثة وتدميرها تمهيدا لإعادة إحياء الخلافة بغض النظر عن الوسيلة واختلاف النمط الذى يحقق هذا الهدف، وبالتالى استئصال التيارات الدينية الجهادية والعنيفة والسلفية فى أبسط صورها الهدف الأول، ثم تعطيل التيارات التى تروج لما يسمى بالإسلام الحضارى أو الإسلام الإصلاحى بأقصى قدر ممكن.
وأوضحت أن هناك قبولا متزايدا من البلدان الغربية المعادية للإسلام السياسى لتطبيق الرؤية الفرنسية التى أصبحت بنظرهم حجر الزاوية فى مواجهة خصم نجح فى مد جذوره فى البيئة الغربية، وأصبح يشكل أزمة لا يمكن بترها مرة واحدة، وفرض على أعتى البلدان الغربية إدارة الأزمة وتقليل إخطارها ثم دمجها فى النمط اليومى، تمهيدا لطرد من يريد فرض رؤيته على الثقافة الغربية.
المواجهة
وقالت المصادر: إن أحد الجوانب التى أصبحت تعزز النهج الفرنسى للبلدان المعادية للإسلام السياسى هى قدرته على المواجهة، قديما كانت التيارات الدينية تلاعب الأنظمة الغربية بقدرتها على الحشد، لكن الآن الحكومة الفرنسية تلوح بالمقصلة الأمنية والقانونية لكل من يخالف قوانين الجمهورية وتقاليدها، ولا تأبه بالمرة بالحشود الجماهيرية لأنصار الإسلاميين، بل تتخذ خطوات رد فعل أعنف بإغلاق المقار والمساجد التى يستخدمها المتطرفون وترحيل العناصر الإيثارية، وعزل الأئمة الذى يرفضون الالتزام بالقيم المدنية الفرنسية.
حصرت فرنسا الجماعات التى تعيش على أرضها ودرست نهجها وصنفتها جيدًا تمهيدًا للقضاء عليها جميعا، إما بمحاصرتها أمنيا أو ثقافيا بإجبارها على التخلى عن قناعاتها، دون أن تمنحها أي خيارات إضافية، فإما تغيير القناعات والتخلى عن التنظيم والولاء للخارج وفهم طبيعة المجتمعات الغربية أو المغادرة.
ترفض فرنسا شعارات عدم اللجوء للعنف والسلمية التى تروجها بعض تيارات الإسلام السياسى عن نفسها، وترى الأزمة أكبر بكثير من قضية العنف، فالثقافة والكراهية وسياسة التغيير من أسفل والاستقطاب التى تمارسها الجماعات على أمل التغيير البعيد فى تركيبة المجتمعات سياسة كانت ولازالت تستخدمها فى الشرق والغرب، وهو ما لم يعد مسموحا به فى فرنسا، إما أن يكون فرنسى النزعة والثقافة أو لن يسمح له بالحصول على الجنسية والمميزات والإقامة.
وبحسب المصادر، فإن قدرة الوصفة الفرنسية على الحسم فى ملف بهذا التعقيد، جعلها تنتقل إلى كل بلدان المواجهة الغربية ضد الإسلام السياسى بنفس التفاصيل، فلم تعد التيارات الدينية وأنصارها تسلم مع التفتيش الدائم للأمن أو الهجمات المستمرة لأجهزة المخابرات على مقارها، وتتبع شبكات تمويلها لإجبارها على تفكيكها ومحاسبتها بالقانون وقطع أي صلة لها بالبلدان المعروفة بقدرتها على تحريك هذه التنظيمات لصحالها.
حددت كل بلدان المواجهة طريقة تلقى الأموال كتبرعات أو بأى شكل كان، ومن أي جهة، حتى تضمين تفكيك المزيد من الهياكل الدينية التى كانت تستمد قوتها منذ عقود طويلة من التمويل الخارجى، لكن الآن أصبح التضييق والمحاصرة الحل الأكثر سلمية لهدم هذه العقلية فى البلاد.
حرب التفاصيل
تميز النموذج الفرنسى فى محاربة الإسلام السياسى باختراق التفاصيل، عرف جيدا أن التيارات الدينية تعمل كوحدة واحدة وما زالت من أخطر عوائق التواصل السلمى بين الغرب والعالم الإسلامى بسبب القاموس الذى تستخدمه كل التيارات بلا استثناء وكل مفرداته معادية تماما للثقافة الغربية.
عملت الأجهزة الفرنسية على تجميع المعجم الأفكار والكتب التى تعتبر مرجع للتيارات الدينية، وكان ذلك كافيا لتفهم جيدا أن المشروع الدينى لا يمكن إلباسه زى المعارضة السياسية سواء فى الشرق أو الغرب، وبالتالى احتواؤه من البلدان الغربية خطر كبير، فلا هدف حقيقى لهذه المعارضة إلا التمكين ثم هدم النظام الديمقراطى بأكمله وإقامة نظام دينى أو شبه ديمقراطى على مقاس التيارات الدينية فقط، حيث يتبارى الإخوان والسلفيون وغيرهم من الجماعات الدينية فى المنافسة على الحكم، ولن يسمح لغيرهم بذلك.
من هذه المجهودات الضخمة أصبح لدى فرنسا خبرة كبرى فى معرفة كل كبيرة وصغيرة عن الإسلاميين، بعد أن حددت الأسس الفكرية والثقافية التى ينطلقون منها، ووصلت فى النهاية إلى قناعة خاصة عن التيارات الدينية ومشروعها الذى يسعى لتجريم الحاضر تمهيدا للاستحواذ التام على المستقبل سواء بالشرق أو الغرب.
لم تترك فرنسا جزءا من الملف الدينى لم تدرسه، استوعبت التداخلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وعرفت أن إستراتيجية التجاهل الغربية القديمة التى كانت تترك لهم الحبل على الغارب بدعوى فصل العام عن الخاص واحترام الخصوصية الدينية للأفراد والجماعات، كان سر صعود وقوة التيارات الإسلامية فى أوروبا، الأمر الذى انعكس على تمويل تنظيمات الداخل فى الشرق الأوسط، وأوصلهم إلى الحكم بشعارات مدنية، كل ثراث الإسلاميين يرفضه ولا يتبناه ولا يعرف كيف يطبقه، ولهذا فشلوا بأسرع مما وصلوا للحكم.
وأكدت المصادر أن فرنسا درست سر تمسك التيارات الدينية بالعداء للغرب، وعرفت أن رواية الاستعمار والحساسية الدينية التى رسختها عن هذه الحقبة واعتبارها حربا على الإسلام فى المقام الأول من أهم أوراقها الانتخابية التى تربحها كل المنافسات بدون برنامج أو رؤية حقيقية، فيكفى أن تلعب على مشاعر الناس وحميتهم الدينية حتى تكتسح منافسيها، ولهذا ترفض تغيير هذه المظلومية، رغم تغيير نظرة العالم لمنطق الاستعمار، واعتذار أغلب البلدان الغربية عنه ودفع تعويضات عن الفترات التى شهدت انتهاكات جرى الاعتراف بها.
دراسة آباء العنف
وقفت الرؤية الفرنسية على حقيقة سلوك غالبية اللاعبين الرئيسيين فى التيارات الدينية منذ قرن، بداية من حسن البنا مرورًا بسيد قطب وأبى الأعلى المودودى نهاية بأسامة بن لادن وأيمن الظواهرى وأبو بكر البغدادى ومن الإخوان إلى داعش.
لم تترك فرنسا أحدا لم تدرسه جيدا، من العوام للنخب الدينية، والمثير أنها درست تاريخهم القديم سواء الذى كانوا يعتنقون الشيوعية سياسيا مثل عادل حسين، أو الذين أعلنوا تبنيهم للفكر الإصلاحى مثل راشد الغنوشى، ولهذا استطاعت الآن أن تحظى بإعجاب أكثر من اختلفوا معها، ويوما بعد الآخر تتزايد الحاجة لاستنساخ المشروع الفرنسى خوفا من مستقبل غير مأمون العواقب مع تيارات انفصالية استطاعت بالفعل الانفصال بالقرى والأحياء الهامشية فى الغرب وتشكل فيها سلطة فعلية تديرها على هواها ووفق رؤيتها بما ينذر بتمددها مستقبلا لابتلاع هذه الدول.