الشروع في الانتحار بين العلاج والعقاب
طبقا لما ورد في صحيفة المصري اليوم يوم السبت الموافق 8 يناير 2022م، تقدم أحد السادة نواب مجلس الشعب بمشروع قانون يعاقب من يقوم بمحاولة انتحار بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه، وبإيداعه أحد المصحات العلاجية لمدة لا تقل عن ثلاث شهور ولا تزيد عن ثلاث سنوات.
وربما جاء هذا المشروع ردا على تزايد حالات الانتحار بين الشباب في الفترة الأخيرة، فهل هذا القانون سيصدر مدفوعا بالرغبة في تحجيم هذه الظاهرة أم بعوامل أخرى مثل الحرج الذي تسببه حالات الانتحار للمؤسسات المختلفة والتي يمكن أن تتوجه لها إشارات تقصير في حق الشباب، أو هي مخاوف من انتشار الانتحار كموضة بين المراهقين والشباب يقلدون بعضهم في الإتيان بهذا الفعل، أم أن الذيوع الإعلامي لحالات الانتحار أصبح يسبب إزعاجا للضمير المجتمعي..
أم أن الانتحار –وخاصة النوع الاحتجاجي منه– يسبب ضغطا سياسيا مثل الذي انتحر على لوحة إعلانات، أو على كوبري قصر النيل، أو تحت عجلات المترو، أو من فوق برج الجزيرة، أو من شرفة سيتي ستارز، تلك الحالات التي أرادت أن تبعث بانتحارها رسائل موجعة للمجتمع في لحظة موتها؟
أسباب الانتحار
والقانون المصري الحالي لا يجرم الانتحار أو الشروع فيه، وإنما يجرم التحريض على الانتحار طبقا لنص المادة 177 من قانون العقوبات، لقيام المحرض بتحسين أمر يعد جناية في القانون.. والرقم العالمى المتوسط لمعدل الانتحار هو 12 شخصا لكل 100،000 من مجموع السكان، وهناك ما يسمى بحزام الانتحار وهو يضم الدول الاسكندنافية وسويزرلاند وألمانيا والنمسا ودول أوروبا الشرقية بالإضافة إلى اليابان حيث يبلغ معدل الانتحار فى هذه الدول 25 شخصًا لكل 100،000 من السكان.
وأعلى معدل للانتحار قد سجل فى هنجارى (المجر) وهو 35 منتحر لكل 100،000 من السكان. وفى المقابل وجد أن أقل معدلات الانتحار 10 لكل 100،000 من السكان أو أقل من ذلك توجد فى مصر وأيرلندا وأسبانيا وايطاليا. وفي تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر عام 2016 ورد أن هناك حالة انتحار في العالم كل 40 ثانية، أي بمعدل 800000 حالة انتحار سنويا، وأن نصف المنتحرين دون سن 45 سنة. وفي فئة الشباب 15-29 سنة يأتي الانتحار في المرتبة الثانية لأسباب الوفاة بعد حوادث الطرق. وفي نفس التقرير ورد أن عدد المنتحرين في مصر سنويا 3799، منهم 3205 رجال و704 نساء.
ومن المعروف علميا أن نصف حالات الانتحار كانوا مصابين بالاكتئاب، ونسب أخرى كانوا مصابين بالفصام، أو اضطراب تعاطي المخدرات، أو اضطراب وجداني ثنائي القطب، أو اضطرابات في الجهاز العصبي، أو أمراض جسمانية خاصة لو كانت مزمنة، أي أن حوالي 98 % من حالات الإنتحار كان وراءها أسباب مرضية. ونحن نفرق بين حالات الإنتحار التي تمت بالفعل وبين محاولات الإنتحار، وهي أكبر بكثير من حالات الانتحار، وتلك هي المقصودة بالقانون وهي تنقسم إلى أنواع عديدة طبقا لدوافعها نذكرها فيما يلي:
1 – محاولة الانتحار بسبب مرض نفسي أو عضوي
2 – محاولة الانتحار لجذب الاهتمام
3 – محاولة الانتحار لتحقيق الابتزاز العاطفي للأسرة أو المجتمع
4 – محاولة الانتحار كاحتجاج سياسي أو مجتمعي
5 – محاولة الانتحار كصرخة استغاثة وطلب مساعدة
6 – محاولة الانتحار كتعبير عن الفشل العاطفي
7 – محاولة الانتحار بسبب ضغوط اقتصادية
8 – محاولة الانتحار بسبب تقلبات فكرية أو عقائدية أو دينية
9 – محاولة الانتحار بسبب إحباط ويأس وغضب
ونرى من استعراض هذه الحالات أن غالبيتهم يحتاجون للمساعدة ولكن كل بطريقة تناسب دوافعه وظروفه، ومن هنا كان التعامل في كل بلاد العالم المتحضر مع حالات الإنتحار –أيا كان نوعها– تعاملا علاجيا على المستوى الطبي والاجتماعي والنفسي والروحي والاقتصادي والسياسي والديني، وذلك من خلال دراسة كل حالة على حدة ثم تحديد دوافع الشخص واحتياجاته، ثم التعامل معها بهدف تخفيف المعاناة والألم، ومساعدة الشخص على تحقيق احتياجاته بطرق أكثر إيجابية ونضجا. وفي حالة وجود عوامل خطورة على الشخص يتم إيداعه بقرار طبي في أحد المصحات العلاجية، وتتحدد مدة العلاج طبقا لرؤية الفريق الطبي.
خطوات معالجة المشكلة
أما مشروع القانون المقدم للمجلس فعلى الرغم من أن ظاهر نصوصه ترمي إلى مساعدة محاولي الانتحار على التوقف عن هذا الفعل، إلا أن الجانب العقابي واضح من خلال الغرامة المادية (10000-50000 جنيه)، والإيداع القسري في المصحة (ثلاث شهور – ثلاث سنوات)، ومن أين لهذا الشخص الذي أحاطت به الضغوط ويئس من الحياة أن يدفع هذه الغرامة، وهل الإيداع القسري سيعيد إليه توازنه وسلامه النفسي. يضاف إلى ذلك مخالفة مشروع هذا القانون بشكله الحالي للقواعد الطبية العالمية في التعامل مع حالات الإنتحار والذي يتجه دائما توجها علاجيا لا عقابيا، وهذا قد يسبب حرجا للمؤسسات الطبية في مصر مثل وزارة الصحة، ونقابة الأطباء، والجمعية المصرية للطب النفسي، ويسئ إلى تلك المنظومات العلاجية.
إذن كيف نتعامل مع هذه الحالات المتزايدة للانتحار ومحاولات الانتحار؟
أولا، يجب دراسة كل حالة من حالات الإنتحار من خلال لجنة تضم طبيبا نفسيا وأخصائيا اجتماعيا وأحد علماء الدين وممثلا عن رجال الأمن، ويتم اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال هذه الحالة والحالات المشابهة، وإصدار التوصيات للجهات المختصة لعلاج أي خلل نتجت عنه حالة الانتحار.
ثانيا، عرض كل حالة محاولة انتحار عرضا إلزاميا يفرضه القانون على لجنة طبية تقوم بتقييم الحالة ثم تحدد احتياجات الحالة من العلاج، وإذا رأت خطورة في الحالة فلها أن تقوم بتطبيق العلاج الإلزامي للشخص في مصحة علاجية طبقا لمواد قانون رعاية المريض النفسي الصادر عام 2009 م، ويوضع هذا المريض تحت الملاحظة للإنتحار طبقا للمعايير الطبية، ولا يخرج من المصحة إلا بقرار من اللجنة المختصة (التابعة للمجلس القومي للصحة النفسية وفروعه الإقليمية).
ثالثا، عمل بحث اجتماعي للشخص الذي حاول الانتحار ولأسرته للوقوف على الظروف التي أدت لذلك الفعل وتقديم الدعم والمساعدة في حالة وجود حاجة لها.
رابعا، في حالة محاولة الإنتحار لجذب الإهتمام أو لإبتزاز الأسرة أو المجتمع يتم إخضاع الشخص لبرنامج تأهيلي إلزامي تحدده لجنة من طبيبين إضافة إلى أخصائي اجتماعي تابع لوزارة التضامن الاجتماعي، ويتم التأهيل في مراكز الدفاع الاجتماعي التابعة للوزارة المذكورة.