رئيس التحرير
عصام كامل

مدير مشروع التكيف مع آثار التغيرات المناخية بوزارة الري: مهمتنا حماية 70 كم من سواحل الدلتا من الغرق بمواد صديقة للبيئة ( حوار )

الدكتور محمد أحمد
الدكتور محمد أحمد خبير حماية الشواطىء

>> المشروع يموله صندوق المناخ الأخضر بمنحة 490 مليون جنيه بدأ عام 2018 وينتهي في 2025

>> انتهينا حتى الأن من 50 كيلو ومتبقى 20 كيلو سيتم إنجازهم أواخر 2022 والمشروع ينتهى 2025

>> استخدمنا نواتج تطهير البحيرات في حماية شواطيء الدلتا

>> 4 مدن جديدة على السواحل الشمالية نعمل على حمايتها بمواد صديقة للبيئة
>> لدينا خطة متكاملة لإدارة المناطق الساحلية من السلوم وحتى رفح  
>> إنشاء نظام لاجهزة الرصد على السواحل الشمالية لتسجيل منسوب المياه في النقاط المختلفة 
>> كفر الشيخ هى أكثر السواحل هشاشة في الدلتا
>> نجاح مهمة حماية  البيوت والمزارع والمناطق الاستثمارية من زحف المياه في كفر الشيخ بالبوص والرمال
>> تكلفة المنشآت التي نقوم بها ربع تكلفة مثيلتها المصنعة من الخرسانة

 

 

تضغط التغيرات المناخية على العالم كما لم يحدث من قبل، فخلال العشر سنوات الأخيرة تغير كل شيء من حولنا، وأصبح البشر في قلب مواجهة شرسة ومباشرة مع الظواهر المناخية المتطرفة التي قلبت الحقائق والمعتقدات المستقرة عن المناخ رأسا على عقب وبدأت عصرا جديدًا يحتاج إلى الدراسة المتأنية والحذر لمعرفة إلى أين سيقودنا المناخ الجديد الذي يتشكل على كوكب الأرض الأن، وهو الأمر الذي يدفع بضرورة التكيف كما يجب مع التغيرات المناخية وآثارها العنيفة التي قد تأكل الأخضر واليابس وتجعل البشر على اعتاب عصر إنقراض جديد لا أحد يعلم مداه.

الدكتور محمد أحمد مدير مشروع "تعزيز التكيف مع آثار التغيرات المناخية فى دلتا النيل والساحل الشمالى، بوزارة الري"، يعتبر أحد القائمين على قيادة واحد من أهم المشروعات التطبيقية  التي تستهدف حماية أكثر الأماكن هشاشة في دلتا النيل، من عنفوان البحر وارتفاع منسوبه في مواجهة الانخفاضات الأرضية في أكثر نقاط دلتا النيل حيوية، وكان لـ "فيتو" معه هذا الحوار:

*بداية عرفنا على طبيعة المشروع وأهدافه؟
الهدف الاساسي من مشروع تعزيز التكيف مع آثار التغيرات المناخية فى دلتا النيل والساحل الشمالى هو التخطيط السليم لحماية المناطق الساحلية على البحر المتوسط من مخاطر التغيرات المناخية بطول السواحل الشمالية وخاصة سواحل دلتا النيل لإنها من المناطق التي تشهد نشاطا اقتصاديا كبيرا وتعتبر أكبر تجمع بشري في مصر، كما إنها الأكثر انخفاضا وأول المناطق التي تغمرها المياه وتتوغل فيها في حالة ارتفاع منسوب مياه البحر، فالتغيرات المناخية تضيف تحديا كبيرا على المناطق الساحلية، ويحاول المشروع حلها والتكيف معها من خلال محورين الاول هو حماية المناطق المهددة حاليا من التغيرات المناخية في منطقة الدلتا وهو المكون الأول من المشروع إلى جانب المكون الثاني وهو التخطيط لوضع خطة متكاملة لإدارة للساحل الشمالي بالكامل تضمن التنمية المستدامة لتلك المناطق وتكيفها مع المشكلات التي تقابلها  ومنها التغيرات المناخية

 

*كم منطقة يعمل بها المشروع في الدلتا وعلى أى أساس تم اختيارها؟
نطاق أعمال الحماية المنفذة من جانب المشروع يقع في 5 محافظات هم البحيرة وكفر الشيخ والدقهلية ودمياط وبورسعيد، وتم الاختيار بناء على الحاجة الملحة لحماية عملية التنمية والاستثمار في تلك المناطق أو لوضعها الحرج من حيث انخفاض الأرض وارتفاع منسوب مياه البحر مقابلها، وأعمال الحماية التي  يتم إنشاؤها في هذه المحافظات تعتبر جزءا محوريا في حماية عملية التنمية في مدن رشيد الجديدة والمنصورة الجديدة ودمياط الجديدة، وهى مشروعات استثمارية وتنموية عملاقة تنفذها الدولة حاليا على سواحل الدلتا الشمالية وتواجه مشكلات زحف مياه البحر وغمرها لليابسة.


وللتوضيح فالمشروع الحالي والممول من صندوق المناخ الأخضر بمنحة كاملة قيمتها 490 مليون جنيه بدأ عام 2018 وينتهي في 2025، هو امتداد لمشروع سابق نفذته وزارة الموارد المائية والري كان هدفه إختيار نماذج منخفضة التكاليف وصديقة للبيئة يمكنها الحماية من الغمر الناتج عن ارتفاع  منسوب سطح البحر، والتركيز على النماذج غير التقليدية، بخلاف الحوائط والرؤوس والخرسانات المكلفة جدا ماديا، وكذلك تحديد إمكانية وضع الخطة الكاملة لإدارة السواحل الشمالية بالكامل من حيث البيانات ومنظومة الإدارة والتجهيزات، 

وبناء على مخرجات المشروع السابق نجحت الدولة المصرية ممثلة في وزارات الموارد المائية والري والخارجية والبيئة وبالتعاون مع البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة فى الحصول على منحة لهذا المشروع  بهذه القيمة المادية الجيدة مما يعتبر نجاح كبير للدولة المصرية في مجال التكيف مع آثار التغيرات المناخية. 
 

الدكتور محمد أحمد مشروع مدير مشرو تعزيز التكيف مع آثار التغيرات المناخية فى دلتا النيل والساحل الشمالى

*هل يعمل المشروع على تسرب مياه البحر أسفل اراضي الدلتا؟ 

المشروع يركز على حماية الدلتا من الغمر لأنه الأمر الاسرع تأثيرا على الحياة الطبيعية بشكل عام، ودعني أذكر في هذه النقطه بإننا قبل عام 2010 لم نكن نعاني من عمليات غمر المياه لليابسة بشكل كبير، ولكن منذ ذلك التاريخ تعرضت الإسكندرية لنوة شتوية عنيفة تسببت في غرق الشوارع والشواطيء والمنشأت الواقعة بالقرب من البحر بل وهددت المياه سلامة الطريق الدولي الساحلي الذي يعتبر محورا رئيسيا يربط المحافظات الشمالية في شمال الدلتا ومصر، ومن هذا التاريخ دق جرس الانذار واصبحت النوات العنيفة تتكرر بصورة شبه سنوية بعد أن كانت تتكرر على فترات طويلة، وذلك بسبب الإنقلاب غير المتوقع في المناخ.

 

*ما هي أكثر المناطق ضعفا في شمال الدلتا؟

 

كفر الشيخ هى أكثر السواحل هشاشة في الدلتا، ولذلك أولينا اهتماما كبيرًا بحماية المنطقة التي وقع عليها الاختيار هناك وطولها 30 كيلو متر، وهي منطقة تنمية مهمة وفي غاية الحساسية نظرا لإنها منطقة نشاط اقتصادي وزراعي وعمراني وصناعي كبيرة، وتطل على الطريق الدولي الساحلي، إلى جانب مدينة مطوبس الصناعية ومجموعة من القري الخاصة بالصيادين ومحطة كهرباء البرلس والشركة المصرية للرمال السوداء، فكل تلك الاستثمارات والانشطة في مرمى غمر المياه الجامح في لحظات التغير المناخي، لذلك كانت مسئوليتنا كبيرة في تنفيذ نموذج حماية مناسب إنشائيا وماديا ومستدام، لذلك شيدنا منشآت حماية مصنعة من نواتج تكريك بحيرة البرلس وهي في ظهير المنطقة المنفذ بها المشروع، وتم إجراء عملية "دمك" لنواتج التكريك بدون أي إضافات خرسانية أو مواد كيميائية وأجرينا اختبارات للمنشأ المشيدة من المواد الصديقة للبيئة، واكتشفنا أن المنشأ غير قابل لتغلغل المياه خلاله، وبعده يتم تغطية المنشأ بالرمال.

 

*وهل هذا كافي لصمود المنشأ أمام زحف المياه ؟

بالتأكيد والدليل هو صمود المنشآت حتى الأن بل زادت تلك المنشأت صلابة وقوة ومقاومة للمياه والسبب كان أهالي كفر الشيخ القاطنين في المنطقة من محترفي الصيد، بعد أن لفتوا نظرنا لأمرين مهمين جدا قبل تنفيذ الأعمال، الأول هو ضرورة ازاحة منشأت الحماية للخلف بضعة أمتار لاتاحة مساحة من اليابسة للصيادين للعمل وهي ملاحظة كشفتها الحوارات المفتوحة مع الأهالي أصحاب الخبرة بطبيعة المنطقة، وكشفوا لنا بعدها عن أمر هام جدا وهو طريقتهم التقليدية في حماية أنفسهم من زحف المياه خلال الشتاء والتي تعتمد على رص حواجز مصنعة من أعواد البوص بطول المناطق التي يقطنون فيها قبل دخول الشتاء بفترة معينة لتتراكم أمام تلك الحواجزالرمال بفعل الرياح وتشكل حائط صد طبيعي لحماية منازلهم من الغرق بفعل النوة، وهو ما استفدنا به  من خلال وضعنا حواجز البوص الطبيعية أعلى المنشأت بعد الانتهاء منها لتتراكم الرمال حول المنشأ وأعلاه  وبالتالي يزداد قوة وصلابة من حيث مقاومته للمياه، وهو ما نجحنا في تطبيقه، ووفرنا للاهالي فرص عمل في تصنيع شباك من بوص بحيرة البرلس، وتكونت ما يشبه الكثبان الرملية الاصطناعية أمام البحر، خلال 6 أو 7 شهور فقط، ونجحت مهمة حماية  البيوت والمزارع والمناطق الاستثمارية من زحف المياه، وعمر المنشأ يصل إلى 25 سنة وقابل للصيانة والتعلية وفقا لمنسوب ارتفاع مياه البحر وهبوط الأرض في المنطقة.

 

نموذج الحماية بعد امتلاءه بالرمال

 

 

*هل طبقتم نفس المنشأ في مناطق آخرى ؟

كل منشأ يكون صالحا لظروف منطقته فلكل منطقة متطلباتها، ومثال على ذلك استخدامنا لنفس فكرة منشأ كفر الشيخ ولكن بشكل أخر في أعمال حماية دمياط الجديدة بتحويل المنشأ إلى ممشي سياحي وتجميله بالنباتات البرية والأرضيات الصخرية الطبيعية وانارة من الطاقة المتجددة ليعطي شكلا جماليا يتناسب مع الطبيعة المعمارية الحديثة للمدينة، 

 

ونعمل الأن بالتعاون مع جهاز مدينة دمياط الجديدة، على تنفيذ هذا الممشى على منشا الحماية بطول 500 متر وفقا للنموذج الذي تم وضعه من قبل المشروع بعد دراسة كافة العوامل اللازمة ووضع المخطط الكامل للتصميمات وطريقة تنفيذها، ونجري تدريبا لمجموعة من العاملين في جهاز دمياط الجديدة على كيفية تنفيذ النموذج بطول الساحل المواجه للمدينة وصيانته والحفاظ على النباتات البرية  المناسبة لعملية "اللاند سكيب" التي راعينا أن تكون متحملة للملوحة والجفاف وتتحمل الري على فترات بعيدة لضمان سلامة المنشأ وتقليل تكاليف الصيانة.

 

وحصلنا بالفعل قائمة بأسماء هذه  النباتات المناسبة من جانب أكاديمية البحث العلمي، وبعد الانتهاء من النموذج نأمل أن يتم تعميمه عبر جهاز مدينة دمياط الجديدة، ولكن رغم ذلك فإن تكلفة المنشآت التي نقوم بها والتي تعتبر صديقة للبيئة بشكل كامل تصل إلى ربع تكلفة المنشأت المصنعة من الخرسانة وغيرها من المواد المستخدمة في أعمال الحماية الآخرى.

 

 

*ما هى أبرز التحديات التي واجهتوها في عملية حماية المدن الجديدة ؟

 

لدينا عدة تجارب خضنا فيها تحديات كبيرة، فمثلا في أعمال حماية مدينة المنصورة الجديدة كنا نقف أمام معضلة حماية منطقة الكورنيش التي يبلغ طولها 10 كيلو مترات وتطل على شاطيء عمقه من 50: 70 مترا فقط ويضم مجموعة من المطاعم والمقاهي والاستثمارات الترفيهية المختلفة  والشاطي بالكامل معرض للغرق ووصول المياه إلى منسوب الكورنيش وتتخطاه في بعض الأحيان.

 

 لذلك قررنا التدخل برفع منسوب الشاطيء الرملى عن منسوب المياه بمقدار محدد لمنع عملية الغمر واستخدمنا فى ذلك كميات كبيرة من الرمال من نفس البيئة، ورغم أن الحل يبدو سهلا لكنه دقيق في تنفيذه ومتابعته حيث يتم التنفيذ في فترة عام كامل والمتابعة بعدها للشاطيء وعمل عمليات استعاضة وصيانة للرمال على فترات حسب عمليات الرصد.

أيضا بورسعيد كانت حالة خاصة ومهمة حيث ثاني منطقة قمنا بحمايتها من وصول المياه إلى  أسوار شركات البترول في غرب بورسعيد إلى جانب قرب المنطقة من شواطيء مدينة غرب بورسعيد الجديدة، 

 

فالمنطقة قريبة جدا من البحر وقمنا يتنفيذ عملية حماية معقدة نسبيا بإنشاء جسور من المواد الطبيعية في بيئة المنطقة وإنزال حجارة أسفل الجسر المشيد من نواتج التكريك في المنطقة ونجحنا فعلا في حماية شركات بترول كثيرة تعمل في المنطقة حيث لا يوجد مسافة كبيرة بين البحر وبين اسوار الشركات

 

ولكن في رشيد استخدمنا حواجز البوص في اعمال الحماية من خلال صناعة الكثبان الرملية الاصطناعية أمام المياه، ومازلنا نعمل في المنطقة.وجهاز المدينة سيستخدم جسر الحماية في عمل كورنيش

 

*كم تبلغ مساحة المنطقة التي تعملون فيها بالدلتا؟

نستهدف حماية 70 كيلو متر من سواحل الدلتا في المناطق الخمسة التي ذكرتها سلفا، وانتهينا حتى الأن من 50 كيلو ومتبقى 20 كيلو سيتم إنجازهم بنهاية 2022، بينما ينتهي المشروع عام 2025، بوضع خطة الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية.

 

*وما هي تفاصيل الخطة التي تعتبر المكون الثاني بالمشروع؟

هي خطة لإدارة السواحل الشمالية المصرية من السلوم وحتى رفح  وبعمق 10 كيلو خارج الدلتا و30 كيلو داخل الدلتا بمساحة إجمالية 20 ألف كيلو متر مربع، وهذه الدراسة ستكون الأولى  من نوعها في مصر فكل ما تم من قبل كان في مناطق محددة كالاسكندرية ومطروح، ونستهدف جمع كافة الجهود في دائرة عمل واحدة للتنسيق للوصول إلى أفضل النتائج بالتوصل إلى نموذج إدارة محدد من خلال التعاون مع الأهالي وأصحاب الحرف والمكونات الكاملة للمنظومة المائية في السواحل الشمالية، وتعميم هذا النموذج في الدولة بشكل كامل 

 

*لماذا تعتبر هذه الخطة فريدة من نوعها ؟

لإنها ستراعي معيار الدقة الشديدة، من خلال العمل بدراسة الأمور بالنماذج الرياضية وليس بالنماذج البسيطة لنحدد المؤثرات بدقة بداية من البحر وحتى عمق الأرض، بل وستشمل التشريعات والنظام المؤسسي المناسب لتنفيذ الخطة، ونحن الان نقوم بتحليل النظام المؤسسي الحالي  للخروج بتحليل متكامل في حالة وجود مناطق ضعف لمعالجتها ضمن الخطة.

وخلال عملنا نستهدف أمرا هاما وهو ألا ينتهي المشروع دون تطبيق الخطة من خلال عمليات الإدارة والمتابعة اللازمة لتنفيذها على أرض الواقع من خلال التعاون مع كافة الجهات المعنية بإدارة السواحل الشمالية من حيث عمليات النحر والترسيب والغمر وغيرها من الأمور التي تدخل في إطار الدراسة ونخصص اخر سنتين من المشروع لتطبيق الخطة وتحويل عناصرها إلى منهجية لدى كافة الجهات التنفيذية

 

*هل ستكون عملية تطبيق الدراسة "نظرية فقط" دون عمل ميداني؟

بالتأكيد لا ستشمل مرحلة التطبيق عددا من الأعمال الميدانية، إلى جانب أننا نعمل على إنشاء نظام لاجهزة الرصد على السواحل الشمالية لتسجيل منسوب المياه في النقاط المختلفة بطول البحر المتوسط داخل مصر وأن يكون النظام متاحا لكافة الجهات التي تحتاج لبيانات قراءات مناسيب المياه في الدولة ليتوسع عملها من داخل وزارة الموارد المائية والري وينتقل إلى كافة الأجهزة في الدولة

 

 

الجريدة الرسمية