في ذكرى استشهاد علي بن ابي طالب.. حقيقة تسببه في الخلاف بين السنة والشيعة.. وأشهر أقواله في الأخلاقيات
تحل علينا اليوم الخميس الموافق 27 يناير ذكرى استشهاد الصحابي الجليل خليفة المسلمين أحد العشرة المبشرين بالجنة سيدنا علي بن أبي طالب، بعد طعنه بخنجر مسموم أثناء صلاة الفجر على يد عبدالرحمن بن ملجم.
وعقب هزيمة الخوارج وتفرقهم وتشتت من بقى منهم في معركة النهروان، اجتمع ثلاثة منهم وهم عبدالرحمن بن ملجم والبرك بن عبدالله التميمي وعمرو بن بكر التميمي، وتعاهدوا على قتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم، على أن يتولى ابن ملجم قتل أمير المؤمنين
وفي فجر اليوم الموعود خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه من بيته لصلاة الفجر، وأخذ يمرّ على الناس يوقظهم للصلاة، وكان لا يصطحب معه حراسًا.
وحين اقترب أمير المؤمنين من المسجد فضربه شبيب بن نجدة ضربة وقع منها على الأرض، لكنه لم يمت منها، فأمسك به ابن ملجم، وضربه بالسيف المسموم على رأسه، فسالت الدماء على لحيته، كما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم مشهد قتله قبل ذلك.
ولما فعل ذلك عبد الرحمن بن ملجم قال: يا علي الحكم ليس لك ولا حكم إلا لله وأخذ ابن ملجم يتلو قول الله تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ"البقرة: 207.
وفي هذه اللحظة نادي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: عليكم به، فأمسكوا بعبد الرحمن بن ملجم، وفر شبيب في البلاد وقدم علي رضي الله عنه جعدة بن هبيرة رضي الله عنه ليصلّى بالناس صلاة الفجر، وحمله الناس إلى بيته، وعلم رضي الله عنه أن هذا السيف مسموم، وأنه ميّت لا محالة، وخاصّة أن هذه الضربة وقعت كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم، فاستدعى عبد الرحمن بن ملجم، وكان مكتوف الأيدي.
قبل وفاة أمير المؤمنين علي بن أبي ابي طالب رضي الله عنه خاطب قاتله ابن ملجم قائلا: أي عدو الله ألم أحسن إليك؟
قال: بلى. قال: فما حملك على هذا؟ فرد قاتله: شحذته -أي السيف- أربعين صباحًا، وسألت الله أن يُقتل به شر خلقه.
الخليفة الراشد الرابع رد علي ابن ملجم: والله ما أراك إلا مقتولًا، وقد استجاب الله لك ثم قال علي رضي الله عنه: إن مت فاقتلوه، وإن عشت فأنا أعلم ماذا أفعل به.
وخلال تلك اللحظات الصعبة خاطب جندب بن عبد الله أمير المؤمنين قائلا، إن متَّ نبايع الحسن؟ فقال رضي الله عنه: لا آمركم ولا أنهاكم ولما احتضر رضي الله عنه جعل يكثر من قول لا إله إلا الله حتى تكون آخر كلامه، ثم أوصى الحسن والحسين بوصيته وكتباها.
الخليفة الراشد الرابع لقي ربه شهيدًا رضي الله عنه وأرضاه مخلفا رصيدا ضخما ومشرفا وكيف لا وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وزوج ابنة رسول الله صلى اله عليه وسلم، وابن عمه، وبعدها غسّله ابناه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وصلّى عليه ابنه الحسن رضي الله عنه، ثم جاءوا بعبد الرحمن بن ملجم وأقاموا عليه الحدّ فقتلوه بسيفه.
مولده ونشأته
ولد علي بن أبي طالب في مكة وتشير مصادر التاريخ بأن ولادته كانت في جوف الكعبة. وأُمّه فاطمة بنت أسد الهاشميّة. أسلم قبل الهجرة النبويّة، وهو ثاني أو ثالث الناس دخولا في الإسلام، وأوّل من أسلم من الصبيان. هاجر إلى المدينة المنورة بعد هجرة الرسول بثلاثة أيّام وآخاه النبي محمد مع نفسه حين آخى بين المسلمين، وزوجه ابنته فاطمة في السنة الثانية من الهجرة.
قصة فداء علي للنبي
ضرب عليّ -رضي الله عنه- أروع الأمثلة في الفِداء والجهاد؛ فحين أذن الله تعالى للرسول صلّى الله عليه وسلّم بالهجرة أوحى إليه أنّ قريشًا يكيدون له؛ ليقتلوه، ويتفرّق دمه بين القبائل، فنام ابن عمّه عليّ في فراشه؛ ليوهمَ قريشًا أنّه النبيّ، وخرج النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وأبو بكر الصدِّيق إلى المدينة المُنوَّرة مُهاجرين.
وبَقي عليّ -رضي الله عنه- في فراش النبيّ، ويُشار إلى أنّه -عليه الصلاة والسلام- كان قد أخبرَ عليًّا أنّهم لن يتمكّنوا من إيذائه، وكان المشركون ينظرون من شقّ الباب، فيرَون شخصًا نائمًا، فيظنّون أنّه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ولم يكن الذي في الداخل سوى عليّ -رضي الله عنه- يفدي الرسول بروحه.
الخلاف بين السنة والشيعة
تعد مكانة علي بن أبي طالب وعلاقته بأصحاب الرسول موضع خلاف تاريخي وعقائدي بين الفرق الإسلامية المختلفة، فيرى بعضهم أن الله اختاره وصيًّا وإمامًا وخليفةً للمسلمين، وأن محمدًا قد أعلن ذلك في خطبة الغدير، لذا اعتبروا أنّ اختيار أبي بكر لخلافة المسلمين كان مخالفًا لتعاليم النبي محمد، كما يرون أن علاقة بعض الصحابة به كانت متوتّرة. وعلى العكس من ذلك ينكر بعضهم حدوث مثل هذا التنصيب، ويرون أن علاقة أصحاب الرسول به كانت جيدة ومستقرّة. ويُعدّ اختلاف الاعتقاد حول علي هو السبب الأصلي للنزاع بين السنة والشيعة على مدى العصور.
أقوال علي بن أبي طالب
واشتهرت أقوال علي بن أبي طالب حتى يومنا هذا، وكان يستشهد بها في الكثير من الخطب والكتابات في عصرنا الحالي، ومنها:
• إن الله جعل مكارم الأخلاق ومحاسنها وصلا بيننا وبينه.
• من تكبر على الناس ذل.
• فعليك تقوى الله فالزمها تفز إن التقي هو البهي الأهيب واعمل لطاعته تنل منه الرضا إن المطيع لربه لمقرب.
• لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
• إذا قويت فاقو على طاعة الله، وإذا ضعفت فاضعف في معصيته.
• نضرة الوجه في الصدق.
• لا تظلمنّ إذا ما كنت مقتدرًا فالظلم مرتعه يفضي إلى الندم تنام عينك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين اللّه لم تنم.
• أعظم الذنب ما استخف به صاحبه.
• من كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب.
• زيارة الضعفاء من التواضع.
فضائل عرف بها علي
كان معروفًا بحرصه -رضي الله عنه- على مال المسلمين، وبرز ذلك عندما دخل عليه الصحابي أبو عبيدة بن عنترة وليس عليه إلا لباس خفيف، وكان يرجف بردًا، فسأله أبو عبيدة لم لا تأخذ من بيت مال المسلمين نصيبك، فقال إنه لا يأخذ من ذلك المال شيئًا، وإن ما عليه من اللباس كان قد خرج فيه من بيته من المدينة المنورة، وكانت هذه الواقعة وغيرها الكثير مما يدل على ورعه الشديد في بيت مال المسلمين، وحرصه على أّلّا يقع في الإثم.
موقفه يوم غزوة بدر
في بداية غزوة بدر برز من المشركين عتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، فخرج للقائم فتية من الأنصار، فنادوا: يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال النبي "صلى الله عليه وسلم": "قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا حمزة، قم يا عليّ"، فبارز عبيدةُ عتبة، وبارز حمزةُ شيبة، وبارز عليَ الوليد. فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله، وكذلك فعل عليَ مع خصمه، وأما عبيدة وعتبة، فقد جرح كلاهما الآخر، فَكَرّ حمزة وعلي بسيفيهما علي عتبة فأجهزا عليه، وحملا صاحبهما.
مدة خلافته
كانت مدة خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر ونصف شهر، لأنه بويع بعد مقتل عثمان في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وكانت وقعة الجمل في جمادى سنة ست وثلاثين، ووقعة صفين في سنة سبع وثلاثين، ووقعة النهروان مع الخوارج في سنة ثمان وثلاثين، ثم أقام سنتين يحرض على قتال البغاة فلم يتهيأ ذلك إلى أن مات.