رئيس التحرير
عصام كامل

اغتيال المحكمة الدستورية العليا


لما كانت سيادة القانون تستوجب بداهة عدم خروج القوانين واللوائح على أحكام الدستور باعتباره القانون الأسمى لذا حظيت المحكمة الدستورية العليا فى دستور عام 1971 بهالة كبيرة فقد انبسطت رقابتها على التشريعات على اختلاف أنواعها ومراتبها سواء كانت تشريعات أصلية صادرة من الهيئة التشريعية أو كانت تشريعات فرعية صادرة من السلطة التنفيذية فى حدود اختصاصها الدستورى ذلك أن فطنة الخروج على أحكام الدستور قائمة بالنسبة إليها جميعا-  لذا خصص الدستور سالف الذكر فصلا مستقلا للمحكمة الدستورية العليا فى الباب الذى يعالج نظام الحكم نص فيه على أنها هيئة مستقلة قائمة بذاتها تتولى دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح كما أناط بها وحدها الاختصاص بالفصل فى دستورية القوانين وتفسير النصوص القانونية والفصل فى مسائل تنازع الاختصاص تلك الاختصاصات سالفة البيان قد قلصها الدستور الجديد الصادر فى العام المنصرم مما جعل المحكمة الدستورية العليا مغلولة الأيدى بشأن الرقابة اللاحقة على القوانين واللوائح والتى تصدر من السلطة التنفيذية ومن ثم قد أصبح دورها منحصرا لا يؤدى الغرض الذى أنشئت من أجله باعتبارها حائط الصد الذى يمنع تغول السلطة التنفيذية على باقى السلطات ومن ثم فإن ما تضمنه الدستور الجديد يعد بحق اغتيالا لها ونستعرض أوجه القصور فى الدستور الماثل على النحو الآتى :

أولا: قد جاء تعريف المحكمة الدستورية العليا فى الدستور الجديد فى الفرع الرابع من الفصل السادس من السلطة القضائية الباب الثالث - (السلطات العامة) بينما دستور 1971 قد أحاطها بعناية أشمل إذ خصص لها فصلا مستقلا باعتبارها الحصن الحصين والركن الركين لحريات الأفراد وحقوقهم ونشير إلى الملاحظات على النصوص الدستورية التى تضمنها الدستور الجديد بشأن المحكمة الدستورية العليا.


أ- نصت المادة 175 من الدستور الجديد على ( أن المحكمة الدستورية العليا جهة قضائية مستقلة مقرها مدينة القاهرة تختص دون غيرها بالفصل فى دستورية القوانين واللوائح ويحدد القانون اختصاصاتها الأخرى وينظم الإجراءات التى تتبع أمامها والواضح من نص المادة سالفة الذكر أنها قد هونت من شأن المحكمة الدستورية العليا وهى المحكمة ذات القيمة والقامة وثالث محكمة دستورية على مستوى العالم وقد ملأت ربوع مصر عدلا وكرامة وعزة وشموخا بأحكامها المضيئة والتى كانت بمثابة البدر فى ليلة التمام فكيف يتغافلها الدستور الجديد ويطلق عليها جهة قضائية رغم كونها هيئة قضائية.

 
ب- نصت المادة المذكورة على أن المحكمة الدستورية العليا تختص بالفصل فى دستورية القوانين واللوائح فقط ومن ثم فلا سلطان لها بشأن تفسير القوانين واللوائح وهذا اختصاصها الأصيل على خلاف ما تضمنته المادة 175 من دستور 71 والتى جرى نصها ) تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح وتتولى تفسير النصوص التشريعية وذلك كله على الوجه المبين فى القانون ) ومن هنا قد بان الفرق بين دستور 71 والدستور الجديد وقد أعطى لها الأول اختصاصا أوسع وأشمل بينما حصرها الثانى.


ثانيا: نصت المادة 176 من دستور 2012 بشأن تشكيل المحكمة الدستورية العليا على (تشكل المحكمة الدستورية العليا من رئيس وعشرة أعضاء ويبين القانون الجهات والهيئات القضائية أو غيرها التى ترشحه وطريقة تعيينهم والشروط الواجب توافرها فيهم ويصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية) ومن ثم فإن المادة سالفة الذكر قد قلصت أعضاءها لجعلهم عشرة أعضاء بالإضافة إلى رئيسها وهذا العدد غير كافٍ كى تؤدى المحكمة الدستورية العليا دورها على النحو المنوط بها فضلا عن تدخل السلطة التنفيذية فى اختيار رئيسها وأعضائها مما يفقدها الحيدة والشفافية.


ثالثا: استحدث الدستور الجديد الرقابة السابقة على القوانين وقد نصت المادة 177 على ( يعرض رئيس الجمهورية أو مجلس النواب مشروعات القوانين المنظمة لمباشرة الحقوق السياسية والانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية على المحكمة الدستورية العليا قبل إصدارها لتقرير مدى مطابقتها للدستور وتصدر قرارها فى هذا الشأن خلال خمسة وأربعين يوما من تاريخ عرض الأمر عليها وإلا عدّ عدم إصدارها للقرار إجازة للنصوص المقترحة) وأضافت فى فقرتها الأخيرة ولا تخضع القوانين المشار إليها فى الفقرة الأولى للرقابة اللاحقة ومن ثم فإن هذه المادة قد أصابها العوار القانونى وآية ذلك:


ا- أن الرقابة اللاحقة للقوانين واللوائح من صميم عمل المحكمة الدستورية العليا إذ إن التطبيق العملى للقوانين هو الذى يكشف مكنوناتها وسريرتها ويظهر ما بها من إيجابيات وسليبات ومزايا وعيوب ومن ثم فإن قصر المشرع للمحكمة الدستورية العليا على الرقابة السابقة للقوانين المذكورة دون رقابتها اللاحقة قد غل يد المحكمة الدستورية بشأن النظر فى رقابتها اللاحقة فى القوانين المذكورة.


ب- كما أن المشرع فى الدستور الجديد قد نص فى المادة السابقة على أن المحكمة تصدر قرارها بشأن الرقابة السابقة على القوانين فى خلال خمسة وأربعين يوما من تاريخ عرض الأمر عليها وإلا عدّ عدم إصدارها للقرار إجازة للنصوص المقترحة. ولما كانت المدة التى حددتها المادة سالفة الذكر بشأن إبداء المحكمة الدستورية رأيها بشأن القوانين التى تعرض عليها هى مدة غير كافية نظرا لكثرة التشريعات التى تعرض عليها فضلا عن أن بعض التشريعات تحتاج إلى وقت طويل لدراستها وبحثها وإبداء الرأى بشأنها.


رابعا: الدستور الجديد قد خلا من النص على أن أعضاء المحكمة الدستورية العليا غير قابلين للعزل بخلاف ما تضمنه دستور 71 والذى نص فى المادة 177 منه على أن أعضاء المحكمة الدستورية العليا غير قابلين للعزل وتتولى المحكمة مساءلة أعضائها على الوجه المبين بالقانون وكان الأحرى للمشرع فى الدستور الجديد أن ينص على عدم قابلية أعضاء المحكمة الدستورية العليا للعزل لأنها ضمانة قوية تمكن أعضاء المحكمة من أداء دورهم بحياد وشفافية .

وفى النهاية نسأل الله سبحانه وتعالى أن يقينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

الجريدة الرسمية