الموازنة العاجزة.. خطة لتصوير المسار وتخفيض العجز.. وترشيد الإنفاق بداية طريق الإصلاح
في ظل الأعباء الثقيلة الملقاة على كأهل وزارة المالية..ألقى الدكتور محمد معيط وزير المالية البيان المالي لموازنة "2021 - 2022" أمام مجلس مجلس النواب مؤخرًا، معلنًا خطته للعام الجديد لتخفيض عجز الموازنة. ويُعرف عجز أو فائض الموازنة بأنه الفرق بين النفقات "المصروفات" والموارد "الإيرادات" ففى حالة زيادة النفقات المحققة عن الموارد الفعلية يترتب عليه ما يعرف العجز، وفى حالة تراجع النفقات الفعلية عن الموارد المحققة يتحقق الفائض.
موازنة 2022
وعن التقديرات المالية المستهدفة بمشروع موازنة 2022 أكد "معيط" -الذي تواجه سياساته غضبًا شعبيًا مستمرًا- أن وزارة المالية تستهدف في ضوء المؤشرات الفعلية والتقديرات المحدثة والمتاحة لأداء الاقتصاد القومى الاستمرار في تحقيق نسبة معدل دين أجهزة الموازنة العامة نحو 89.5% من الناتج المحلي الإجمالي في يونيو 2022، وهو ما يتطلب تحقيق فائض أوَّلي قدره 1.5% من الناتج المحلي. وتوقع "معيط" أن هذه التقديرات سوف تسهم بشكل كبيير في خفض العجز الكلي للموازنة إلى 6.7% من الناتج المحلي الإجمالي بدلا من 7.7% بنهاية العام المالي ۲۰۲۱۲۰۲۰ وعجز كلي بلغ 12.5% من الناتج في العام المالي ٢٠١٦٢٠١٥.
فهل تتمكن الوزارة من تحقيق هذا الخفض عبر آليات رشيدة بعيدًا عن استنزاف جيوب المصريين وتنفيضها أم أنها سوف تلجأ إلى الحل الأسهل، مثل كل مرة، وهو رفع فاتورة الحياة على الفقراء والغلابة ومحدودي الدخل؟ الإجابة نلتمسها في سطور هذا الملف..
عجز الموازنة العامة يمثل مشكلة كبرى أمام تحقيق خطوات على طريق التنمية المنشودة والارتقاء بالمستوى المعيشى للمواطن المصرى إلى جانب الارتقاء بمستوى الخدمات التى تقدم له سواء على المستوى الصحى أو العلمى أو الخدمات الأخرى، ورغم نجاح الدولة فى قطع شوط كبير نحو خفض العجز فى الموازنة العامة إلى نحو 7% إلا أن وزارة المالية تعمل على خفض العجز إلى 1.6% فما هى المسارات والخطوات التى يجب أن تتخذها؟ رجال الاقتصاد يجيبون.
تصويب مسار
يقول الدكتور علاء رزق الخبير الاقتصادى ورئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية إن السعى لخفض العجز فى الموازنة العامة للدولة إلى 6،1% من جانب وزارة المالية أمر جيد خاصة أن العجز المالى فى الموازنة هو أحد المشكلات والتحديات التى تواجه الحكومات المتعاقبة على مدى سنوات طويلة لدرجة أنه فى أحد الفترات وصل العجز لنحو 13 أو 14% خلال عامى 2013/2014 والدولة نجحت مؤخرا فى خفض العجز إلى ما يقرب من 7% وهناك خطة علمية للنزول بالعجز إلى 5% ثم 3%.
ويضيف لتحقيق هذا الهدف هناك مسارات وخطوات يجب أن تتبعها وزارة المالية بالتوازى على رأسها ترشيد الإنفاق وليس خفضه؛ لأن الدولة تسعى إلى طموح اقتصادى يتطلب نوعًا من خفض الدعم وبعض الخدمات إن أمكن إلى جانب تقليص نفقات الوزراء والمستشارين الذين يستهلكون جزءا كبيرا من الموازنة العامة للدولة خاصة والموازنة تتحمل أعباء كثيرة على رأسها فوائد الدين التى تصل إلى 470 مليار جنيه وأقساط الدين التى تصل إلى 590 مليار جنيه، أي خدمة الدين تحتاج إلى تريليون و60 مليارا.
ويوكد د.علاء رزق أن العمل على تخفيض 1% من الفائدة سيؤدى إلى توفير من 10 إلى 13 مليار جنيه من فوائد الدين وهذا الأمر يتطلب العمل على زيادة الإيرادات وهى قليلة جدا أهمها من الضرائب التى تمثل ما بين 70 إلى 80% من دخل الخزانة العامة والتى يصل لنحو 850 مليار جنيه ورغم أن البعض يرى أن هذا المبلغ كبير إلا أنه فى الحقيقة هو ضئيل بسبب أننا دولة ناشئة اقتصاديا والضرائب تمثل 25% من الناتج المحلى الذى تعدى 6 تريليونات جنيه.
وهذا يعنى أن هناك فروقات تتراوح بين 600 إلى 700 مليار جنيه ضائعة بسبب التهرب الضريبى والتجنب الضريبى لسوء استغلال مواد القانون الضريبى فى مصر، وهو ما يحتاج إلى إعادة نظر وتنقيح ونقل هذا التجنب التجاوب الضريبى عن طريق تخفيض الضرائب إلى 17.5% والبعض هنا يرى أن هذا يضيع أموالا على الدولة وهذا أمر غير صحيح لأن هذا التخفيض سيدفع رجال الأعمال لسداد مستحقات الدولة.
بالإضافة إلى ذلك لا بد من اتخاذ خطوات فعلية لدمج الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى للدولة وهذا سيمنع ظاهرة التهرب الضريبى، وبالتالى السياسة المالية تحتاج لإعادة هيكلة واللجوء إلى حلول عملية خارج الصندوق وفقا للمتغيرات الاقتصادية.
زيادة الصادرات
ويشير رزق إلى زيادة الصادرات من أهم المسارات التى يجب أن تركز عليها وزارة المالية خاصة أن الصادرات كانت 25 مليار دولار وصلت الآن إلى 30 مليار دولار، ولا بد من العمل لتصل إلى 100 مليار دولار وهذا سينعكس على أرباح الشركات، وبالتالى ستصل زيادة الضرائب 70 مليار أخرى، وبالتالى نجاح وزارة المالية فى تحقيق خفض عجز الموازنة إلى 1.6% سيكون له تأثير ونتائج إيجابية فى استكمال المشروعات القائمة.
وتوفير فرص عمل لقطاع عريض من الشباب إلى جانب رفع المستوى المعيشى للمواطن ومعالجة العديد من المشكلات الصحية والتعليمية والبطالة والعشوائيات فضلا عن أنه سيعطى دفعة لخطط التنمية طويلة الأجل وهذا سيؤدى إلى زيادة الاستثمارات فى الموازنة العامة للدولة لأنها حصن الأمن القوى للاقتصاد المصرى من الإرهاصات الاقتصادية العالمية.
ويرى الدكتور صلاح هاشم الخبير الاقتصادى ورئيس المجلس التصديرى للصناعات الكيماوية أن تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة لا بد أن يوجه زيادة فى إيرادات الدولة بمعنى لا بد من تعظيم الإيرادات وهذا يستلزم جذب الاستثمارات إلى مصر وخاصة الاستثمار الأجنبى، خاصة أن هذا الأمر غائب من فترة بسبب الظروف السابقة وعدم الاستقرار الأمني خلال فترة 25 يناير حتى 30 يونيو.
لكن بعد النجاح فى الوصول للأمان والاستقرار يمكن النجاح فى جذب العديد من رءوس الأموال الأجنبية للاستثمار فى مصر خاصة فى ظل التطور الذى حدث فى الاقتصاد المصرى ولعل آخر لقاء للرئيس السيسى كانت توجيهاته بتشجيع القطاع الخاص بعد أن حققنا قيمة تصديرية وصلت لـ31 مليار دولار لذلك كانت توجيهاته بمساندة التصدير ودعم الإنتاج وعجلته.
ويضيف صلاح هاشم أن هناك مسارا مهما جدا يجب على وزارة المالية السير فيه لتحقيق المستهدف، وهو خفض العجز في الموازنة العامة للدولة إلى 1.6% ودائما ما ننادى به وهو تخفيض النفقات وزيادة الاستثمار ورغم أن تخفيض النفقات سيكون ضعيفا نتيجة بناء الدولة الجديدة لكن يمكن تخفيض العجز فى الميزان التجارى والواردات من الخارج والاستعاضة عنها بالمنتج المحلى.
وهذا سيوفر عملة صعبة كبيرة ويساعد المصانع على إيجاد المواد الخام التى تزيد دفع عجلة الإنتاج، وأما زيادة الإيرادات فطالما زاد الإنتاج وزادت حركة السوق ستزيد الدولة من خدماتها سواء الطرق أو السكك الحديدية أو البنية التحتية، وبالتالى ستزيد الإيرادات بدرجة تصل إلى 5 أضعاف ما هى عليه الآن.
ملف الضرائب
ويؤكد صلاح هاشم أن ملف الضرائب، وهى التى تمثل الممول الرئيسى للموازنة العامة، لن يحل إلا إذا دخلت المؤسسات التجارية والصناعية فى الحظيرة القانونية وتصبح كلها مسجلة لدى الدولة، بالإضافة إلى ضرورة القضاء على الاقتصاد غير الرسمى والذى يمثل نحو 70% من النشاط الاقتصادى، وهذا من شأنه أن يزيد الإيرادات فى حالة ضمة للاقتصاد الرسمى للدولة، وهذا الأمر يحتاج إلى تشريع قانون حازم.
ويرى صلاح هاشم أن تحقيق هذه الخطوات والسير فى هذه المسارات سيؤدى بالطبع إلى خفض نسبة العجز فى الموازنة العامة للدولة، وسينعكس أثره بالإيجاب على الخدمات من تعليم وصحة ومستوى معيشى للمواطن.
نقلًا عن العدد الورقي…،