محمد فريد.. عاش زعيمًا ومات غريبًا فقيرًا.. أنفق ثروته على النضال الوطني.. ولم يجد أهله مالًا لنقل جثمانه
في مثل هذا اليوم 20 يناير ولد الزعيم والسياسي الحقوقي المصري محمد فريد عام 1868 لأسرة أرستقراطية ذات أصول تركية في القاهرة، فهو الزعيم المصري الذي أنفق ثروته في سبيل القضية المصرية.
تعلَّم محمد في مدرستي الألسن والحقوق، وفور تخرجه عمل في نيابة الاستئناف، ثم احترف مهنة المحاماة. كانت له ميول فكرية وثقافية، تجسدت في كتابته للعديد من المؤلفات ككتاب «من مصر إلى مصر»، وكتاب «رحلة إلى بلاد الأندلس ومراكش والجزائر»، وكتاب «تاريخ الرومانيين» وغيرها من الكتب، إضافة إلى ذلك أنشأ فريد مع كل من أحمد حافظ عوض ومحمود أبي نصر مجلة علمية سميت ﺑ "الموسوعة".
ويقول الكاتب الصحفى الكبير سعيد الشحات فى "ذات يوم"، إن محمد فريد أدرك حقيقة المسألة المصرية بعد الاحتلال الإنجليزى إدراكًا علميًا، فعرف أسلم الطريق نحو تحقيق المستقبل المصرى، حسبما يذكر أحمد بهاء الدين فى كتابه «أيام لها تاريخ».. ويوضح: «انبعث مصطفى كامل كالشعلة توقظ الركود وتنير الطريق، ثم انطفأ ولم يقف فى هذا الومض طويلًا عند فكرة خصبة، مما جعله يتخبط بين تأييد الباب العالى التركى والاستعانة بفرنسا، وجاء فريد ليضع النقاط على الحروف التائهة، ليرسم للبعث المرتقب وسائله وغاياته، وجرت المسألة فى أن وسيلة التحرر من كل سيطرة أجنبية هى: الجلاء، ووسيلة المساواة والمشاركة هى الدستور».
وتولى محمد فريد رئاسة الحزب الوطني المصري بعد وفاة مؤسسه مصطفى كامل، وأعلن أن مطالب مصر هى جلاء الإنجليز، ودستور جديد يحمي الحقوق المدنية وحقوق المصريين.
المدارس الليلية
وكان يرى أنه يلزم لتحقيق هذه الأهداف توعية الشعب وإنارة بصيرته ليطالب بحقوقه حتى يأخذها وتصبح أهدافه مرتبطة ببعضها البعض، لهذا أسس محمد فريد مدارس ليلية فى أحياء شعبية كثيرة ليعلم الناس مجانا وخصوصا الفقراء. وقام هو شخصيا وأشخاص آخرون من أعضاء الحزب واطباء ومحامين متطوعين بالتدريس في تلك المدارس، التي بدأت فى القاهرة ثم انتشرت فى غالب أنحاء مصر.
إنشاء أول نقابة للعمال في مصر
نجح فريد في أن يُحدث طفرات هامة في الحراك السياسي والمجتمعي في مصر، خلال فترة مشاركته في العمل العام، حيث كان فريد أول من أنشأ نقابة للعمال في مصر عام 1909، وكما جاء في كتاب «مذكرات محمد فريد- المجلد الأول رؤوف عباس» الصادر عام 1975 أسس فريد أول نقابة للعمال في ذلك العام، وأنشأ معها أول اتحاد تجاري، ودعا لوضع مجموعة من القواعد القانونية لحقوق العمال، وقد كانت «نقابة عمال الصنائع اليدوية» هي النواة التي بدأ منها التاريخ النقابي في مصر وكان مقرها بولاق، وبلغ عدد أعضائها 800 عضو، لتكون تلك باكورة العمل النقابي المطالب بحقوق العمال في تاريخ مصر الحديث.
العمل السياسي
خاض محمد فريد معترك السياسة وعرفت مصر على يديه المظاهرات الشعبية المنظمة، وكان يدعو إليها ووضع صيغة موحدة للمطالبة بالدستور، طبع الآلاف منها، ودعا الشعب إلى التوقيع وقدمها للخديو عباس حلمى الثانى، وبلغت أول دفعة من التوقيعات ٤٥ ألف توقيع.
تعرض فريد للمحاكمة بسبب مقدمة كتبها لديوان شعر بعنوان «أثر الشعر في تربية الأمم»، ومن ما قال فيها: "لقد كان من نتيجة استبداد حكومة الفرد إماتة الشعر الحماسي، وحمل الشعراء بالعطايا والمنح على وضع قصائد المدح البارد والاطراء الفارغ للملوك والأمراء والوزراء وابتعادهم عن كل ما يربي النفوس ويغرس فيها حب الحرية والاستقلال، كان من نتائج هذا الاستبداد خلو خطب المساجد من كل فائدة تعود على المستمع، حتى أصبحت كلها تدور حول موضوع التزهيد في الدنيا، والحض على الكسل وانتظار الرزق بلا سعي ولا عمل".
وفاته
استمر فريد في الدعوة إلى الجلاء والمطالبة بالدستور، حتى ضاقت به الحكومة الموالية للاحتلال وبيتت النية لسجنه فغادر البلاد إلى أوروبا سرًا، وتوفى هناك فى 15 نوفمبر 1919، وهو وحيد وفقير، حتى إن أهله بمصر لم يجدوا مالًا كافيًا لنقل جثمانه إلى أرض الوطن، إلى أن تولى أحد التجار المصريين من الزقازيق نقله بنفسه على نفقته الخاصة.