في زمن كورونا وأخواتها.. «نكاح الفاتحة» يغزو الجزائر
كشف تقرير لصحيفة الشروق الإلكترونية تحول الزواج الشرعي من دون عقد مدني في الجزائر بتداعيات كورونا، إلى ظاهرة اجتماعية تعود إلى عدة اعتبارات.
وأفيد تبعا لذلك بأن قضايا إثبات الزواج في أقسام شؤون الأسرة، شهدت ارتفاعا وصف بالرهيب، بزيادة وصلت إلى نسبة 15%، مقارنة بما كانت تسجله المحاكم ما قبل 2020، وكان يبلغ سنويا 4 آلاف حالة زواج غير موثق.
ولفتت الصحيفة الإلكترونية الجزائرية إلى أن تجميد عقود الزواج في البلديات، وذلك بهدف منع التجمعات تفاديا لانتشار عدوى فيروس كورونا المستجد، خلال صيف 2020، كان بمثابة "حلقة فاصلة في تاريخ الزواج في الجزائر، حيث لجأ كثير من الشباب إلى الزواج بـ (الفاتحة) إلى حين تثبيته بعد رفع تجميد تسجيل العقود".
وتسبب منع تسجيل الزواج عند الموثقين أيضا بـ "حالة ارتباك وقلق لأزواج حددوا مواعيد عقد قرانهم، وهو ما جعل بعضهم يضطر لعدم تأجيل الزواج والاكتفاء بقراءة الفاتحة".
مستجدات اجتماعية كثيرة
وأشير في هذا السياق إلى أن الإقبال على زواج الفاتحة لم يقتصر على هذا السبب فقط، "بل ثمة مستجدات اجتماعية كثيرة برزت قبل الأزمة الصحية وهي مستمرة اليوم، كان فيها لقانون 2005، المتعلق بمنع الزواج الثاني دون علم الزوجة الأولى وموافقتها بالإمضاء على وثيقة، الأثر البالغ في اللجوء للزواج بالفاتحة".
وأبلغ المحامي عمار حمديني الصحيفة أن "ملفات إثبات الزواج تهاطلت على المحاكم بعد رفع الحجر الصحي، وهي تتعلق في الغالب بالذين أقاموا حفلا زفافهم وتزوجوا بالفاتحة في مرحلة بداية جائحة كورونا، وتجميد تسجيل عقود الزواج في مصالح الأحوال وعند الموثقين".
تزايد قضايا إثبات الزواج
وقدّر هذا المحامي "نسبة تزايد قضايا إثبات الزواج في أقسام الشؤون الاجتماعية، بنحو 10 من المائة أو يزيد عن ذلك قليلا"، وهو ما رأى فيه تأكيدا للزيادة "في عدد زيجات دون عقود إدارية"، مضيفا أن ما يجعل المرأة تلجأ إلى إثبات الزواج في الغالب، هو الحمل، أو الرغبة في الحمل.
ومن جانبها، قالت الحقوقية نادية آيت زاي، رئيسة مركز الإعلام والتوثيق لحقوق الطفل والمرأة “سيداف”، إن رابطة حقوق الإنسان، كانت قد أشارت في تقارير لها سابقا، إلى عودة قوية لزواج الفاتحة وخاصة الزواج العرفي أي الذي في أغلبه غير معلن وغير مسجل إداريا، وأنه بحسب ذات الرابطة، فإن هذا الزواج غير مسجل في مصالح الحالة المدنية بلغ عدد حالاته في السنوات الأخيرة 50 ألف زيجة، وتم تسجيل 36 حالة خلال العشرية السوداء التي شهدت فيها الجزائر انتشار الإرهاب.
وقدّرت معدل قضايا إثبات الزواج في السنوات الأخيرة بنحو 40 ألف قضية، بعد أن تضاعفت بنسبة 10 من المائة خلال 2021.
الطلاق وقانون 2005
قنبلة انفجار زيجات دون عقود ويرى محامون بأن ارتفاع عدد قضايا الطلاق التي بلغت حسب آخر الإحصائيات للجهات القضائية 68 ألف حالة، ومنها قضايا الخلع، التي وصلت إلى 10 آلاف حالة خلال 6 أشهر لـ2021، لها تأثير كبير في تغيير الكثير من السلوكيات، ولجوء فئة من النساء المطلقات خاصة إلى الارتباط مرة ثانية ولكن الاكتفاء بالزواج الفاتحة دون تسجيل العقد في مصلحة الحالة المدنية.
وأكدت الحقوقية، نادية آيت زاي، أن نسبة كبيرة من المطلقات أصبحن يلجأن إلى زواج الفاتحة كحل لضمان عدم نزع حق حضانة أولادهن، والارتباط برجل يكون لهن سندا في الحياة، ومع ارتفاع عدد المطلقات يرتفع في المقابل زواج الفاتحة.
قانون 2005
وأكد عضو نقابة المحامين، لخلف شريف، أن قانون 2005، أنعش الزواج غير الموثق في الإدارة الجزائرية، ويكون إما سريا أو في بعض الأحيان معلنا، حيث يتم الاكتفاء بقراءة الفاتحة والشهود.
ويرى المختص أن انعكاسات هذا القانون، الذي يمنع الزوج من تسجيل عقد قرانه بأخرى دون موافقة الزوجة الأولى، تظهر في قضايا إثبات الزواج، كما أنه شجع، حسب المحامي لخلف، في ظل وجود نسبة مرتفعة من المطلقات والأرامل والعوانس، على مغامرة الزواج بالفاتحة.
مطلب الكثير من الجزائريات
وتجد الكثير من الجزائريات في الزواج غير المسجل مدنيا وقانونيا، حيلا وهروبا من مشاكل وتفاديا لمكاسب قد يفقدنها في حال حصولهن على عقد زواج رسمي وموثق، بينها سقوط حق الحضانة، أو مشاركة الزوج في أملاكها، أو منعها من بعض الحقوق كالتمتع بالاستقلالية والحرية.
وقال في هذا الصدد، المحامي خالد برغل، إن المطلقات والأرامل لا يفضلن في الغالب تسجيل عقود زواجهن الثاني، حيث تطرح عدة مشاكل مادية واجتماعية، ففيما تخاف المطلقة من سقوط حق حضانة أولادها، تخاف الأرملة على المنحة التي تستفيد منها بعد موت زوجها الأول.
مشاركة الزوج في ممتلكاتها
وأكد برغل أنه في بعض الأحيان، تتجنب بعض النساء اللواتي منهن لم تتزوج من قبل، تسجيل عقد زواجها مدنيا، خوفا على مشاركة زوجها في ممتلكاتها أو حصوله على حق الميراث بعد وفاتها، وهذا حسب المحامي برغل، يحدث أكثر مع الرجال الأرامل أو المتزوجين الذين يكون لديهم أولاد من المرأة الأولى.
وتبقى الكثير من زيجات التي تمت منذ 2013 إلى غاية 2021، لم توثق في مصالح الحالة المدنية، خاصة أن الكثير لم يستفيدوا لحد الآن من سكن في إطار عدل، بسبب بطء وتيرة توزيع هذه السكنات، في حين إن بعض الذين تمكنوا من الحصول على شققهم من تثبيت زواجهم لدى المحاكم، حسب الصحيفة.
زواج جزائري بـالفاتحة
وظهرت مؤخرا عبر صفحات الفيسبوك، إعلانات زواج جزائري بـالفاتحة، حيث تتاح للجنسين فرصة التعارف على الشريك الآخر من خلال إعطاء الطرفين معلومات كافية عنهما، وشرح أسباب تفضيل زواج بعيد عن مصالح الحالة المدنية.
وانتشرت عروض للزواج بالفاتحة من فاقدات العذرية المغتصبات اللواتي تم الاحتيال عليهن، وهي عروض تحمل الكثير من الجرأة، خاصة أن بعضها تتعلق بـ”المحلل” أي الرجل الذي يتزوج امرأة طلقت 3 مرات.
ضرورة المنع
وأبدى عمار حمديني، تخوفه من تداعيات تفاقم زواج الفاتحة في الجزائر، قائلا إن التراكم فقط، في ملفات إثبات الزواج، يعتبر عبئا على القضاء، فإذا نظرنا إلى جملة المشاكل الأخرى التي يطرحها هذا الزواج، فهي كثيرة جدا غالبا ما تكون المرأة فيها الضحية الأولى، وذلك ببهدلتها أمام المحاكم.
ومن جهتها، دعت الحقوقية نادية آيت زاي، إلى ضرورة منع الأئمة من قراءة الفاتحة قبل تسجيل العروسين عقد قرانهما في مصالح الحالة المدنية، مقترحة إيجاد ميكانزمات قانونية أخرى، تتمثل في عدم الاعتراف بأي زواج خارج العقود الإدارية الرسمية، وتشديد العقوبة ضد كل من يخالف ما جاء في القانون الذي يمنع قراءة الفاتحة قبل تسجيل عقد القران في البلدية.
نقص الثقة
وفي الموضوع، أكدت الباحثة في علم الاجتماع، الدكتورة فاطمة أوصديق، أن نقص الثقة وانتشار النصب والاحتيال والكذب في المجتمع الجزائري مؤخرا، يجعل من زواج الفاتحة رغم أنه شرعيا، غير ضامن لحقوق المرأة والطفل الذي قد يأتي ثمرة هذا الزواج.
وترى فاطمة أوصديق، أن هناك أسباب اقتصادية قاهرة جعلت الكثير من الشباب البطال يتحايل على بعض النساء خاصة اللواتي هن أكبر منهم سنا، ليتزوّجوا بهن بهدف ضمان مصدر رزق، حيث أن ارتفاع نسبة النساء العاملات وتمتع بعضهن بسكن وسيارة فتح أطماع بعض الطفيليين فيهن.
فخ للنصب والاحتيال
وقالت إن زواج الفاتحة بمثابة فخ للنصب والاحتيال على المرأة باستغلال عواطفها، وخاصة إذا كانت تعاني العنوسة، أو ليس لديها ولي، أو أهل وأقارب، ولهذا فإن منع زواج الفاتحة، حسب أوصديق، يضمن حقوق المرأة في الجزائر.