الحاكم غريب الأطوار.. منع صلاة التراويح 10 سنوات.. وامتنع عن دخول الحمام.. حقيقة شخصية الحاكم بأمر الله
وصفه المؤرخون بأنه كان مختلا عقليًا، ويقول المؤرخ ابن أيبك الدواداري إنه وهو صغير كان يهتم بالأدب والعلم وكان يدرس علم النجوم والأرصاد والكيمياء والعزائم والطلسمات وكل علوم الرياضيات، "أما فى نهايته وتمام أيامه فصدرت عنه أمور أقرب الى الجنون، لا بل هي الجنون بعينه، من خرافات دينية ودنيوية".
هو المنصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله معد الفاطمي، أبو علي، الذي اشتهر باسم الحاكم بأمر الله، سادس ملوك الدولة الفاطمية الإسماعيلية.
ولد بالقاهرة من أم رومية وبويع بالخلافة بعد موت أبيه سنة 386 هـ وعمره إحدى عشرة سنة، وخطب له على منابر مصر والشام وإفريقية.
اتسمت فترة حكم الحاكم بأمر الله بالتوتر، فقد كان على خلاف مع العباسيين الذين كانوا يحاولون الحد من نفوذ الإسماعيليين، وكان من نتائج هذا التوتر في العلاقات أن قامت الخلافة العباسية بإصدار مرسوم شهير في عام 1011 وفيه نص مفاده أن الحاكم بأمر الله ليس من سلالة علي بن أبي طالب. بالإضافة إلى نزاعه مع العباسيين فقد انهمك أيضا الحاكم بأمر الله في صراع آخر مع القرامطة. يُمكن أن يكون تاريخ الحاكم بأمر الله مثيرًا للجدل، حيث توجد وجهات نظر متنوعة حول حياته وإرثه.
تناقضات الحاكم بأمر الله
لقد تحير العلماء في مواقف الحاكم بأمر الله، واختلفت كلمتهم حول الحكم عليه، حيث رفعه قوم إلى درجة الألوهية، وهم الدروز. واعتقد فيه قوم أنه إمام المسلمين، وخليفة رب العالمين، وهم الإسماعيلية الفاطميون. وذهب أكثر المؤرخين إلى أنه كان شاذ الطباع، مريض العقل، يأتي بأعمال تُضحك الثكلى تدل على الجنون.
ولكن بالنظر إلى مدة حكمه، حيث حكم من سنة 386 إلى سنة 411 هـ، يظهر أن الاعتذار عنه بأنه كان مجنونًا؛ كلام لا يُلتفت إليه؛ لأنه من المحال أن يبقى في الحكم شخص مجنون مدة تصل إلى خمس وعشرين سنة.
ظهرت من الحاكم تصرفات غريبة فيها تناقض عجيب فكان يأمر بالشيء ثم يعاقب عليه، وكان يُعلي مرتبة وزير ثم يقتله، فقد أعلى مرتبة وزيره (برجوان) ثم قتله، وكلَّما مات وزير أو كبير في عهده قطع أنفه، فقد قتل مؤدبه أبا تميم سعيد الفارقي وهو يسامره في مجلسه، وفعل مثل ذلك في كثير غيره.
الاختلاف حول شخصيته
ولكي نعطي صورة واضحة عن هذه الشخصية الغامضة، نستعرض فيما يلي قول أحد المؤرخين ممن كانوا معاصرين لعهد الحاكم، أو كانوا قريبين من عهده، وهو بابن تغري بردي في (النجوم الزاهرة) الذي ينقل عن أبي المظفر بن قرأوغلي في تاريخه (مرآة الزمان) ما يلي عن الحاكم:
(وقد كانت خلافته متضادة بين شجاعة وإقدام، وجبن وإحجام، ومحبة للعلم وانتقام من العلماء، وميل إلى الصلاح وقتل الصلحاء.
وكان الغالب عليه السخاء، وربما بخل بما لم يبخل به أحد قط، وأقام يلبس الصوف سبع سنين، وامتنع عن دخول الحمام، وأقام سنين يجلس في الشمع ليلًا ونهارًا، ثم عنَّ له أن يجلس في الظلمة فجلس فيها مدة، وقتل من العلماء والكتاب والأماثل ما لا يحصى، وكتب على المساجد والجوامع سب أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وطلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم في سنة خمس وتسعين وثلثمائة، ثم محاه في سنة سبع وتسعين.
وأمر بقتل الكلاب، وبيع الفقاع ثم نهى عنه، ورفع المكوس عن البلاد وعما يباع فيها، ونهى عن النجوم وكان ينظر فيها. ونفى المنجمين، وكان يرصدها ويخدم زحل وطالعه المريخ، ولهذا كان يسفك الدماء.
وبنى جامع القاهرة، وجامع راشدة على النيل بمصر، ومساجد كثيرة، ونقل إليها المصاحف الفضية، والستور الحرير، وقناديل الذهب والفضة، ومنع صلاة التراويح عشر سنين، ثم أباحها. وقطع الكروم ومنع من بيع العنب، ولم يبق في ولايته كرمًا، وأراق خمسة آلاف جرة عسل في البحر، خوفًا من أن تعمل نبيذًا، ومنع النساء من الخروج من بيوتهن ليلًا ونهارًا).
وجد الحاكم في إحدى الليالي من سنة 411 هـ مقتولا في ناحية من جبل المقطم وقيل إنه لم يعثر على جثته وإنما وجدت ملابسه ملوثة بالدم، ويقال إن أخته ست الملك كلفت القائد حسين بن دواس زعيم قبيلة كتامة بقتله فقتله ثم قتلت ابن دواس وقتلت معه من اطلع على سر القتل، ثم أبدت الحزن على أخيها وجلست للعزاء.