رئيس "دينية الشيوخ": هذا مقصدي من فكرة إعداد تفسير جامع للقرآن | حوار
نستهدف مواكبة مستجدات العصر.. والفهمَ الصحيحَ للقرآن والسنة يقودان للانتماء إلى الدين والوطن
قال الدكتور يوسف عامر، رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشيوخ، إن فكرة إعداد تفسير جامع يُعنى بتقديم كتاب الله تعالى بأسلوب بسيط، تهدف إلى تحقيق الفهم الصحيح للدين بما يتماشى مع المستجدات العصرية من قضايا فكرية ومشكلات اجتماعية وغيرها ومسائل فقهية، ويلبى احتياجات الإنسان فى حياته اليومية من أحكام شرعية، وذلك بلغة سهلة وأسلوب مباشر، وبما يحقق مسايرة القرآن الكريم لكل العصور والأزمان والأماكن، بعيدا عن البلاغات العميقة الموجودة فى مختلف كتب ومراجع التفسير.
وأضاف فى حواره لـ«فيتو»، أن مقترحه لا يتضمن التفسير الجامع فقط، بل مصحفا إلكترونيا وموسوعة حديثية، مشيرا إلى أن الأسباب التى دعته للتقدم بمقترحه، خطوات الدولة نحو تجديد الخطاب الدينى، منذ أن وجه رئيس الجمهورية بتجديد الخطاب الدينى وبناء الوعى الرشيد لدى المجتمع وأفراده، وكذلك بهدف العمل على الحفاظ على الوطن، والاستمرار فى تطوير الجمهورية الجديدة حتى تصل إلى حضارة إنسانية جديدة.
مؤكدا أن علماء الأزهر، أهل لإعداد ذلك المقترح مكتملًا، فالأزهر به علماء كُثُر الواحد منهم نموذج معرفى فى ذاته، وهذه المشروعات تحتاج لفرق عمل متعددة التخصصات والمعارف، وتحدد لها إستراتيجية متضمنة مدة محددة وميزانية لضمان سرعة الإنجاز بالشكل الذى يليق بالموضوع وأهميته.
فإلى تفاصيل الحوار:
* فى البداية.. ما هى فكرة مقترحكم بإعداد تفسير جامع للقرآن الكريم؟
فكرة المقترح هى إعداد تفسير جامع يعنى بتقديم كتاب الله تعالى بلغة سهلة وبأسلوب مباشر يفهمه كل من يقرأه، وينشر ورقيا وإلكترونيا، ويحقق الفهم الصحيح للدين بما يتماشى مع المستجدات العصرية ويلبى الاحتياجات اليومية لدى الإنسان ويقدم علاج للمشكلات الأخلاقية والاجتماعية التى ظهرت فى المجتمعات الإنسانية كلها، نتيجة المستجدات المتسارعة فى المجتمعات، والأيديولوجيات المختلفة التى تريد صناعة هوية جديدة، تعمم على كل البشر.
حيث يُعبّرُ ذلك التفسير عن وسطية الإسلام واعتدالِهِ، وذلك بشكلٍ مُؤسّسى، من خلال استلهامِ الروحِ القرآنية المودعة بين دفتيه فى صناعة الحضارة، وبناءِ الإنسان، وعمارة الأكوان، وإزالة الأفْهامِ غيرِ الصحيحة والمعوجة التى تعلّقَ بها أهل التطرفِ والتكفيرِ، وحادوا عن الفَهمِ الصحيحِ للقرآن الكريم، ونزّلوا الآياتِ القرآنية على غير مواضِعِها، فشوهوا معالمَ هذا الدينِ الحنيف، وعليه انتشر التطرفُ بجميع صورهِ والإرهاب بجميع أشكالِه.
* وهل ترى أن هناك صعوبة لدى الناس فى فهم نصوص القرآن والسنة؟
الوحيان الشريفان (القرآن الكريم والحديث الشريف) معجزة فى اللغة ومعجزة فى المحتوى والمعنى، لذا يحتاجان إلى التمكن أولًا من علوم كثيرة من أجل التدبر فيهما وفهمهما، وثانيًا: التمكن من علوم أخرى لشرحهما لعامة الناس وخاصتهم.
ونحن لدينا تفاسير كثيرة للقرآن الكريم، ولكن قد تصعب لغتها أو أسلوبها على عامة الناس والسنة النبوية، كذلك لها شروح، ولكننا نريد موسوعة حديثية تشتمل على ما يحتاجه الناس فى العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق مع شروح بلغة سهلة وبأسلوب بسيط؛ حتى يستطيع عامة الناس فهم خلاصة معانى القرآن الكريم والأحاديث النبوية بأنفسهم من خلال قراءتهم لهذه الأعمال، وكأن هذه الأعمال حائط صد للأفكار المتشددة أو المنحرفة التى من الممكن أن يتعرض لها المجتمع فى أي وقت، هذا بالإضافة إلى أن هذا التفسير وهذه الموسوعة الحديثية سيعالجان المشكلات التى استحدثت فى هذا العصر.
*وما الأسباب التى دعت سيادتكم للتقدم بذلك المقترح؟
الأسباب عديدة، منها خطوات الدولة نحو تجديد الخطاب الدينى، منذ أن وجه رئيس الجمهورية بتجديد الخطاب الدينى وبناء الوعى الرشيد لدى المجتمع وأفراده، وكذلك بهدف العمل على الحفاظ على الوطن، والاستمرار فى تطوير الجمهورية الجديدة حتى تصل إلى حضارة إنسانية جديدة.
* وكيف سيتماشى ذلك التفسير الجديد مع المستجدات العصرية وتلبية الاحتياجات اليومية للإنسان؟
ذلك التفسير المقترح سيساعد الناس على فهم خلاصة معانى القرآن الكريم المباشرة بأنفسهم لأنه سيكون بلغة سهلة وبأسلوب مبسط، وسيعالج المشكلات التى ظهرت فى هذا العصر، لأن كل عصر له مستجداته، على سبيل المثال، قبل جائحة كورونا كان الإمام يأمر المأمومين فى الصلاة بتسوية الصفوف، كما يوصى كذلك بسد الفرج تأكيدا على أهمية الترابط بين الناس جميعا واتحادهم وعدم التمييز وعدم التنمر وغيرها من الحِكَمِ، ولكن بعد جائحة كورونا أخذ يأمر المأمومين بتسوية الصفوف وبالتباعد معًا من أجل الحفاظ على صحة المصلين والناس جميعا.
إذن كيف تم هذا؟ تم هذا بعد تدبر من علماء الدين فى الكتاب والسنة وفى علوم الفقه والشريعة وعلوم الآلة والحوار مع المتخصصين فى علوم الطب وغيرهم من المعنيين، وتم التأكد أن هذا التباعد يحافظ على حياة الإنسان، فصدرت فتوى التباعد طالما وجد السبب، وهذه ميزة حقيقية فى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية علينا أن نتدبرهما أولا فى كل لحظة ونفهمها ونستفيد من هذا الفهم الصحيح بما يحقق المقاصد الشرعية العليا الخمسة وبما يراعى مصالح الناس؛ حتى نستطيع عمارة الأرض بصناعة حضارة جديدة تخدم الإنسان فى كل زمان ومكان.
*وما هى المشكلات الاجتماعية التى ترى أن ذلك التفسير يعالجها؟
بالفعل هناك العديد من القضايا الاجتماعية التى تتطلب منا مواجهتها بالوعى والفهم الصحيح للدين، مثل التفكك الأسرى والطلاق والقضايا الاجتماعية، بالإضافة إلى الزيادة السكانية، وزيادة الاستهلاك فى كل شيء وغيرها.
وأرى أن الفهم الصحيح للدين يحل أغلب المشكلات داخل البيت المصرى، وبالتالى هناك ضرورة لسهولة توصيل ذلك الفهم الصحيح لتداوله بين العامة وتعليمه من الكبار للصغار.
كما أن الإنسان عندما يفهم دينه بشكل صحيح من خلال الكتاب والسنة سيفيد المجتمع، ويجعل الجميع يتقدم فى كل مجالات الحياة، ويدرك أهمية الحفاظ على وطنه وترابه وهويته وثقافته وكل من هو على أرض الوطن سواء كان مواطنا أو ضيفا
كما يدعوه إلى احترام معتقد غيره والتعايش وسط مفاهيم الحب والتعاطف بين كل أفراد الوطن، مصداقا لقول الله تعالى: {ولقد كرمنا بنى آدم} فالجميع مكرم من الله فكيف لا يحترم بعضنا بعضا! أيضا يعمل الوعى على الحفاظ على المجتمع والموارد الطبيعية، وهذه أمور حياتنا اليومية التى يوضحها ديننا، وتعمل على الحفاظ على ما تقوم به الدولة من جهود وتنمية والعمل على استمرار تلك الجهود.
فالكل مسئول على أن يقوم بدوره فى التنمية وفى الحفاظ على المال العام، وعلى تنمية وتطوير ما تقوم به الدولة من مشروعات، وهذا واجب شرعى، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته: الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع فى أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية فى بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع فى مال سيده ومسئول عن رعيته؛ فكلكم راع ومسئول عن رعيته»، فكل فرد مسئول مسئولية كاملة عن القيام بدوره كما يجب تجاه عمله المكلف به.
وبالتالى أرى أن الفهمَ الصحيحَ للقرآن الكريمِ والسنة النبوية الشريفة صمامُ أمانٍ للدين والوطن معًا، والانتماء إلى الدين والوطن، وهو الأمر الذى دعانى للتفكير فى عدة مشروعات ليس فقط التفسير الجامع.
*وما تلك المشروعات؟
منها: إصدار مصحفٍ شريفٍ ورقى وإلكترونى مزودٌ بتفسيرٍ مختصر (على هوامشِ صفحاته)، بالإضافة إلى موسوعة حديثية، وذلك بالإضافة للتفسير الجامع.
*وما أهمية ذلك المصحف الشريف الورقى والإلكترونى؟
سوف يوجهُ الناسَ للفهم الصحيحِ المنضبطِ لكتاب اللهِ تعالى، مع أهمية أن يكونَ هذا المصحف الشريف المقترح متاحًا لأصحاب الهممِ وذوى القدراتِ الخاصة مسموعًا وعن طريق "برايل" ومترجمًا بعدة لغات، لا سيما أن الدولة وأجهزتها تُولى اهتمامًا كبيرًا بحفظة كتابِ اللهِ تعالى مع فهمه فهمًا صحيحًا، وذلك فى ظل انتشارِ عددٍ من المصاحف الورقية والإلكترونية المفسرة، التى تحملُ فكرًا خاطئًا وموجهًا ومضامينَ وأيديولوجياتِ جماعاتٍ متطرفة وإرهابية، وانتشارُها كذلك على تطبيقاتِ الهاتفِ المحمولِ وهوامشِ المصاحفِ الورقية والإلكترونية، مما يزرعُ الفكرَ المتطرفَ فى قلوب ووجدانِ كُلِّ من يقرأْ هذه المصاحفَ.
*وماذا عن الموسوعة الحديثية؟
هى موسوعة حديثية، تشملُ شئونَ الحياة والواقعَ المـَعيش فى كل ما يتعلق بالعقائد، والعبادات، والمعاملات، والأخلاق، مع شرحٍ مُيسّرٍ وافٍ لها بأسلوب بسيطٍ مُعبرٍ عن وسطية الإسلام واعتداله، ومعالجٍ لقضايا العصرِ ومسائِلِهِ فى ضوء هذه الأحاديث الشريفة، وذلك بشكلٍ مؤسسى.
*وما الداعي لها من وجهة نظركم؟
الواقع الحالى يحتم علينا إبراز ما جاءت به تلك الأحاديث النبوية الشريفة من مكارمِ الأخلاق، والتعايشِ بين الناس، والحضِّ على العمل وإتقانهِ، والقيامِ بالحقوق والواجباتِ تجاهَ المجتمعاتِ والأوطان، مع شرح مُيسرٍ يستلهمُ أصالة تراثِنا ورُوحَ العصرِ الذى نعيشُ فيه، وكذلك عرضُ الأحاديث التى تتمسكُ بها تياراتُ التطرفِ والظلامِ، وبيانُ وجهة النظرِ الصحيحة فيها بما يَدْحَضُ هذه الأفكار ويُفنّدُها.
*وهل هناك محدداتِ لذلك التفسير الجامع؟
بالتأكيد هناك عدد من المحددات، منها: إبراز معالِمِ المنهجِ الأزهرى عقيدة وشريعة وسلوكًا، والعناية بمقاصدِ القرآن الكريم الكلية، وإظهار السننِ الإلهية (الكونية والاجتماعية) من خلال الآيات، وإظهار منهجِ القرآن الكريم فى عرض القضايا الشرعية، ومعالجة المشكلاتِ المجتمعية والسلوكية المستجدة، كمشكلات الأسرة، وعقوقِ الوالدين، والمرأة، والميراثِ، والعنفِ، والثأرِ، والتنمرِ، والجرائمِ الأخلاقية كالشذوذِ الجنسى المعروفِ بالمثلية، والإلحادِ، وجرائمِ الإنترنت الأخلاقية وغيرها، والرّدُّ على المعترضينَ على أحكامِ القرآن الكريم لا سيما فى القضايا المتعلقة بالمرأة من أمثال قولِ الله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَة} (البقرة: 228)، وقولِهِ تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} (النساء: 34)، خصوصًا مع انتشار ما يسمى بفلسفة "الجِندرية" فى الغرب، بالإضافة إلى معالجة الأفكار المتطرفة (إفراطا وتفريطًا) التى تعتمدُ تفسيراتٍ مغلوطة لآياتِ القرآن الكريم من خلال التفسيرِ الصحيحِ لهذه الآيات، ورصدُ أهم القضايا المجتمعية والأخلاقية والفكرية التى تؤثرُ فى وجدان وعقولِ الشبابِ والناشئة ومحاولة علاجِها من خلال هذا التفسير.
أيضا من المحددات، إبراز القيمِ الحضارية فى القرآن الكريم، وإظهار المبادئِ العامة للحضارة فى القرآن الكريم، وإظهار الجوانبِ الإنسانية فى القرآن، والربطُ بين القرآن الكريم ومكتشفاتِ العلمِ الحديثة، وإبراز مناهجِ القرآن الكريم فى التربية، وتعزيزُ مفاهيمِ السلامِ والتعايشِ وقُبولِ التنوعِ، والتركيزُ على منهج القرآنِ فى التعامل مع الآخر والمـُختَلِفِ، واستنباط الأحكام الشرعية المتعلقة بالآيات القرآنية خاصة ما يتعلق بالقضايا المعاصرة، وإظهار الموضوعِ الرئيسى الرابطِ بين كُلِّ موضوعاتِ السورة، وأنْ يُقَدَّمَ التفسيرُ بلغة دقيقة سهلة موجزة.
*ومن الذى سيقوم بإعداد هذه المشروعات؟
أرى أن الأزهر الشريفِ وعلماءه الأجلاءِ أهل للقيام بهذه المهمة السامية، استمرارًا لجهودِهم التى شهدتْ عليها العصورُ الماضية، فى الحفاظ على ثوابتِ الشرعِ وتقديمِه للعَالَمِينَ بصورة صحيحة ومناسبة، وحتى يتَّصلَ الماضى بالحاضر، ولِنُحافظَ معًا على هذا الإرثِ الحضارى والعلمى والفكرى الواصلِ إلينا عبر القرون.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو".